al-Taʾlif al-tahir fi siyam al-malik al-Zahir al-Qaʾim bi-Nusrat al-Haqq Abi Saʿid Jaqmaq
التأليف الطاهر في شيم الملك الظاهر القائم بنصرة الحقق أبي سعيد جقمق
Genres
ما يكسب به الذكر الجميل • والثناء الجزيل • إلى سائر العلوم • ومن الحرف ما يحصل به القوت الحلال • وقيل إن أبا حنيفة رضي الله عنه كان إذا جاء طالب علم ليقرأ عليه سأله فإن كان له حرفة يستغني بها عن الاكتساب بالعلم وعن سؤال الناس تقيد به وعلمه وإن لم يكن له سبب يقيم به أوده يأمره لولا باشتغاله بما يحصل له به القوت ثم يشغله بالعلم الشريف فقيل له في ذلك فقال العلم إنما هو لأجل الآخرة وتحصيل الثواب وكل علم يجعل وسيلة إلى اكتساب الدنيا فهو وبال على صاحبه فينبغي على كل أحد وخاصة العلماء أن لا يستعملوا العلم إلا في اكتساب ما عند الله تعالى وقيل ينبغي أن يتعلم الإنسان من علم السباحة • والرمي • والركوب • ولعب • الرمح • والخط • وغير ذلك من الصنائع بحيث أنه إذا تكلم بشيء من ذلك بحضرته يكون فيه مشاركة وإلمام وبهذا قال • قال رسول الله صلى الله عليه وسلم تعلموا حتى السحر • وقال الشاعر • • علمت الشر لا للشر لكن لتوقيه • • ومن لم يعرف ال • خير من الشر يقع فيه • الا يستنكف من له بصيرة من تعلم أي علم كان وخاصة إذا كان العلم له شرف وتمييز على غيره من العلوم • قال بعض الوزراء لابنه يا بني تعلم العلم والأدب فلولا العلم والأدب لكان أبوك في السوق حمالا • وللنوق جمال • فبالعلم والأدب ركبنا أعناق الملوك • ولم يخلق الله تعالى في جميع المخلوقات خلفا قابلا لاكتساب الكمالات • وتعلم جميع العلوم • وتحصيل الدقائق والحقائق غير الإنسان والعاقل من تنبه لهذه الدقيقة وجعلها دستور أموره في الدنيا والآخرة • ومما يجب على الملوك من إجراء قواعد العدل الذي يحي الحق ويميت الباطل تفقد أحوال الخاصة من خدمهم ورؤس29 الجند وبطائن الاتباع فيعتبرون
72و
ولا أخلاقهم وشيمهم وصفاتهم وافعالهم فيقربون من يستحق التقرب • ويطردون من يستأهل الطرد والإبعاد • ولا يركنون إلى خائن ولا شره • ولا يعتمدون على كذوب ولا يصغون إلى جهول ولا حسود ولا يستشيرون سيئ الخلق • ولا دنيء النفس فإن هذه الأمور هي ملاك أمرهم • حكي عن الملك ازدشير أنه ذكر له رجل حكيم متضلع من علوم الحكمة • وتزكية النفس • وتهذيب الأخلاق • وإنه يصلح لمجالسة الملوك • ويستفيدوا منه • ويتكسبوا من حكمه وعلومه • فدعاه فلما جالسه رأى منه من العلوم أكثر ما كان معه فلما حضر السماط شرع يأكل بنهمة تامة وحرص كامل فقال ازدشير إن هذا لا يصلح لخدمة الملوك فإنه شره وإذا أكل هذا بحضرتي على هذا الطريقة فكيف يصنع من الأحوال في غيبتي وطرده • ويعلم من هذه الحكاية أن الذي يجالس الملوك يجب عليه أن يراقب أحوال نفسه على أدق الدقائق ولا يسامح نفسه بأدنى شيء في التقصير من خدمتهم • وقد قيل من بنى أمره على العدل ملك قلوب رعيته • ومن قام بالجود لم يملك منهم إلا التصنع وكانت قلوبهم عند من يملكها • والعدل