الْمُقدمَة
بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم وَبِه أستعين
الْحَمد لله الَّذِي جعل الْمَنَام رَاحَة للأنام واختص أولي الْعلم من ذَوي الأحلام بِمَعْرِفَة علم الرُّؤْيَا وأضغاث الأحلام وَالصَّلَاة وَالسَّلَام على سيدنَا مُحَمَّد الْمَخْصُوص بالمزايا الْعِظَام وعَلى آله الْكِرَام وَأَصْحَابه الَّذين يهتدى بهم كَالنُّجُومِ فِي الظلام وعَلى التَّابِعين لَهُم بِإِحْسَان إِلَى يَوْم الْبَعْث وَالْقِيَام وَبعد فَهَذَا كتاب فِي تَعْبِير الأحلام لخصه من كتب الْعلمَاء الْأَعْلَام لَيْسَ بالطويل الممل وَلَا بالقصير المخل فصدره بجمعه نفع نَفِيس وَمن شَاءَ الله من أَبنَاء جنسي وَأَنا فِي ذَلِك معبر وسفير وَلَيْسَ لي مِنْهُ إِلَّا تَرْتِيب اللَّفْظ وَالتَّعْبِير وسميته تَنْبِيه الأفهام بِتَأْوِيل الأحلام وَالله سُبْحَانَهُ المسؤول أَن ينفع بِهِ إِنَّه أكْرم مأمول
تقدمة فِي فضل هَذَا الْعلم
إِن علم الرُّؤْيَا علم حسن شرِيف وفضله مشتهر منيف إِذْ بِهِ يسْتَدلّ على بعض المغيبات وَيعرف مَا هُوَ حَاصِل أَو آتٍ وَيفرق بَين الصّلاح وَالْفساد ويميز الغي من الرشاد وَمن ثمَّ أعتبره وعول عَلَيْهِ أكَابِر النَّبِيين وأعاظم الْمُرْسلين كإبراهيم الْخَلِيل وَيَعْقُوب ويوسف وَأفضل النَّاس أَجْمَعِينَ وَقد ورد فِيهِ أيات وأخبار قَالَ الله تَعَالَى (وَكَذَلِكَ مكنا ليوسف فِي الأَرْض ولنعلمه من تَأْوِيل
1 / 7
الْأَحَادِيث﴾ قَالَ الواحدي هُوَ تَأْوِيل الرُّؤْيَا وَقَالَ تَعَالَى ﴿لَهُم الْبُشْرَى فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَة﴾ قَالَ بعض الْمُفَسّرين يَعْنِي الرُّؤْيَا الصَّالِحَة وَفِي الْآخِرَة المعاينة وَقَالَ ﷺ رُؤْيا الْمُؤمن كَلَام يكلم بِهِ العَبْد ربه فِي الْمَنَام
وَقَالَت عَائِشَة ﵂ أول مَا بُدِئَ بِهِ النَّبِي ﷺ من الْوَحْي الرُّؤْيَا الصَّالِحَة فَكَانَ لَا يرى رُؤْيا إِلَّا جَاءَت مثل فلق الصُّبْح
وَقَالَ النَّبِي الرُّؤْيَا الصَّالِحَة جُزْء من سِتَّة وَأَرْبَعين جُزْء من النُّبُوَّة
وَقَالَ ﷺ ذهبت النُّبُوَّة وَبقيت الْمُبَشِّرَات الرُّؤْيَا الصَّالِحَة يَرَاهَا الرجل أَو ترى لَهُ
وَقَالَ ﷺ مَا مِنْكُم من أحد إِلَّا وَيرى فِي مَنَامه مَا يرى فِي يقظته عرف ذَلِك من عرفه وجهله من جَهله
وَقَالَ النَّبِي ﷺ من لم يُؤمن بالرؤيا الصَّالِحَة لم يُؤمن بِاللَّه وَالْيَوْم الآخر
وَقَالَ ﷺ أصدقكم حَدِيث أصدقكم رُؤْيا وَإِذا اقْترب الزَّمَان لم تكد تكذب رُؤْيا الْمُؤمن
وَكَانَ ﷺ إِذا صلى بِالنَّاسِ الْغَدَاة أقبل عَلَيْهِم بِوَجْهِهِ وَقَالَ من رأى مِنْكُم رُؤْيا يقصها علينا وَكَانَ الْأَنْبِيَاء ﵈ يأمرون وَينْهَوْنَ ويبشرون كَذَلِك وأنما كَانَ مَا أَرَادَ إِبْرَاهِيم الْخَلِيل ﵇ من ذبح وَلَده برؤيا رَآهَا
فصل
وَاعْلَم أَن أصدق الرُّؤْيَا إِذا نمت على جَنْبك الْأَيْمن لَا من نَام على جنبه الْأَيْسَر وعَلى ظَهره وَرَأى رُؤْيا وَرُبمَا يَصح بعض ذَلِك وَمَا كَانَ مِنْهَا فِي مَنَامه وعَلى ظَهره وَرَأى رُؤْيا وَرُبمَا يَصح بعض ذَلِك وَمَا كَانَ مِنْهَا فِي مَنَامه على بَطْنه فَهُوَ أضغاث أَحْلَام وأصدق مَا تكون الرُّؤْيَا فِي الرّبيع والصيف وأضعف مَا تكون فِي الخريف والشتاء وَأقرب مَا تكون إِذا رَأَيْت فِي آخر اللَّيْل وَأقوى مَا تكون إِذا كَانَ الرَّائِي صَادِقا وَأما الكذوب وَكَذَا الْكَافِر وَالْفَاسِق فَإِن رؤياهم ضَعِيفَة وَقد تصح نَادرا وَأما الْجنب فقد جزم جمع أَن رُؤْيَاهُ صَحِيحَة وَمِمَّنْ جرى على ذَلِك ابْن سينا وَكَذَا ابْن سِيرِين فَقَالَ رُؤْيا الْجنب وَالْحَائِض وَالنُّفَسَاء
1 / 8
والمستحاضة والسكران والمتلطخ بالخبث صَحِيحَة وأصدق مَا تكون عِنْد الِاسْتِغْرَاق فِي النّوم وَأما مَا يرَاهُ الناعس فَلَا عِبْرَة بِهِ وَلَا يجوز لأحد أَن يكذب فِي رُؤْيَاهُ وَيَزْعُم أَنه رأى غير مَا رأى فقد قَالَ ﷺ من تحلم بحلم لم يره كلف أَن يعْقد بَين شعيرتين وَلنْ يفعل
