Tamhid Tarikh Falsafa Islamiyya
تمهيد لتاريخ الفلسفة الإسلامية
Genres
قال ابن رشد المتوفى سنة 595ه/1198م في كتابه «فصل المقال فيما بين الشريعة والحكمة من الاتصال»: «وينبغي أن تعلم أن مقصود الشرع إنما هو تعليم العلم الحق والعمل الحق، والعلم الحق هو معرفة الله - تعالى - وسائر الموجودات على ما هي عليه، وبخاصة الشريفة منها، ومعرفة السعادة الأخروية والشقاء الأخروي، والعمل الحق هو امتثال الأفعال التي تفيد السعادة وتجنب الأفعال التي تفيد الشقاء، والمعرفة بهذه الأفعال هو الذي يسمى العلم العملي.»
2
وقال الشهرستاني في كتاب «الملل والنحل»: «قالت الفلاسفة: ولما كانت السعادة هي المطلوبة لذاتها، وإنما يكدح الإنسان لنيلها والوصول إليها، وهي لا تنال إلا بالحكمة، فالحكمة تطلب إما ليعمل بها، وإما تعلم فقط، فانقسمت الحكمة قسمين: علمي وعملي ... فالقسم العملي هو عمل الخير، والقسم العلمي هو علم الحق.»
3
وبهذا تتشابه غاية الدين وغاية الفلسفة، وإن لم يكن هذا التشابه على الوجه الذي قرره ابن حزم، فكلاهما يرمي إلى تحقيق السعادة من طريق الاعتقاد الحق وعمل الخير، بل موضوعات الدين وموضوعات الفلسفة واحدة، وذلك رأي الفارابي في كتابه «تحصيل السعادة»؛ إذ يقول: «فالملة محاكية للفلسفة عندهم، وهما تشتملان على موضوعات بأعيانها، وكلاهما تعطي المبادئ القصوى للموجودات، فإنهما يعطيان علم المبدأ الأول والسبب الأول للموجودات، وتعطيان الغاية القصوى التي لأجلها كون الإنسان، وهي السعادة القصوى والغاية القصوى في كل واحد من الموجودات الأخر، وكل ما تعطي الفلسفة فيه البراهين اليقينية؛ فإن الملة تعطي فيه الإقناعات، والفلسفة تتقدم بالزمان الملة.»
4
والدين والحكمة عند هؤلاء الفلاسفة يفيض كلاهما عن واجب الوجود على عقول البشر بواسطة العقل الفعال؛ إذ المعارف كلها صادرة عن واجب الوجود بواسطة العقل الفعال، وحيا كانت تلك المعرفة أم غير وحي، فلا فرق بين الحكمة والدين من جهة غايتهما، ولا من جهة مصدرهما وطريق وصولهما إلى الإنسان، والفرق بين الدين والفلسفة عند الفارابي هو من جهة أن طرق الفلسفة يقينية، أما طريق الدين فإقناعي، ومن جهة أخرى تعطي الفلسفة حقائق الأشياء كما هي، ولا يعطي الدين إلا تمثيلا لها وتخييلا، وقد ذكر الفارابي ذلك في مواضع مختلفة من كتبه، منها قوله في كتاب «تحصيل السعادة»: «تفهيم الشيء على ضربين؛ أحدهما: أن يعقل ذاته، والثاني: أن يتخيل بمثاله الذي يحاكيه، وإيقاع التصديق يكون بأحد طريقتين: إما بطريق البرهان اليقيني، وإما بطريق الإقناع، ومتى حصل علم الموجودات أو تعلمت فإن عقلت معانيها أنفسها ووقع التصديق بها عن البراهين اليقينية كان العلم المشتمل على تلك المعلومات فلسفة، وإن علمت بأن تخيلت بمثالاتها التي تحاكيها، وحصل التصديق بما خيل منها عن الطرق الإقناعية، كان المشتمل على تلك المعلومات بتسمية القدماء ملة.»
5
ويرى ابن سينا أن بين الدين والفلسفة فرقا آخر، هو أن وجهة الدين عملية أصالة، ووجهة الفلسفة بالأصالة نظرية، وهو يقول في رسالة «الطبيعيات»: «مبدأ «الحكمة العملية» مستفاد من جهة الشريعة الإلهية، وكمالات حدودها تتبين بها، وتتصرف فيها بعد ذلك القوة النظرية من البشر بمعرفة القوانين واستعمالها في الجزئيات ... ومبادئ «الحكمة النظرية» مستفادة من أرباب الملة الإلهية على سبيل التنبيه، ومتصرف على تحصيلها بالكمال بالقوة العقلية، على سبيل الحجة.»
6
Unknown page