Tamalluk Faransawiyya Aqtar Misriyya
ذكر تملك جمهور الفرنساوية الأقطار المصرية والبلاد الشامية
Genres
الفقير عبد الله الشرقاوي رئيس الديوان بمصر حالا
عفا الله عنه
الفقير محمد المهدي كاتم سر الديوان بمصر حالا
عفا الله عنه
طبع في مطبعة الفرنساوية العربية بمصر المحروسة
ثم إن أمير الجيوش سار بالعسكر قاصدا مدينة عكا على طريق الجبال، ولما وصلوا إلى أراضي قاقون فكانت عساكر الجزار والنوابلسية مكمنين في الوادي الذي هناك، وحينما بلغهم قدوم الفرنساوية أخرجوا منهم من فم الوادي خمسماية مقاتل وبدوا يرمحون تجاه العسكر، وكان قصدهم أن يجروهم إلى ذلك الوادي، فلما علم أمير الجيوش مرادهم قسم عساكره ثلاثة أقسام؛ فالقسم الأول سيره إلى فم الوادي، والقسمان أطلعهما إلى الجبل، وحين اقتربوا إلى الوادي ضربوا المدافع وأطلقوا الرصاص، فانحدرت إليهم الفرنساوية من أعلى الجبال، وانتشبت بينهم القتال وكثر القيل والقال.
وقد قتل من عسكر الإسلام أربعماية قتيل على التمام وولوا الباقون منهزمين وإلى النجاة طالبين، ومن هناك صارت الفرنساوية مطمئنين في تلك الديار، وباتوا تلك الليلة على العيون الصغار، وفي الغد ساروا إلى أن وصلوا إلى وادي الملك، وقد كان بلغ الجزار قدوم وقرب الفرنساوية إلى تلك الديار، فأرسل إلى حيفا أحضر الجبخانة والعسكر، وعندما وصلت الفرنساوية إلى تجاه مدينة حيفا خرجت أهالي البلد إلى مقابلتهم، وسلموا أمير الجيوش مفاتيح البلد والقلعة، فأكرمهم وأعطاهم الأمان، ودخلت الفرنساوية مدينة حيفا فوجدوا بها قاربا صغيرا فيه جماعة من مراكب الإنكليز فأخذوهم أسارى.
وبعد ذلك أمير الجيوش انتقل بالعساكر إلى تجاه مدينة عكا، ونصبوا المضارب والخيام في محل يقال له أبو عتبة، وبنوا المتاريس الحصينة ووضعوا فوقها المدافع المتينة، وشاعت الأخبار في تلك الأقطار بقدوم البطل المغوار في ذلك العسكر الجرار، الذي هو كالبحر الزخار، فخافت تلك الديار وعزموا جميعهم بالتصميم على الطاعة والتسليم لذلك البطل العظيم؛ لما بلغهم من عظم سطوته وعلو همته وشدة صولته، وبقوا ينتظرون بما يحل بأحمد باشا الجزار بعد ذلك الضيق والحصار من الهلاك والبوار، وقالت المسلمين أجمعين: إننا لله وإننا إليه راجعين من شر هؤلاء الملاعين، وكان أمير الجيوش كتب إلى ساير مشايخ البلد ليحضروا إلى مقابلته ويحصلوا على أمانه ورحمته، وبدت تأتي إليه أهل تلك البلاد ويأخذون منه الأمان، وسار الجنرال كليبر والجنرال منو إلى مدينة الناصرة، وأرسل كومندا حاكما على شفا عمر.
ومن بعد إتمام بناية المتاريس ابتدا في الحرب على حكا خامس يوم من شهر شوال سنة 1213 وقام الحرب أربعة وعشرين ساعة، وكان حربا شديدا مهولا لم يكن مثله قط؛ لأن كانت الفرنساوية تضرب المدافع والقنابر، وفي المدينة كذلك المدافع والقنابر من الأبراج والقلاع والحصون والأسوار، وكانت المراكب العثمانية والمراكب الإنكليزية تضرب كذلك المدافع والقنابر، حتى خيل للناظرين والسامعين أن مدينة عكا لم يبق منها حجر على حجر واقفين، وارتج الجزار من ذلك رجة عظيمة، وكاد أن يخلو المدينة، وأحضر مراكبه للسفر والركوب، وهيأ نفسه للذهاب والهروب، فمنعه الجنرال سرعسكر الإنكليز الذي كان مقيما في عساكره على البواغيظ وطمنه قايلا: إنني قد قطعت عزم أعدايك الفرنساوية؛ إذ قد أسرت منهم ثلاثة مراكب جبخانية ومدافع قوية، فشجع فؤادك على محاربتهم؛ لأنني قد أضعفت قوتهم.
وكان الأمر كما ذكر؛ لأن أمير الجيوش إذ كان لم يقدر على نقل الجبخانة والمدافع الكبار في البر فأمر أن يوسقوهم في ثلاثة مراكب ويرسلوها من دمياط، وحينما خرجت المراكب المذكورة اصطادتها مراكب الإنكليز، وكان سرعسكر الإنكليز المسمى سند سميت لم يزل يطوف في مراكبه على البواغيظ ليمنع الإمداد على الفرنساوية، وحين وقع الحصار على مدينة عكا حضر بمراكبه، وأخرج منهم طبجية إلى القلع والأسوار، ثم من بعد ذلك الحرب الشديد قلت جبخانة الفرنساوية، وبلغ أمير الجيوش أن الإنكليز استأسروا الثلاث مراكب التي أتت من دمياط في الجبخانة، فاشتعل فيه الغضب وأرسل أحضر ما كان في يافا من الجبخانة، ثم حضر إلى الجزار مركبين من إسلامبول بهم الجبخانة، ولما أقبلوا إلى أسكلة يافا وشاهدوهم الفرنساوية الذين كانوا باقيين هناك رفعوا لهم البيراق العثماني، ودخلوا إلى الميناء بكل أمان ناشرين الأعلام لظنهم أن المدينة بيد الإسلام، وبعد ما ألقوا المراسي نزلت القباطين إلى البلد، فقبضوا عليهم الفرنساوية وضبطوا المراكب بكل ما فيها من المدافع والقنابر والجبخانة، وكان ستة وثلاثين ألف دينار مرسلة إسعافا للجزار، فصار ذلك إسعافا للفرنساوية.
Unknown page