وَقَالَ ﷺ من كذب على غير مَا يرى كَانَ عِنْد الله من الْكَاذِبين وَإِذا قصّ إِنْسَان على آخر رُؤْيا وَزعم أَنه رَآهَا وَهُوَ كَاذِب فعبرها لَهُ أَو كَانَ رَآهَا فَلَمَّا عبرت أنكر أَنه رَآهَا عنادا كَانَت سَببا لحُصُول الْخَيْر للمعبر وسببا للوبال على الْقَاص وَينْدب لمن رأى فِي مَنَامه رُؤْيا مَكْرُوهَة أَن يتفل عَن يسَاره ثَلَاثًا ويستعيذ بِاللَّه من شَرها ويتحول إِلَى جنبه الآخر وَلَا يحدث بهَا فَإِن الرُّؤْيَا على رجل طَائِر كَمَا ورد مَا لم يحدث بهَا فَإِذا حدث بهَا سَقَطت وَإِذا قصّ رُؤْيَاهُ على رجل وَكَانَت خيرا وعبرها لَهُ بشر عَامِدًا كَانَ شرا على الْمعبر وَلَا يلْحق الرَّائِي من ذَلِك ضَرَر وَلَا تبطل الرُّؤْيَا بِتَأْوِيل يُخَالف التَّعْبِير وَإِذا رأى الْإِنْسَان رُؤْيا فَقَصَّهَا على رجل فِي النّوم فعبرها لَهُ فَهِيَ كَمَا عبر أَو رأى الطِّفْل الَّذِي لم يبلغ أَوَان النُّطْق فَكَلمهُ وَأخْبرهُ بِشَيْء فَهِيَ رُؤْيا صَادِقَة أَو رأى مَيتا فَأخْبرهُ بِشَيْء فَهُوَ حق لِأَنَّهُ مَشْغُول عَن الْبَاطِل بِمَا هُوَ فِيهِ من خير أَو شَرّ فَإِن قَالَ بَاطِلا فَهُوَ من الأضغاث أَو هاتفا أَو ملكا فَقَالَ لَهُ شَيْئا فَإِن كَلَامه حق لِأَن هَؤُلَاءِ لَا يكذبُون وَلَا يتَمَثَّل الشَّيْطَان فِي الرُّؤْيَا بِاللَّه وَلَا بملائكته وَكتبه وَرُسُله وَالْإِنْسَان قد يرى مناما وَيكون التَّعْبِير لَازِما لَا يتعداه وَقد يكون مُشْتَركا بَينه وَبَين شَرِيكه وسميه وَنَظِيره وَإِذا رأى رُؤْيا من لَيْسَ لَهَا بِأَهْل كَانَ ذَلِك لمن يصلح لَهُ من أَهله وَذَوِيهِ فرؤيا العَبْد لسَيِّده لِأَنَّهُ مَاله
1 / 9
وَالْمَرْأَة لزَوجهَا لِأَنَّهَا خلقت مِنْهُ وَالْولد لوالده لِأَنَّهُ خلق من مَائه وَقد رأى النَّبِي ﷺ فِي مَنَامه أسيد ابْن أبي الْعيص فِي الْجنَّة بعد مَوته وَكَانَ مُشْركًا فأولها ﷺ عتاب بن أسيد لِأَنَّهُ كَانَ نَظِيره
فصل
والمنام قد يكون مَحْمُودًا ظَاهرا وَبَاطنا كرؤية الْمَلَائِكَة والأنبياء ومعاشرتهم وَقد يكون مذموما فيهمَا كرؤية الْأَشْيَاء المخوفة المفزعة كمن رأى أَنه حبس أَو سقط من مَحل عَال أَو مرض وَقد يكون مذموما فِي الظَّاهِر مَحْمُودًا فِي الْبَاطِن كمن يرى الصاعقة فَإِن كَانَ عبدا أعتق أَو فَقِيرا تمول أَو فِي الْبَحْر خرج مِنْهُ سالما ومحاربا مَعَ عَدو ظفر بِهِ وَقد يكون مَحْمُودًا فِي الظَّاهِر مذموما فِي الْبَاطِن كمن رأى أَنه أَخذ من الشَّمْس عشرَة أَقْرَاص فَأكلهَا فَعَاشَ عشرَة أَيَّام وَمَات لِأَن تِلْكَ الأقراص قوت الْعشْرَة أَيَّام فَلَمَّا نفدت مَاتَ وكل هَذِه وجدت فِي التجارب وَقد يكون الْمَنَام تَصْرِيحًا وَقد يكون تعريضا وَقد يَنْقَسِم بِحَسب مصلحَة العَبْد فَإِن اقْتَضَت التَّصْرِيح أريها مصرحة أَو التَّعْرِيض أريها كَذَلِك وَقد تكون الْقُوَّة الْقَابِلَة للرؤيا غير مُعْتَدَّة لقبُول التَّصْرِيح فتعجز عَن إِدْرَاكهَا كالحاسة الَّتِي لَيست بسليمة وَلَا قَوِيَّة فتدرك محسوسها على غير مَا فِي الْوُجُود من اللَّوْن والشكل وَمن الرُّؤْيَا الصَّرِيحَة مَا حُكيَ أَن المعتصم نَام فِي خيمة فَرَأى قَائِلا يَقُول قُم وَعجل فَإِن الأفعى قصدتك لتقتلك فانتبه فَرَأى أَفْعَى بَينه وَبَينهَا ذراعان وَرَأى أَيْضا قَائِلا يَقُول إِلَى مَتى لم تطلق مَنْصُور الْجمال تحبسه ظلما فانتبه وتفكر فَلم يعرفهُ فَسَأَلَ عَنهُ فأحضر إِلَيْهِ وَبحث عَنهُ فَوَجَدَهُ مَظْلُوما فَأَطْلقهُ وَكَانَ بطبرستان امْرَأَة صَالِحَة وَلها ابْن فادخرت لَهُ مبلغا ليدفع بِهِ
1 / 10