هو الاستواء والاستقامة • قال الله تعالى إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا • وقال سبحانه وتعالى فاستقم كما أمرت ومن مات معك • وهاهنا مسائل فقهية كلها مبنية على العدل منها الوضوء والعدل في أن لا يقصر عن ثلاث مرات ولا يتجاوز إلى أكثر منها إلا بطريقة ولا يسرق في صب الماء ولا يفتر • والعدل في الصلوة أن تأتي بها على الأوجه الأكمل الأحسن كالمبادرة إليها في أحسن أوقات أدائها بجماعة من الصف الأول عن يمين الإمام مع الخشوع والخضوع وحضور القلب وتعديل أركانها بل تعديل الأركان عند أبي يوسف والشافعي رضي الله عنهما فرض إلى سائر ما هو مبسوط في كتب الفقه وغيرها • ومراعاة الأدب فيها • والعدل في الصوم
72ظ
أن لا يتناول فوق الغداء المعتاد ولا يواصل والعدل في الزكاة أن لا يخرج فيها ما يكره من رديء المال كما قال تعالى وتجعلون لله ما تكرهون على قول وكما قال عز وجل ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون ولستم بآخذيه إلا من تغمضوا فيه • ولا تكلف جابي الصدقات المذكي إلى المال الغال عملا بقوله عليه الصلاة والسلام واتق كرائم أموالهم • والعدل في الحج أن لا يمادي في الإنفاق ولا يتغالى كما يفعله أبناء الزمان وأكابره • ولما حج عمر رضي الله عنه قال كم بلغت نفقتنا يا يرفا قال ثمانية عشر دينارا يا أمير المؤمنين قال ويلك اجحفنا بيت مال المسلمين ولا يقصر عن نفسه بحيث يصير كلا على الناس وهكذا أمور النكاح قال الله تعالى ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم فلا تميلوا كل الميل فتذروها كالملعقة • وقال تعالى أعدلوا هو أقرب للتقوى وهو واجب عند القومان سنة عند القدرة عليه • مكروه عند العجز عنه • مستحب عند استواء طرفيه • وكذلك سائر المعاملات مع الناس مبناها كلها على قانون عدل الشريعة المطهرة • قال الله تعالى لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط والقسط هو العدل وحاصل الأمر أن العدل هو قوام كل فضيلة كما أن الصبر هو أساس كل خصلة جميلة • وقد ذكر في التفسير الكبير الإمام فخر الدين الداري رحمة الله عليه عند تفسير قول الله تعالى أن الله يأمر بالعدل والإحسان هذا القول ما بسط من هذا فليطالع به • ولما خص الله سبحانه وتعالى مولانا السلطان خلد الله سلطانه • ولوضح على العالمين عدله وبرهانه • بجميل الصفات وشريف النعوت والسمات • التي ذكرت في هذا الكتاب خصه أيضا من ذلك بسلوك طريق العدل في جميع ذلك فما تم خصله من مكارم الأخلاق ومحاسن الشيم
73و
ومن العبادات والعادات الأوله منها من فضل الله الحظ الأوفر وهو واقف فيها على سنن العدل والاستقامة • فليتأمل ذلك غير أن الله تعالى زاده على ذلك كله إن وفقه للعم بقوله عليه الصلاة والسلام تخلقوا بأخلاق الله ومن جملة أخلاق الله تعالى معاملة عبيده بفضله وكرمه • فلو عاملنا الله تعالى بعدله هلكنا كذلك مولانا السلطان يعامل جميع الرعايا والخلق بفضله وجوده فاسأل الله تعالى أن يعامله بفضله