al-Taʾlif al-tahir fi siyam al-malik al-Zahir al-Qaʾim bi-Nusrat al-Haqq Abi Saʿid Jaqmaq
التأليف الطاهر في شيم الملك الظاهر القائم بنصرة الحقق أبي سعيد جقمق
Genres
87و
على مداراته • ومداراة الكبير من الناس والصغير • والإحسان إلى المعرفة والغريب وحسن المعاملة مع الخلق أجمعين مع الاشتغال بمعاملة الله تعالى وعدم الغفلة عما فيه رضاه • واتباع أوامره • واتباع سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم • وكان في خاطر قرقماز أشياء لم يبدها لأحد ولكن دلت عليها افعاله وحركاته فلم يتمها الله تعالى له • فأراد أولا أن يتعاطى أمر الأجلاب وغيرهم حتى إذا أصفا له الوقت تمكن من مولانا السلطان كما يريد ويختار فرد الله تعالى كيده في نحره • واشبهت حكايته حكاية البستاني التي رأيتها في جامع الحكايات وهي ما حكي أن رجلا كان له بستان ففي بعض السنين أقبلت الفاكهة وزادت خيراته فخرج البستاني يوما لطلب حاجة والبستان مملوء من الفواكه والنعم • فلما رجع وجد في البستان أربعة أنفس قد دخلوا البستان وتناولوا من فواكهه ما اختاروا واوسقوا أردانهم وما معهم من الفاكهة وهم ما بين آكل وجالس وراقد غير مكترثين به ولا مبالي بأحد أحدهم جندي والثاني شريف والثالث فقيد والرابع متسبب فما وسعه إلا أنه ترحب بهم وبسط وجهه ويده إليهم بالبشر والمعروف إذ هم أربعة وهو واحد وقيل ضعيفان يقلبان قويا فكيف بأربعة أقوياء فاستعمل الحيلة في إيقاعهم ووصوله إلى ما يريد منهم فأقبل عليهم بوجه طلق • ولسان ذلق • وقال أهلا وسهلا ومرحبا إن هذا اليوم ليوم سعيد ونهار مبارك حيث حلت بمنزلنا أقدام المخاديم الكريمة وإن هذه لنعمة غير مترقبة ثم أتاهم بشيء من خيار الفاكهة وجعل يباسطهم ويمازجهم ويمازحهم فلما اطمأنوا إليه وركنوا إلى أقواله سأل كل واحد منهم عن صنعته وما يتعاناه من حرفة فأخبره كل منهم عن حاله وأمره فسكت ساعة ثم قال أما الأمير وأشار إلى الجندي فإنه مالك رقابنا
87ظ
ومتحكم في أموالنا وأرواحنا • بواسطة أنه يحوطنا بسيفه • ويرد عدونا عنا بصولته • ويتعاطى أسباب حفظنا • وحفظ أولادنا وأموالنا بنفسه • ويجعل روحه وقاية لنا وأما الشريف فإنه من آل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ولولا جده لكنا ضلالا في بيدا الجهالة والكفر • فنحن الآن في بركته وبركة جده • ثم قال الله تعالى قل لا اسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى • وأما سيدنا الفقيه فإنه مرشدنا لمعالم ديننا • وهو السراج للوصول إلى يقيننا • فإذا شرفونا بأقدامهم ورضوا أن نكون من خدامهم • فلهم الفضل وعلينا أنواع الشكر لله تعالى على حصول هذه النعمة • وأما أنت يا رابعهم فمن أذن لك في الدخول إلى بستاني فقل لي ألك على دين هل بعتني شيئا برأسماله • هل حابيتني في بيع وشراء • هل بيني وبينك ما يقتضي هجومك على مالي • فلم يتكلم أحد من الجماعة معه • ثم أنه ربطه ربطا محكما وشد وثاقه وجلس ساعة وهو يتعاطى اللطافة والظرافة • ثم التفت إلى الفقيه وقال له