عَنهُ يَوْمًا شدَّة فَمَاتَتْ وَابْنهَا لم يعلم بذلك فصودر وَحبس فَرَأى أمه فِي النّوم تَقول لَهُ استخرج من مَوضِع كَذَا مَا خبأته لَك لهَذَا الْيَوْم فانتبه وَتوجه إِلَى الْمحل الَّذِي عينته وحفره وَأخذ مَا فِيهِ من الدَّرَاهِم وتخلص ونظائر ذَلِك كَثِيرَة ثمَّ إِن النَّاس فِي الرُّؤْيَا أَقسَام مِنْهُم من لَا يرى رُؤْيا أصلا وَسبب ذَلِك بلادة نَفسه وَمِنْهُم من يرى وينسى وَمِنْهُم من يرى وَلَا يفهم وَمِنْهُم من يرى وَيفهم وَمِنْهُم من يتَمَنَّى رُؤْيَة ميته فَلَا يرَاهُ أَلا نَادرا فَإِن رَآهُ لم يُخبرهُ عَن حَاله وَإِن سَأَلَهُ لم يجبهُ لاشتغال الْمَيِّت عَنهُ بِمَا هُوَ فِيهِ من خير أَو شَرّ وَمِنْهُم من يرَاهُ ويخبره فَمن أحب أَن يرَاهُ يكثر الصَّدَقَة عَنهُ وَالْقِرَاءَة لَهُ ويواصله بِالدُّعَاءِ والترحم فيراه ويخبره
ذكر ذَلِك الْمَنَاوِيّ فِي شَرحه لمنظومة الشَّيْخ عمر بن الوردي
فصل
والرؤيا تَنْقَسِم إِلَى ثَلَاثَة أَقسَام الأول بشرى من الله تَعَالَى وَالثَّانِي تحزين من الشَّيْطَان وَالثَّالِث رُؤْيا الهمة وَهِي مَا يهم بِهِ الْإِنْسَان فِي الْيَقَظَة ويبيت مهما بِهِ فيراه فِي مَنَامه وَذَلِكَ كُله مَذْكُور فِي السّنة
قَالَ ﷺ الرُّؤْيَا ثَلَاثَة فبشرى من الله وَحَدِيث النَّفس وتخويف من الشَّيْطَان
قَالَ بعض الْعلمَاء أَشَارَ بِالْحَدِيثِ إِلَى أَنه لَيْسَ كل مَا يرَاهُ النَّائِم صَحِيحا وَيجوز تَعْبِيره إِنَّمَا الصَّحِيح مَا جَاءَ بِهِ الْملك
قَالَ ﷺ الرُّؤْيَا الصَّالِحَة من الله والحلم من الشَّيْطَان فَإِذا رأى أحدكُم شَيْئا يكرههُ فليتفل عَن يسَاره ثَلَاثًا حِين يَسْتَيْقِظ ويتعوذ بِاللَّه من شَرها فَإِنَّهَا لَا تضره
قَالَ الْمَنَاوِيّ فِي شرح منظومة ابْن الوردي ثمَّ جَمِيع الْمرَائِي تَنْحَصِر فِي قسمَيْنِ الصادقة وَهِي رُؤْيا الْأَنْبِيَاء وَمن تَبِعَهُمْ من الصَّالِحين والأولياء وَقد تقع لغَيرهم منذرة وَهِي الَّتِي تنذر فِي الْيَقَظَة على وفْق مَا وَقعت فِي النّوم والأضغاث لَا تنذر بِشَيْء وَهِي أَنْوَاع الأول تلاعب
1 / 11
الشَّيْطَان ليحزن الرَّائِي كَأَن رأى أَن رَأسه قطع وَهُوَ يتبعهُ أَو وَاقع فِي هول وَلم يجد من ينجده وَنَحْو ذَلِك الثَّانِي أَن يرى بعض الْمَلَائِكَة يَأْمُرهُ بِمَعْصِيَة أَو بِشَيْء من المحالات الْعَقْلِيَّة الثَّالِث مَا تحدث بِهِ نَفسه فِي الْيَقَظَة أَو يرى مَا جرت بِهِ عَادَته فِي الْيَقَظَة أَو مَا يغلب على مزاجه
وَقَالَ أَيْضا نقلا عَن ابْن سينا الْفرق بَين الرُّؤْيَا والإضغاث أَن مَاله تَعْبِير يُسمى الرُّؤْيَا وَمَا لَا تَعْبِير لَهُ فأضغاث وَهُوَ مَا لَا يدل على شَيْء حَاصِل وَلَا فَائِدَة فِيهِ وَلَا يعبر والرؤيا تدل على مَا هُوَ كَائِن فِي الْمُسْتَقْبل والإضغاث على الْأُمُور الْحَاضِرَة كَأَن خَافَ شَيْئا فَرَآهُ فِي نَومه أَو جَائِع أَو عطشان رأى أَنه يَأْكُل أَو يشرب أَو ينَام وَهُوَ ممتلئ فَرَأى أَنه يقذف فَكل ذَلِك لَا يعبر لعدم دلَالَته على الكائنات فِي الْمُسْتَقْبل على الْحَاضِرَة والماضية وَكَذَا الْأُمُور النفسانية كخوف وَأمن ورجاء وحزن وسرور فَإِذا نَام مَعَ وَاحِد من هَذِه ورأه بِعَيْنِه لَا يعبر وَسبب رُؤْيَة الأضغاث من الْأَسْبَاب الجسمانية اثْنَان إِمَّا خلاء وَهُوَ يحْتَاج إِلَى شَيْء فَيرى اجتلابه وَإِمَّا امتلاء أَي يَسْتَغْنِي عَن شَيْء فَيرى اجتنابه وَالسَّبَب البقائي أَيْضا فِيهِ اثْنَان إِمَّا خوف من شَيْء أَو رَجَاء لَهُ فعلى الْمعبر السُّؤَال عَن هَؤُلَاءِ الْأَرْبَع إِن كَانَ ممتلئا أَو خَالِيا خاويا أَو خَائفًا أَو راجيا فَإِن لم يكن لرؤياه سَبَب من هَذِه علم أَن رُؤْيَاهُ أضغاث وَيَنْبَغِي أَن لَا تقص الرُّؤْيَا إِلَّا على عَالم بأصول التَّعْبِير وقوانينه مجرب فِي الْإِصَابَة حَلِيم ذِي تأن وتدبر وَأَن لَا يقصها الرَّائِي إِلَّا على من يُحِبهُ وَالْأَفْضَل أَن تقص الرُّؤْيَا وتعبر فِي أول النَّهَار وَأَن لَا تعبر فِي
