Tamalluk Faransawiyya Aqtar Misriyya

Niqula Turki d. 1243 AH
51

Tamalluk Faransawiyya Aqtar Misriyya

ذكر تملك جمهور الفرنساوية الأقطار المصرية والبلاد الشامية

Genres

أتى صدر الصدور لأرض مصر

بنصر أشرقت فيه الديانة

بعام قد كساه النور أرخ

به فتحت بيوسف الكنانة

وأما حسين باشا قبطان بعدما بات ليلة في مصر خرج إلى الجيزة وسار مع الفرنساوية كما ذكرنا، وبعدما مهد الوزير مصر أعطى ولايتها إلى محمد باشا أبو مرق الذي كان عنده وكيل خرج، وهذا كان أصله من مدينة غزة من عامة الناس، فأسعدته الأقدار بإذن الواحد القهار حتى ارتقى إلى هذه المنازل العالية عند الصدر الأعظم بالتفاته إليه، وألقى نظره عليه، فتقمقمت الوزراء الباقون؛ كونه ابن عرب قدمه على الآخرين، ومن المعلوم ابن العرب عند ابن الترك مقاماتهم مخفوضة وراياتهم منقوضة، وقد كان الوزير الأعظم قبل تملك القاهرة أوعد لطاهر باشا الأرناوط بولاية مصر إن فتحوها بالسيف، فحيث التفت الأمور وخرج بالصلح الجمهور، فبطل الوعد لطاهر باشا، وكذلك لإرضاء رجال الدولة به؛ فلأجل ذلك عدل عن تولي طاهر باشا وولى محمد باشا أبو مرق، وأرسل لدمياط أحمد باشا ميرمران، وأمره بإخراج الفرنساوية من العزبة بأمان فأرسل أحمد باشا طمن الفرنساوية فلم يأمنوا، بل تركوا القلعة وساروا لرشيد ليلا وسلموا أنفسهم للإنكليز. فهذا ما كان من الوزير وما دبر بالديار المصرية.

وأما ما كان من الإسكندرية فإن أمير الجيوش عبد الله منو حين حصلت له تلك الشروط فاعتمد على المحاربة، وبدأ في بناء الحصون والمتاريس خارج البلاد وكان منتظر الإمداد من بونابارته بما سبق من الأوعاد، وبعد سفر بليار ومن معه من العساكر سارت العساكر الإنكليزية والعثمانية إلى الإسكندرية، ودارت بها برا وبحرا وانتشب بينهم الحرب والقتال بالمدافع والقنابر الثقال، ولم تزل القنابر والمدافع تتساقط وتزداد وهم صابرون من تلك الحرب والجلاد، إلى أن قل ما عندهم من الزاد، وصار قحط مريع وجوع فظيع، ومات كثير منهم من الجوع وبليوا بالويل والفجوع، وكانوا يطحنون الرز ويأكلونه فيكون به أداء دون الغداء، وانقهر أمير الجيوش من مخامرة الجنرالين رانيه وداماس، فعقد ديوانا وشرع يبرهن خيانة الجنرالين المذكورين والضرر الذي حدث منهما ضد العسكر، فأثبتت الشريعة عليهما الحقوق وأمر أمير الجيوش بالترسيم عليهما في منازلهما، وخلع الجنرالية عنهما، وضبط أموالهما وتعلقاتهما، هذا والحروب قايمة والنيران دايمة والهجمات على متاريس الفرنساوية متصلة وملاحمة غير منفصلة.

وفي تلك الأيام حضر من بلاد الفرنساوية ستة آلاف صلدات في المراكب وقصدوا أسكلة درنة، وهذه بلد على شط البحر المالح في بر الإسكندرية، فبلغوا الإنكليز قدومهم فساروا إليهم مجدين، وحين شعروا بهم ولوا منهزمين.

وحضروا أيضا مراكب إنكليز إلى قصير وبهم عساكر من بلاد الهند ورؤساؤهم إنكليز ورجال الهند بلون السودان، وهم مختلفون الأديان؛ فمنهم يعبدون النيران، ومنهم يعبدون الأوثان، ولهم مذاهب متفرقة، ولغات متنوعة، ولا يلبسون سوى القمصان فقط، فهؤلاء القوم قد خرجوا من مراكبهم إلى القصير، وأتوا إلى مدينة الجيزة حيث كان المعسكر هناك ونصبوا المضارب والخيام، واستقروا بها أيام وقيل: إنه جاز في ذات يوم أحد العساكر المصريين في وطاق هؤلاء الهنديين وأخذ نارا، فوثبوا عليه وكادوا يقتلونه وقدموه إلى ساري عسكرهم ليقضي عليه بالموت، وادعوا أنه لمس إلاههم فخاف الرجل خوفا عظيما، وقال: إني لست أعلم ما ذنبي، فرحمه السرعسكر إذ هو من الإنكليز وأمر لذلك المصري أن يدفع لهم ثمن الطعام الذي نجسه لما لمس النار.

وبعدما استقروا أياما وجيزة في مدينة الجيزة ساروا إلى مدينة الإسكندرية؛ لأجل محاربة الفرنساوية، وكان في ذلك الوقت مشتد القتال والجدال، وازداد الحصار في البراري والبحار، وزادت النار وقصرت الأعمار، وكل من الحرب كل قوم جبار، وبعد مضايقة كلية ومحاصرة قوية ملت العساكر الفرنساوية، وعزمت على التسليم الإسكندرية، ومسيرهم في الأمان إلى منازلهم والأوطان، فارتضت معهم الإسلام بأن يخرجوا بالسلام ويتركوا جبخاناتهم وأسبابهم، ويمضوا بسلاحهم وذهابهم فقط، وخرجوا من الإسكندرية على هذا النمط، وبعد وقوع الصلح والاتفاق، صنع أمير الجيوش عبد الله منو وليمة عظيمة للسرعسكر الإنكليز وإلى رجال الدولة العثمانية، وقدم لهم الطعام وهو من لحوم الخيل والفار والقطاط والكلاب الوخام، وإذ تفرسوا بها سألوه عن تلك اللحوم، ولم ينكر عنهم وأجابهم: أنه ليس يوجد عندي غير ذلك، ولم يوجد عند الفرنساوية ما يسدوا به رمق الفؤاد؛ لما سلموكم البلاد، فرفعوا أياديهم عن الطعام وهم متعجبون من تلك الكلام.

وخرجوا الفرنساوية من الإسكندرية، وتقاسما الدولتان الإنكليزية والعثمانية جميع ما تركوه الفرنساوية؛ لأنهم خرجوا بسلاحهم فقط، وساروا في مراكب الإنكليز إلى بلاد باريز، وخلوا مدافع وجبخانات، وأمتعة وذخاير وخيرات، وكان تسليم الجنرال بليار وخروجه أصلح شان من تسليم منو في الذل والهوان، ولكن قد افتخر الجنرال منو على بليار أنه ما وقع التسليم إلا بعد الحرب العظيم والجوع الجسيم، فهذا على مقتضى شرايع مشيختهم وأحكام دولتهم، وكانت مدة حصار الإسكندرية ستين يوما، وكان خروجهم في أواخر ربيع الثاني سنة 1216.

Unknown page