148

Tamhīd al-awāʾil wa-talkhīṣ al-dalāʾil

تمهيد الأوائل وتلخيص الدلائل

Editor

عماد الدين أحمد حيدر

Publisher

مؤسسة الكتب الثقافية

Edition

الأولى

Publication Year

١٤٠٧هـ - ١٩٨٧م

Publisher Location

لبنان

مَسْأَلَة فِي الرَّد على منكري إعجاز الْقُرْآن
فَإِن قَالَت الْيَهُود وَالنَّصَارَى مَا أنكرتم أَن يكون مَا أَتَى بِهِ النَّبِي ﷺ من جنس كَلَامهم غير أَنه كَانَ أفْصح وأوجز وَأحسن نظما وَأَن يكون ذَلِك إِنَّمَا تأتى لَهُ بتقدمه فِي البلاغة عَلَيْهِم وَحسن فَصَاحَته ولسنه وبرعهم بذلك وَزَاد فِيهِ على جَمِيعهم قيل لَهُم إِن قدر مَا يَقْتَضِيهِ التَّقَدُّم والحذق فِي الصِّنَاعَة قدر مَعْرُوف لَا يخرق الْعَادة مثله وَلَا يعجز أهل الصِّنَاعَة والمتقدمون فِيهَا عَنهُ مَعَ التحدي والتقريع بِالْعَجزِ والقصور لِأَن الْعَادة جَارِيَة بِجمع الدَّوَاعِي والهمم على بُلُوغ منزلَة الحاذق الْمُتَقَدّم فِي الصِّنَاعَة وَمَا أَتَى بِهِ النَّبِي ﷺ من الْقُرْآن قد خرج عَن حد مَا يكْتَسب بالحذق وَعجز الْقَوْم عَن معارضته ومقابلته مَعَ إيثارهم لذَلِك واجتماع هممهم لَهُ وتوفر دواعيهم عَلَيْهِ وعلمهم بجعله حجَّة لَهُ وَدلَالَة على صدقه فَخرج بذلك عَن نمط مَا سَأَلْتُم عَنهُ
وعَلى أَن الْآيَة فِي الْقُرْآن أَنه منزل بِلِسَان الْعَرَب وَكَلَامهم ومنظوم على وزن يُفَارق سَائِر أوزان كَلَامهم وَلَو كَانَ من بعض النظوم الَّتِي يعرفونها لعلموا أَنه شعر أَو خطابة أَو رجز أَو طَوِيل أَو مزدوج غير أَن ناظمه قد برع وَتقدم فِيهِ وَلَيْسَ يخرج الحذق فِي الصَّنْعَة إِلَى أَن يُؤْتِي بِغَيْر جِنْسهَا وَمَا لَيْسَ مِنْهَا فِي شَيْء وَمَا لَا يعرفهُ أَهلهَا وَإِذا كَانَ ذَلِك كَذَلِك وَكُنَّا نعلم أَن قُريْشًا أفْصح الْعَرَب وأعرفها بِاللِّسَانِ وأقدرها على سَائِر أوزان الْكَلَام وَأَنَّهَا قد دهشت وطاشت عقولها فِيمَا أَتَى بِهِ فَقَالَت مرّة إِنَّه سحر وَقَالَت تَارَة إِنَّه ﴿معلم مَجْنُون﴾ وَقَالَت أُخْرَى أساطير الْأَوَّلين

1 / 170