1 / 12
أَرْبَعَة أَوْقَات وَقت طُلُوع الشَّمْس وَوقت غُرُوبهَا وَإِذا جن اللَّيْل وَوقت الزَّوَال وَينْدب للمعبر إِذا أَتَاهُ من يسْأَله عَن رُؤْيَاهُ أَن يبْدَأ كَلَامه بِخَير فَيَقُول للسَّائِل خيرا تَلقاهُ وشرا توقاه أذكر رُؤْيَاك فَإِذا قصها قَالَ الْحَمد لله رب الْعَالمين وَصلى الله عَلَيْهِ وَسلم وعَلى آله وَصَحبه الطاهرين قد دلّت رُؤْيَاك على كَذَا وَلَا يشرع فِي الْجَواب حَتَّى يَسْتَوْفِي السُّؤَال بِتَمَامِهِ ويطيل التَّأَمُّل والتدبر وَلَا يعجل وَلَا يعبر حَتَّى يعلم من الرَّائِي واسْمه وَهل هُوَ ذكر أَو أُنْثَى طِفْل أَو بَالغ حر شرِيف أَو وضيع وحرفته فَإِن احتملت الرُّؤْيَا تعبيرين يُخرجهَا على مَا هُوَ أليف وموافق بالرائي وَإِذا ظهر لَهُ من الرُّؤْيَا عَورَة لكَون الرَّائِي مكبا على معصة كتم ذَلِك وَلَا يذكرهُ لَهُ بل يَأْمُرهُ بالتقوى ويعظه وَإِن دلّت على حُصُول غم أَو كرب أَو مُصِيبَة كتم ذَلِك أَيْضا ويأمره بِالصَّدَقَةِ وَيَنْبَغِي أَن يكون الْمعبر ذَا حذافة وفطنة صَدُوقًا فِي كَلَامه حسنا فِي أَفعاله مشتهرا بالديانة والصيانة وانما يُمَيّز بَين رُؤْيَة كل أحد بِحَسب حَاله وَمَا يَلِيق بِهِ ويناسبه وَلَا يُسَاوِي النَّاس فِي مَا يرونه وَيعْتَبر فِي تَعْبِيره على مَا يظْهر لَهُ من آيَات الْقُرْآن وَمن حَدِيث رَسُول الله ﷺ وَمَا نَقله المتقدمون فِي كتبهمْ وَإِذا أصَاب فِي تَعْبِيره فَلَا يعجب بِنَفسِهِ بل يشْكر الله الَّذِي هداه ووفقه لإصابة الصَّوَاب وَإِذا اجْتمع فِي الرُّؤْيَا مَا يدل على خير وعَلى شَرّ فَإِن الْمعبر يغلب الْأَرْجَح والأقوى مِنْهُمَا وَيحكم بِهِ ثمَّ إِذا علمت الرُّؤْيَا وفهمت من أَولهَا إِلَى آخرهَا فتأويلها سهل وَإِن علم بَعْضهَا وأشكل الْبَعْض فيعبر مَا علم ويفحص عَن الْبَاقِي بَعْضًا فبعضا فَإِن صَارَت أبعاضها مفهومة فَذَلِك وَإِن لم تفهم كلهَا نظر فِي الْمُنَاسبَة بَين أَجْزَائِهَا فَإِن كَانَ لَهَا مُنَاسبَة اسْتدلَّ لتِلْك الْمُنَاسبَة من بَعْضهَا
1 / 13
الْبَعْض ويدقق النّظر فِي استنباط تَأْوِيلهَا فَإِن كَانَت الرُّؤْيَا غَرِيبَة نادرة لم يَقع مثلهَا فَلَا يتجاسر وَلَا يُبَادر فِي تعبيرها بل يتَوَقَّف فِيهَا حَتَّى تظهر عَاقبَتهَا وَالله الْمُوفق وَقد اقتصرنا فِي هَذِه الْمُقدمَة على بعض المهم مِمَّا يتَعَلَّق بِهَذَا الْعلم وَمن أَرَادَ الْمَزِيد من ذَلِك فَعَلَيهِ بشرح الْمَنَاوِيّ على الألفية الوردية وَالله أعلم
1 / 14
الصُّورَة الأولى
1 / 15
الصُّورَة الثَّانِيَة
1 / 17
الْبَاب الأول فِي رُؤْيَة الله تَعَالَى وَالْعرش والكرسي واللوح والقلم
رُؤْيَة الله تَعَالَى
اعْلَم أَن رُؤْيَة الله تَعَالَى لَا تكون غَالِبا إِلَّا للأصفياء والأولياء لكرامتهم عَلَيْهِ وَقد تقع لغَيرهم لَكِن نَادرا بل قد تقع للْكَافِرِ وَيدل ذَلِك على أَنه يسلم فَمن رأى الله تَعَالَى كَمَا يَنْبَغِي لجلاله من غير تَشْبِيه وَلَا كَيفَ فَإِنَّهُ ينظر إِلَيْهِ فِي الْآخِرَة فَإِن رأى أَنه تَعَالَى كَلمه ووعده بِخَير فَإِنَّهُ يغْفر لَهُ ويقربه من رَحمته وَيَرْزقهُ حَلَالا وَمن رأى أَنه تَعَالَى كَلمه من وَرَاء حجاب فَإِنَّهُ يدل على زِيَادَة مَاله وَنعمته وَقُوَّة دينه وأمانته وَمن رأى أَنه تَعَالَى يلاطفه ويعامله بالشفقة فَإِنَّهُ يلطف بِهِ وَيُدبر أُمُوره لَكِن يحصل لَهُ بلَاء وَمن رأى أَنه تَعَالَى نزل فِي أَرض أَو فِي بلد فَإِن الْعدْل يَشْمَل ذَلِك الْمَكَان وَيدل على الخصب لأَهْلهَا فَإِن كَانُوا ظالمين حلت بهم النقمَة وَمن رأى أَنه تَعَالَى نَاوَلَهُ شَيْئا من مَتَاع الدُّنْيَا فَإِنَّهُ يَبْتَلِيه لَكِن لَا يَخْذُلهُ وَمن رأى أَنه تَعَالَى ساخطا عَلَيْهِ دلّ على عقوقه لوَالِديهِ أَو أَحدهمَا وَمن رأى أَنه تَعَالَى اشْتَرَاهُ من نَفسه فَإِنَّهُ يقتل شَهِيدا وَمن رأى أَنه تَعَالَى على غير مَا وصف بِهِ من صِفَات الْكَمَال فَإِنَّهُ يرتكب أمرا بَاطِلا من بِدعَة أَو غَيرهَا وَمن رأى أَن بَينه وَبَينه تَعَالَى حِجَابا خشِي عَلَيْهِ من عمل الْكَبَائِر