أنت مغني المسلمين • وعالم بمناهج الدين • وعلى فتواك مدار الإسلام • والفاظك الفارقة بين الحلال والحرام • فأخبرني يا عالم الزمان أبو حنيفة رضي الله عنه أفتاك أن تدخل بستاني • أم الشافعي رضي الله عنه أرشدك • أم عندك دليل على إباحة أموال الناس للفقهاء • والهجوم إلى غير بيتك • ما سمعت قول الله تعالى يأيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوتا غير بيوتكم حتى تستأنسوا وتسلموا على أهلها • إلى أن قال فإن لم تجدوا فيها أحد فلا تدخلوها حتى يؤذن لكم وإذا فعلت أنت هذا فبالطريق الأولى أن يتابعك غيرك • ومن الأجناد والرؤساء والسادات • ولا عتب على الجهال إذا فعل هذا العلماء والمفتون • ثم إنه شده شدا محكما وطرحه وصبر ساعة • ثم اشتغل بالشريف وقال له يا شريف أما الأمير فله أن يتحكم في أموالنا وأرواحنا وأولادنا كيف ما اختار إذ سيفه
88و
سياج نفوسنا • وصولته حائط حياطتنا • ووجوده أمان لنا من أعدائنا • وأما أنت فمن أين لك أن تدخل إلى ما لا يحل لك الدخول إليه جدك رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرك بهذا • أمير المؤمنين علي كرم الله وجهه أباح لك ذلك • أسلافك تقدموا إليك بهذا • أفتاك أحد بالفسحة فيه • وإذا كنت أنت لا تتحامى عن الحرام ولا تسلك مسلك أسلافك الطاهرين • في اتباع الحق والتنزه عن الشبه • وأموال الناس • فما يفعل غيرك • ثم أنه أوثقه شدا • وأحكمه ربطا • فلم يبق إلا الجندي وحده فانتصف منه وربطه • ثم إنه أشبعهم ضربا وسبا حتى اشتفى صدره • ورفعهم إلى الحاكم وأخذ منهم ثمن ما أخذوه من فاكهة بستانه وهكذا كان قصد الأمير قرقماز أنه يرفع الأجلاب من البين حتى إذا خلا له الجو مد يده وصال كما يختار وقد فعل ذلك فرد الله تعالى كيده في نحره وذلك لما علم الله تعالى وأراده الإسلام والسلمين من الخير والجبر فأهلك أعداءه على يد أعدائه ثم أهلك أعداءه • ونظير هذه الحكاية أيضا ما رأيته في جامع الحكايات في باب من انتصف من عدوه بعدوه وهي حكاية أوردها على لسان الحيوانات قيل إن فأرة كان لها مأوى في بعض البساتين فخرجت يوما لطلب الرزق فجأت حية فرات مكانا مهيأ فدخلت فيها فوجدته مكانا يصلح لسكناها فسكنته وفي المثل يقال أظلم من أفعى قالوا من ظلمها إنها لا تحفر بيتا ولا تتعب نفسها في اتخاذ مسكن • ولا يحتفل بذلك • وإنما حيث ما وجدت سكنا دخلت فيه وأوت إليه واستقرت وذلك لجبروتها وتعديها • فلما رجعت الفأرة إلى مأواها وأرادت أن تدخل رأت الحية قد استقرت فيه فخرجت هاربة وعلمت أنها لا طاقة لها بمقاومة الحية فتوجهت إلى ملك الفأر ووقفت في موضع الخدمة وقالت إني في خدمتك ورق عبوديتك وقد قضيت عمري في ذلك
88ظ
