54

وعلى هذا مضت العادات وتناصرت الحكايات ، ولو لا قصد الاختصار لأسمعتك في هذا الشأن أخبارا وأشعارا عن ظرفاء المحبين المتدينين ، وأهل الهمم من فتيان العرب. فقد قيل : إن قيس بني عامر (1) تعرضته ليلى بأرض فلاة فقالت له : ها أنا بغيتك ومثار فتنتك ، ليلى! جئتك ولا رقيب ولا واسطة ، فاقض ما أنت قاض!.

فقال لها : بي منك ما شغلني عنك! ثم سار وتركها. فهذا من ظرفاء المحبين.

وآخر رأى غبار ذيل (2) محبوبه فغشي عليه فهذا أظرف منه ، إلى غير ذلك.

وجاء في الأثر : أن عليا كرم الله وجهه كانت له جارية تتصرف في أشغاله.

وكان بإزائه مسجد فيه قيم ، فكانت متى مرت به تلك الجارية قال لها : أما إني أحبك ، فشق عليها ذلك فأخبرت عليا رضياللهعنه بذلك ، فقال لها : إذا قال لك ذلك فقولي له : وأنا أحبك فأيش تريد بعد هذا (3)؟!.

فلما مرت به قالت له ذلك ، فقال : نصبر حتى يحكم الله بيننا ، فلما أخبرت عليا عليه السلام بما قال لها دعا به وقال له : خذها إليك فقد حكم الله بينكما! فهذا شأن الظرفاء والمتدينين من المحبين.

Page 64