1 / 19
رُؤْيَة الْعَرْش والكرسي
وَمن رأى الْعَرْش والكرسي دلّ على أَن الرَّائِي زاكي الْعَمَل كثير الْخَيْر وَالْبركَة هَذَا إِن رآهما على هَيْئَة حَسَنَة وَإِلَّا دلّ على بِدعَة وضلالة وَمن رأى الْعَرْش وَهُوَ مَرِيض دلّ على أَنه يَمُوت وَمن رأى أَنه جَالس عَلَيْهِ فَإِنَّهُ رفْعَة وَعز وَشرف إِن كَانَ أَهلا والكرسي يدل للْعُلَمَاء وَذَوي المناصب على الرّفْعَة وَالْعدْل لمن جلس عَلَيْهِ وَيدل على التَّزَوُّج وَالسّفر وللمريض على الْمَوْت
(رُؤْيَة اللَّوْح)
وَمن رأى اللَّوْح الْمَحْفُوظ فَإِنَّهُ يدل للرائي على حُصُول علم وَقُرْآن وَحِكْمَة فَإِن رَآهُ صَغِيرا حَقِيرًا دلّ على كَون حَال الرَّائِي رديا وَمن رأى اسْمه مَكْتُوبًا فِيهِ دلّ على قرب أَجله ورؤية اللَّوْح الَّذِي يتَعَلَّم فِيهِ الصّبيان تؤول على سِتَّة أوجه رياسة وَولد وعالم وهداية ونفاذ أَمر وَعلم
(رُؤْيَة الْقَلَم)
وَمن رأى قلم الْقُدْرَة وَهُوَ يكْتب فِي اللَّوْح الْمَحْفُوظ وَعرف الْكِتَابَة فَإِن الرُّؤْيَة تكون كَمَا هُوَ مَكْتُوب وَمن رأى أَن بِيَدِهِ قَلما دلّ على أَنه يرْزق ولدا عَالما فَاضلا وَقيل إِنَّه وصيفه وَقيل علم وَمن رأى بِيَدِهِ عدَّة أَقْلَام فَهُوَ خير على كل حَال وَمن رأى أَنه يبري قَلما وَأتم برايته يكون مُسَددًا فِي أُمُوره وَإِن عسرت عَلَيْهِ بَرَاءَته يكون بضد ذَلِك وَمن رأى أَنه يمد قَلما فِي دَوَاة مَجْهُولَة فَإِنَّهُ يرتكب فَاحِشَة
1 / 20
(الْبَاب الثَّانِي فِي رُؤْيَة الْمَلَائِكَة والأنبياء وَالصَّحَابَة)
(رُؤْيَة الْمَلَائِكَة)
وَمن رأى الْمَلَائِكَة تنزل فِي مَكَان دلّ على حُصُول عز وَنصر لأَهله وَقيل تدل على وُقُوع مطر نَافِع وَيسر وَزَوَال عسر ورؤية الْمَرِيض للْملك مَوته وَلغيره نصر وَمن رأى أَنه يطير مَعَ الْمَلَائِكَة يستشهد وَمن رأى أَنه يُجَامع ملكا فَإِن وجد لَذَّة أصَاب مَالا والأدل على مَوته وَمن رأى أحدا من الْمَلَائِكَة على هَيْئَة إِنْسَان حسن الملبس والمنظر فَإِنَّهُ سرُور وَخير وَإِن رَآهُ بضد ذَلِك كَانَ بضد ذَلِك وَمن رأى أحدا من الْمَلَائِكَة الروحانيين والكرام الْكَاتِبين فَإِنَّهُ يرْزق شَهَادَة إِن شَاءَ الله تَعَالَى وَمن رأى جِبْرِيل ﵇ فَإِنَّهُ يُسَافر فِي طلب الْعلم ويدرس أُمْنِية وَإِن تَكَرَّرت رُؤْيَاهُ ظفر على الْأَعْدَاء وَرُبمَا أَمر بِمَعْرُوف وَنهى عَن مُنكر وَمن رأى مِيكَائِيل نَالَ مناه فِي الدَّاريْنِ وَمن رأى إسْرَافيل حصل لَهُ خير وسفر فِيهِ مَنْفَعَة وَإِن سَمعه ينْفخ فِي الصُّور مَاتَ قَرِيبا فَإِن ظن أَن النَّاس يسمعونه حصل الوباء ورؤيته نجاة لأهل الْخَيْر وبلاء لغَيرهم وَمن رأى ملك الْمَوْت فليستعد للْمَوْت وَإِن كَانَ هُنَاكَ عليل دلّ على مَوته وَرُبمَا دلّ ذَلِك على عَدو قَاصد بِسوء وَإِن رَآهُ فِي مَوضِع لَيْسَ فِيهِ عليل دلّ على خلائه وفقر أَهله وافتراقهم وَمن رأى أَنه يقبله فَإِنَّهُ يُصِيب مِيرَاثا
1 / 21
(رُؤْيَة النَّبِي ﷺ
وَمن رأى النَّبِي فَإِن كَانَ مهموما ذهب همه أَو مديونا قضى الله دينه أَو مَغْلُوبًا نصر أَو مَحْبُوسًا أطلق أَو عبدا أعتق أَو غَائِبا رَجَعَ إِلَى أهل سالما أَو مُعسرا أغناه الله أَو مَرِيضا شفا الله وَإِن رَأَتْهُ حَامِل ولدت ذكرا وَكَذَا لَو رَآهُ الزَّوْج وَإِن رثي بِبِلَاد الْكفَّار حدث فِيهَا وباء وَإِن رَآهُ إِنْسَان غضبانا فَهُوَ مسيء أَو مرتكب للسيئات وَإِن رَآهُ دفن فِي مَكَان فأهله على غير سنته وَإِن رَآهُ فِي مَوضِع حَرْب أَو كرب أَو غلاء فَإِن أَهله ينْصرُونَ وَيرْفَع عَنْهُم مَا هم فِيهِ وَمن رأى أَنه يتبعهُ ويقفو أَثَره فَإِنَّهُ يتبع سنته وَمن رأى أَنه يُعَاتب النَّبِي ﷺ أَو يجادله، أَو يرفع عَلَيْهِ صَوته، فَإِن ذَلِك بدعا قد أحدثتها فِي الدّين وَالسّنَن. (رُؤْيَة الْأَنْبِيَاء ﵈
