قَالَ الْإِنْسَان لمن دونه احفظ هَذِه الدَّابَّة وَمر الْآمِر على وَجهه فَلَو أَن الْمَأْمُور حفظهَا لَحْظَة ثمَّ سيبها لم يعد ممتثلا فالتمسك بِمَا هَذَا وَصفه حيد عَن سَبِيل التَّحْقِيق.
[٢٧٦] وَالْأولَى عندنَا فِي التَّقَصِّي عَمَّا عولوا عَلَيْهِ عَن النَّهْي شَيْئَانِ، أَوْمَأ إِلَيْهِمَا القَاضِي ﵁، أَحدهمَا أَن قَالَ: لست أسلم أَن النَّهْي يسْتَغْرق الْأَوْقَات بِوُجُوب الْكَفّ وَلَكِن يَقْتَضِي الِانْتِهَاء مرّة وَاحِدَة وَإِن حمل على الدَّوَام فَهُوَ بقرائن تَقْتَضِيه كَمَا حملت جملَة من الْأَوَامِر فِي الشَّرِيعَة على التّكْرَار كالأمر بِالْإِيمَان وَنَحْوه، ثمَّ لم يدل ذَلِك على اقْتِضَاء الْأَمر للتكرار وَالَّذِي يُحَقّق ذَلِك أَنه كَمَا يحسن الاستفصال على الدَّوَام والاكتفاء بالمرة الْوَاحِدَة فَكَذَلِك يحسن ذَلِك فِي النَّهْي، فَإِن الرجل إِذا قَالَ لعَبْدِهِ: «لَا تضرب زيدا وَلَا تشتر لَحْمًا» فَيحسن من العَبْد أَن يَقُول لَا أضربه أبدا، وَلَا أَشْتَرِي اللَّحْم سرمدا أم أكف عَنْهُمَا زَمنا؟ فَلَمَّا حسن الاستفصال، كَانَ ذَلِك على مَا قُلْنَاهُ، وَلَا يبْقى للخصوم إِلَّا التثبت بدعاوى التشنيع.
ثمَّ قَالَ القَاضِي ﵁ وَلَو قدر تَسْلِيم ذَلِك بِمَا فِيهِ مستروح فَإِن قصارى مَا فِيهِ قِيَاس الْأَمر على النَّهْي. وقضايا اللُّغَة لَا تثبت قِيَاسا لما أوضحناه فِي بَاب مُفْرد.