وأبي كان في خدمة أبيك • وجدي في خدمة جدك • ولم تزل أسلافي في خدمة أسلافك ولم يصدر قطعا منا لكم سوى الطاعة والمناصحة وموالاة أوليائكم • ومعاداة أعدائكم وإنما نحن سالكون سنن طاعتكم • وسائرون تحت لواء أوامركم لأجل حادث يحدث لنا • أو أحد يتعدى علينا • فنستكشف ذلك بقوتكم • ونستدفعه بشوكتكم • إذ ثمرة خدمة العبد مولاه • هذا وقد حدث اليوم لي أمر عظيم وخطب جسيم • فجئت استكشفه بسلطانك فقال وما هو قالت خرجت أطلب الرزق من وطني فلما رجعت لقيت حية قد دخلت إلى وكري • وأوت إليه • وأنت تعلم أني لا طاقة لي بها • فادفعها عني بقوتك وجندك • فقال لها ملك الفأر أنت فرطت في أمرك وتركت وطنك سائبا حتى وضع غيرك يده عليه • أوما علمت وسمعت أن حارس القلعة ينبغي أن يكون زمنا أو مقعدا لئلا يخرج من سكنه • وليتم ملازما له فإذا قصرت أنت في أمرك فلا تلومي غيرك • فإن المفرط أولى بالخسارة • قالت هذا الجواب لا يفيدني ولا أملي منك هذا • وما فائدة خدمتي وإخلاصي لك • إذا استصرخت بك واستنصرت وقت حاجتي بقوتك وخذلتني ولم تأخذ بيدي • قال لا شك أنني إذا قمت معك ونصرتك • أن تتوجه الحية أيضا على ملك الحيات وتستصرخه فلا يجد بدا من القيام بنصرتها وقضاء حاجتها • فيقع إذ ذاك بيننا العداوة ويجري بيننا وبينهم الشر والفتن • وربما استطردت هذه الحركة إلى محاربة ومقاتلة • ونحن لا طاقة لنا بقتال الحيات ومعاداتهم فإنه يذهب في هذا الأرواح ومع هذا هل يحصل المقصود أو لا يحصل فالذي أراه أن تتركي هذا الوطن وتحتسبيه عند الله تعالى وتطلبي لك سكنا غير ذلك فقالت هذا وطني وسكني ومرباي ومنشأي ورثته عن آبائي وأجدادي ومالي فراغ عنه لابد لي منه • فقال والله ما إلى معادات الحيات سبيل ولا خطر لي أن ألقي نفسي وعسكري
89و
في شيء لا طاقة لي به ولا تتعبي نفسك فلما أيست الفأرة منه رجعت وهي خائبة أخذت في اعمال الحيلة وقالت ما بقي في هذا القضية غير تعاطيها بالفكر الصحيح والرأي الصائب • ثم توجهت نحو سكنا فوجدت الحية قد خرجت فأرادت أن تدخل ثم افتكرت فقالت إن الحية قد اعتادت وعرفت هذا المكان فلا بد أنها تعود إليه فإذا وجدتني فيه فلا شك أن تهلكني وذهاب السكن بالنسبة إلى زوال النفس أهون فإنه قيل بعض الشر أهون من بعض • ثم دارت الحية35 يمينا وشمالا فوجدت الحية قد نامت تحت شجرة ورد وهي مطوقة فأسرعت إلى مكان عال ونظرت وإذا البستاني قد سقي البستان وتعب ثم نام تحت ظل شجرة وهو مستلق على قفاه فأقبلت نحون وعلت صدره ودست ذنبها في أنفه بحيث أنها ألمته فاستيقظ مذعورا ونظر أيمن وأيسر فرأها فعلم أن ذلك منها فقصدها فمشت غير بعيد ثم وقفت وأطمعته في نفسها فقصد نحوها فتوجهت نحو الحية ووقفت فأخذ العصا وتبعها فصارت تمشي رويدا وتقف وهو يتبعها حتى وصلت به إلى الحية وأوقفته عليها فلم رأى الحية بادر إلى قتلها فانفلتت الفأرة ودخلت وكرها فانتصفت بعدوها من عدوها • وفي أدعية العرب اللهم ضبعا وذئبا • قال الشاعر • • تفرقت غنمي يوما فقلت لها • يا رب سلط عليها الذئب والضبعا • قيل إن الغنم إذ تسلط عليها الضبع والذئب فإنها تسلم وذلك إن كلا منهما يشتغل بصاحبه ويمنعه إلى الوصول عن الغنم فتسلم الغنم وكذلك اشتغل كل من أعداء مولانا السلطان بالآخر حتى تفانوا وكفى الله المؤمنين القتال • قلت شعر • وتشتت الأعداء في أراءهم • سبب لجمع خواطر الأحباب •
Unknown page