وَمن رأى آدم ﵇ جماله وبهائه ولي ولَايَة إِن كَانَ أَهلا وَإِلَّا نَالَ من كَبِير عزا أَو دلّ على أَنه أذْنب ذَنبا فليتب فَإِن رأى أَنه كَلمه حصل لَهُ علم وَمَعْرِفَة وَمن رأى شيت نَالَ نعْمَة وفرحا وَمن رأى إِدْرِيس نَالَ عزا ودرجة عالية
وَمن رأى نوحًا عمر طَويلا وَأصَاب شدَّة وأذى ويظفر ويرزق أَوْلَادًا من زَوْجَة دينة
وَمن رأى هودا يُسَلط عَلَيْهِ قوم سُفَهَاء جهال وينجو ويفوز برشد وَخير وَمن رأى صَالحا ناله هم من سُفَهَاء ثمَّ يظفر أَو يكون فِي أمره صَالحا وَفِي قَوْله صَادِقا وَمن رأى لوطا فَإِنَّهُ يتَحَوَّل من مَكَان إِلَى مَكَان وعاقبة أمره محمودة أَو يكون لَهُ امْرَأَة فاسقة وَإِن كَانَ مِمَّن يعْمل عمل قومه فليتق الله وليتب
وَمن رأى إِبْرَاهِيم فَإِنَّهُ يحجّ أَو يرْزق محبَّة الله وَيذْهب همه وغمه وَقيل يصل إِلَيْهِ جور من سُلْطَان ظَالِم وينصر وَقيل يعق أَبَاهُ
وَمن رأى إِسْمَاعِيل نَالَ فصاحة ورياسة وَعمر مَسْجِدا أَو يوعده أحد بوعد يصدق فِيهِ وَمن رأى
1 / 22
إِسْحَاق أَصَابَهُ هول ثمَّ ينجو وَيحصل لَهُ بِشَارَة وَفتح وغنيمة
وَمن رأى يَعْقُوب رزق همة وأولادا أقوياء أَو يحصل لَهُ هم وغم من جِهَة الْأَوْلَاد ويفرح بعد ذَلِك وَإِن كَانَ لَهُ غَائِب يَأْتِي إِلَيْهِ بِخَير وَبشَارَة
وَمن رأى يُوسُف حبس ونال شدَّة ثمَّ نصر وَولي ولَايَة أَو رُبمَا يحصل لَهُ من قبل امْرَأَة وعاقبته إِلَى خير أَو رُبمَا دلّت رُؤْيَته على بشرى
وَمن رأى مُوسَى وَهَارُون فَإِنَّهُ يهْلك على يَده جَبَّار وَإِن كَانَ فِي بَحر ينجو سالما
وَمن رأى أَيُّوب أَصَابَهُ بلَاء ثمَّ يخلص ويعوض خيرا وَإِن كَانَ مَرِيضا أَو لَهُ مَرِيض حصل لَهُ الشِّفَاء من الله تَعَالَى
وَمن رأى يُونُس فَإِنَّهُ يعجل فِي أَمر يُصِيبهُ من حبس وضيق ثمَّ يخلص
وَمن رأى دَاوُد ولي ولَايَة وَرُبمَا ابْتُلِيَ بِسَبَب امْرَأَة وَرُبمَا كَانَ عِنْده شَيْء مدخرا فأثر فِيهِ السوس وَمن رأى سُلَيْمَان ولي ولَايَة ورزق فقها وَمن رأى زَكَرِيَّا نَالَ عِنْد كبره ولدا تقيا وَمن رأى يحيى نَالَ ورعا وتقوى أَو صَار ذَا جاه ودولة وَبشَارَة تَأتيه وَمن رأى عِيسَى صَار زاهدا عابدا كثير السّفر وَمن رأى إلْيَاس فَإِن لَهُ دَعْوَة مجابة على أعدائه وَمن رأى الْخضر فَإِنَّهُ يحجّ وَيكون عمره طَويلا وَرُبمَا دلّ على خصب بعد غلاء وَمن رأى لُقْمَان رزق حِكْمَة أَو ولدا صَالحا وَمن رأى نَبيا من الْأَنْبِيَاء ﵈ فِي مَوضِع فَإِن كَانَ أَهله فِي حَرْب ظفروا بعدوهم وَإِن كَانُوا فِي كرب أَو قحط فرج الله عَنْهُم وَمن رأى أَنه يزور نَبيا من الْأَنْبِيَاء حَيا أَو مَيتا فَإِن كَانَ تقيا زَاد فِي تقواه وَإِن كَانَ عَاصِيا تَابَ الله عَلَيْهِ أَو دلّ على أَنه يزوره كَمَا رأى أَو دلّ على أَنه من أهل الْجنَّة أَو حصل لَهُ خير وبركة وَمن رأى أحدا مِنْهُم وَهُوَ فِي صُورَة حَسَنَة حصل لَهُ صَلَاح فِي دينه ودنياه وَإِن رأى فِيهِ نُقْصَانا وعَلى غير صُورَة حَسَنَة دلّ على نُقْصَان دين الرَّائِي وَمن رأى أَنه نَبِي من الْأَنْبِيَاء فَإِنَّهُ يَمُوت شَهِيدا ويقتر فِي رزقه ويرزق الصَّبْر على المصائب وَيصير بعد إِلَى الظفر وَمن رأى ضريح نَبِي من الْأَنْبِيَاء
1 / 23
فَهُوَ حُصُول خير وبركة وَقيل يكون فِي شَفَاعَته وَإِن كَانَ عزبا يتَزَوَّج وَقَالَ بَعضهم من رأى أَنه يزور ضريح أحد من الْأَنْبِيَاء أَو من الصَّحَابَة أَو من الصَّالِحين فَإِنَّهُ يفرج همه وغمه وتكفر ذنُوبه
(رُؤْيَة الصَّحَابَة ﵃
وَمن رأى أَبَا بكر الصّديق ﵁ فَإِنَّهُ يكون رجلا أَمينا صَادِقا كثير الْخَيْر وَمن رأى عمر بن الْخطاب صَار طَوِيل الْعُمر قوالا للحق وَرُبمَا رزق الاعتمار بِالْبَيْتِ وَالطّواف وَمن رأى عُثْمَان بن عَفَّان صَار خيرا فَاضلا وَرُبمَا قتل ظلما وَمن رأى عَليّ بن أبي طَالب صَار عَالِيا رفيع الْمَكَان ورعا شجاعا متصدقا وَرُبمَا وَقعت فِي الْموضع فتْنَة وَمن رأى أحدا من الصَّحَابَة ﵃ فليتأول لَهُ بالاشتقاق مثل سعد وَسَعِيد فَإِنَّهُ يكون سعيدا
1 / 24
(الْبَاب الثَّالِث فِي رُؤْيَة الْقِيَامَة وأشراطها وَالْجنَّة وَالنَّار)
(رُؤْيَة الْقِيَامَة)
من رأى أَن الْقِيَامَة قد قَامَت حصل لَهُ الْفَوْز والنجاة إِن كَانَ من أهل الصّلاح وَإِن كَانَ من أهل الْفساد فَهُوَ تحذير لَهُ من عَاقِبَة ذَلِك وَمن رَآهَا قد قَامَت بمَكَان فَإِن الْعدْل يبسط فِي ذَلِك الْمَكَان فَإِن كَانَ أَهله ظالمين انتقم مِنْهُم أَو غير ظالمين نصروا وظفروا وَمن رَآهَا قَامَت عَلَيْهِ وَحده فقد قرب أَجله وَمن رأى من أَشْرَاط السَّاعَة شَيْئا مثل النفخ فِي الصُّور وطلوع الشَّمْس من مغْرِبهَا وَخُرُوج الدَّابَّة وَنَحْو ذَلِك فَإِن تَأْوِيله كتأويل الْقِيَامَة وَقيل خُرُوج الدَّابَّة فتْنَة تظهر وَيهْلك فِيهَا قوم وينجو أخرون وَخُرُوج الدَّجَّال رجل ذُو بِدعَة يظْهر فِي النَّاس والنفخ فِي الصُّور طاعون أَو إنذار السُّلْطَان فِي بعث أَو غَيره أَو سفر عَام إِلَى الْحَج واجتماع الْخلق لِلْحسابِ عدل من الله تَعَالَى يكون فِي النَّاس بِإِمَام عَادل يقدم عَلَيْهِم أَو يَوْم عَظِيم يشهدونه وَمن رأى كَأَنَّهُ أَخذ كِتَابه بِيَمِينِهِ فَازَ بالصلاح وبالثناء الْجَمِيل وَمن أَخذه بِشمَالِهِ هلك بالإثم أَو بالفقر وَالْحَاجة
(رُؤْيَة الْحساب وَالْمِيزَان والصراط والحوض)
وَمن رأى أَنه حُوسِبَ وَقع فِي محنة وَعَذَاب وَمن رأى مِيزَانه قد رجح حسن عمله وأطاع بِهِ وَإِلَّا فعلى قدر مَا رَآهُ وَمن رأى الْمِيزَان دلّ
1 / 25
على انبساط الْعدْل وارتفاع الظُّلم وَمن رأى أَنه مر على الصِّرَاط سليما نجا من شدَّة وَفتن وبلاء وَإِن سقط مِنْهُ فِي النَّار يَقع فِي فتْنَة وبلاء وَإِن رأى أَنه قَائِم عَلَيْهِ تستقيم على يَدَيْهِ أُمُور معوجة وَمن رأى أَنه شرب من الْحَوْض فَإِنَّهُ يَمُوت على الْإِسْلَام
(رُؤْيَة الْجنَّة)
وَمن رأى أَنه دخل الْجنَّة فَإِنَّهُ يعْمل عملا صَالحا يسْتَوْجب بِهِ الْجنَّة وَإِن كَانَ خَائفًا أَمن وَأَن كَانَ مَرِيضا انْتقل من الدُّنْيَا إِلَيْهَا فَإِن رأى أَنه آتى إِلَيْهَا ليدْخل فَرد أَفَاق من مَرضه وَمن رأى أَنه تنَاول من ثمارها أَو أَعْطَاهَا لَهُ غَيره وَأكل مِنْهَا فَإِنَّهُ ينْتَفع بِعَمَل من أَعمال الْبر وَمن رأى أَنه فِيهَا وَلَا يدْرِي مَتى دَخلهَا فَإِنَّهُ لَا يزَال فِي الدُّنْيَا منعما عَزِيز وَمن رأى من حورها أَو ولدانها فَإِنَّهُ من أَعمال الْبر على حَال وَمن رأى أَن بِيَدِهِ مِفْتَاح الْجنَّة فَإِنَّهُ يتوفى على التَّوْحِيد
(رُؤْيَة النَّار أعاذنا الله تَعَالَى مِنْهَا)
وَمن رأى أَنه فِي نَار جَهَنَّم فَهُوَ زجر لَهُ عَن ذنُوب هُوَ مصر عَلَيْهَا وَإِن كَانَ صَالحا فَإِنَّهُ يحم أَو يَقع فِي بلَاء أَو يسجن فَإِن خرج تخلص من ذَلِك وَمن رأى أَنه مُقيم فِيهَا وَلم يدر مَتى دَخلهَا دلّ على أَنه لَا يزَال فِي ضيق وَأمره مخذول وَمن رأى أَنه تنَاول من مأكولها شَيْئا فَإِن ذَلِك من أَعمال العَاصِي وَإِن رَأَتْ امْرَأَة أَنَّهَا دخلت النَّار دلّ على طَلاقهَا إِن كَانَ الطَّلَاق يؤذيها وَمن رَآهَا وَلم يصبهُ مِنْهَا مَكْرُوه فَإِن ذَلِك من هموم الدُّنْيَا وأحزانها يُصِيبهُ مِنْهَا بِقدر مَا ناله من حرهَا وَمن رَآهَا فِي مَوضِع دلّ على أَن هُنَاكَ سُلْطَانا غشوما أَو رجلا مسلطا لَا يحل حَلَالا وَلَا يحرم حَرَامًا وَيكون فِي ذَلِك الْموضع حَرْب أَو جوع وارتفاع الأسعار والسلع
1 / 26
(الْبَاب الرَّابِع فِي رُؤْيَة السَّمَاء وَالشَّمْس وَالْقَمَر والنجوم)
(رُؤْيَة السَّمَاء)
من رأى أَنه فِي السَّمَاء من غير صعُود أَو صعد إِلَيْهَا بِسَبَب نَالَ عزا ورفعة وَإِن صعد إِلَيْهَا بِغَيْر سَبَب نَالَ خوفًا من قبل سُلْطَان وَمن رأى أَنه نَازل مِنْهَا فَإِنَّهُ يشرف على الْمَوْت ثمَّ ينجو وَمن رأى أَنه بنى بهَا بَيْتا فَإِنَّهُ يستشهد وَمن رأى أَن أَبْوَابهَا مفتحة أَو أَنَّهَا قربت إِلَى الأَرْض دلّ على إِجَابَة الدُّعَاء وَكَثْرَة الْمَطَر وَإِن رأى أَن أَبْوَابهَا مغلقة دلّ على قلَّة الْمَطَر وَمن رأى أَنه وَقع من السَّمَاء فَإِن ذَلِك مَكْرُوه فِي الدّين فَإِن كَانَ الرَّائِي ذَا سُلْطَان زَالَ عَنهُ سُلْطَانه وَمن رأى نسرا أَو عقَابا طَار بِهِ إِلَى السَّمَاء وَلم يَقع فَإِنَّهُ يُصِيب خيرا وَرَفعه وَمن رأى فِي السَّمَاء سِرَاجًا أول بالشمس فَإِن انطفأ كسفت وَمن رأى أَن السَّمَاء انشقت فَإِنَّهُ اخْتِلَاف بَين النَّاس وَكذب على الله تَعَالَى وَمن رأى أَنَّهَا انشقت فَخرج مِنْهَا شيخ حل بِتِلْكَ الأَرْض خصب أَو شَاب فعدو يظْهر وَمن رأى أَنه مَشى فَوق السَّمَاء مَشى فِي أثر الْمَطَر وَمن رأى أَنَّهَا خضراء دلّ على خصب فِي ذَلِك الْعَام أَو صفراء دلّ على مرض فِيهِ أَو أَنَّهَا من حَدِيد فمطر ذَلِك الْعَام قَلِيل وَمن رأى أَنَّهَا وَقعت عَلَيْهِ دلّ على أَن سقف بَيته يَقع عَلَيْهِ
(رُؤْيَة الشَّمْس)
ورؤية الشَّمْس تؤول بالسلطان فَمن رأى أَنه ملكهَا أَو استمكن مِنْهَا نَالَ من السُّلْطَان جاها وَمن رَآهَا وَلَا شُعَاع لَهَا فَإِنَّهُ نُقْصَان من ملك
1 / 27
السُّلْطَان وهبوطها يدل على عزل أَو مَرضه أَو مَوته وَمن رأى أَنَّهَا كسفت أَو حَال دونهَا دُخان متراكم وسحاب كثيف أَو اسودت أَو اصْفَرَّتْ أَو سَقَطت من السَّمَاء أَو صَار جرمها أعظم أَو أَصْغَر أَو أبعد أَو أقرب أَو أنور أَو أظلم اعْتبر حَال الْملك بِمَا يُنَاسِبه وَمن رأى أَن الشَّمْس سجدت لَهُ فَإِن السُّلْطَان يمِيل إِلَيْهِ ويخضع لَهُ أَو يَقع عدل وَاسع من جِهَته وَمن رأى أَنه تنَازع هُوَ وَالشَّمْس فَإِن السُّلْطَان ينازعه بِقدر ذَلِك وَمن رأى أَن شمسين اصطدمتا فهما ملكان يتقابلان وَمن رأى أَنه يسْجد للشمس أَو الْقَمَر دلّ على أَنه ارْتكب ذَنبا عَظِيما فليتب مِنْهُ وَمن رأى أَن الشَّمْس طلعت فِي بَيته فَإِن كَانَ عزبا تزوج من أهل بَيت السُّلْطَان ونال من سُلْطَانه بِقدر مَا رأى من ضوئها وَمن رأى أَن الشَّمْس قد غَابَتْ أَو على أَن تغيب فَإِن الْأَمر الَّذِي هُوَ فِيهِ أَو طَالبه من خير أَو شَرّ قد انْقَضى وَمن رأى أَن الشَّمْس طالعة من غير مطْلعهَا فَإِنَّهُ آيَة وَحدث يحدث وَمن رأى أَنه قد أَصَابَهُ حر الشَّمْس حصل لَهُ ظلم من الْملك أَو نوابه وتؤول الشَّمْس أَيْضا بِالزَّوْجَةِ إِذا كَانَت لسلطان أَو رَئِيس أَو جميلَة وتؤول أَيْضا بِالذَّهَب على حسب مَا يَقْتَضِيهِ حَال المرئي لَهُ وَقد تؤول الشَّمْس مَعَ الْقَمَر بالأبوين فَإِن سقط أَحدهمَا أَو ذهب نوره هلك أحد الْأَبَوَيْنِ
(رُؤْيَة الْقَمَر والأنجم الْخَمْسَة السيارة)
ويؤول الْقَمَر بوزير السُّلْطَان أَو عَامله وَكَذَا الأنجم الْخمس السيارة الزهرة والمريخ وَعُطَارِد وَالْمُشْتَرِي وزحل فَمن رأى مِنْهَا تلطفا وإقبالا حصل لَهُ عز ورفعة فالزهرة تؤول بِزَوْجَة الْملك والمريخ بِصَاحِب الْجَيْش وَعُطَارِد بكائن وَالْمُشْتَرِي بالخزان أَي خَازِن الْملك وزحل بِصَاحِب عَذَابه وَأما سَائِر النُّجُوم فهم أَصْحَاب النَّبِي ﷺ فَمن رأى أَنه اقْتدى بهم اهْتَدَى وتؤول أَيْضا بأشراف النَّاس فَمن رَآهَا قد
1 / 28