وكرمه • وجوده واحسانه • في الدنيا والآخرة لأن الجزاء من جنس العمل • وقد قيل السلاطين ثلاثة سلطان ينتصف لنفسه من رعيته • ولا يتنصف لرعيته من نفسه • وهذا أحطهم مرتبة • وسلطان ينتصف لنفسه من رعيته • وينتصف لهم من نفسه • وهذا وسط بينهم • والثالث سلطان ينتصف لرعيته من نفسه • ويترك حقه لهم فلا ينتصف لنفسه منهم وها أعلاهم منزلة • وأرقاهم درجة • وذلك هو مولانا السلطان خلد الله ملكه وأجرى في بحار السعد فلكه • فليتأمل ذلك • ومع كون مولانا السلطان أشفق على رعيته من الوالدة على ولدها إذا رفع بين اياديه الشريفة قضية فيها حد من حدود الله تعالى فهو أصلب خلق الله تعالى وأشدهم غضبا وقياما لله تعالى في ذلك • ومن جملة ذلك ما برزت مراسيمه الشريفة من عرب ىلي الذين كانوا نهبوا الحاج الغزاوي في أوائل سنة إثنين وأربعين • وذلك أنه لما توفي الملك الاشرف في أواخر سنة أحد وثمانمائة استطال كل من في قلبه غش ونفاق ومديده بالتعدي والظلم واغتنم فرصة الفترة وعلم أن الأمراء والرؤس مشتغل بعضهم ببعض فتصدى الحجاج الذين كانوا انفردوا من القافلة المصرية إلى غزة جماعة من عرب ىلي فأخذوهم ونهبوهم وقتلوا منهم وأسروا حريمهم وفعلوا معهم ما هو مشهور عنهم فأسرها مولانا السلطان في نفسه حتى لاحت له فرصة فأرسل
73ظ
فأرسل إليهم سودون المحمدي مع طائفة من عساكر الإسلام فأوغلوا في طلبهم وكان معهم من أمراء العرب أمير الكرك والينبع الأمير صخر • والأمير عقبة • وطائفة من بني عقيل فلم يزالوا وراءهم ينقبون عليهم ودخلوا في بلاد العرب مداخل لم يكن وطئها أحد من عساكر الإسلام قط حتى ظفرا بطائفة منهم فجاؤوا بهم في شهر رجب سنة ثلاث وأربعين وثمانمائة فبرزت المراسيم الشريفة أن لحرب عليهم ما أمر الله تعالى به في سورة المائدة من قوله تعالى إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض فسمروهم ودخلوا مصر مسمرين • وكان لهم يوم مشهود وذلك يوم الإثنين حادي عشرين شهر رجب ثلث وأربعين • وسكن بذلك رعبة قلوب الناس • مع أنه خلد الله تعالى دولته • وأيد صولته • مقتص أثار باقي المفسدين من العرب المذكورون وغيرهم من المفسدين • ليجري عليهم أحكام عدله الشريف • فاسأل الله تعالى أن يظفره بكل مخالف ومنافق • ويعطف عليه الإخلاص في طاعته كل ذي قلب سليم موافق • وسر مع الله صادق • وهذا الذي ذكرته في هذا المختصر هو قطرة من بحر • وذرة من جبل فاني لم أتشرف بتقبيل الأرض • والمثول بين يدي المواقف الشريفة الأمدة يسيرة نحوا من ثلاثين يوما • وذلك في رجب وشعبان المبارك سنة ثلث وأربعين فما أسعدها أياما كانت فبرزت المراسيم الشريفة أني ألازم الحضرة • الشريفة ما دمت بمصر كليمه • فامتثلت ذلك واغتنمت هذه السعادة فكنت أشاهد من مكارم الأخلاق ومحاسن الشيم والهمم السلطانية • والسجايا الملوكية • في هذه المدة اليسيرة ما لا يمكن ضبطه ولا يجد ولا يحصر • ولا يسعه • ديوان ولا دفتر • غير أنه يستدل بذلك على سائر الصفات الشريفة • والشمائل المنيفة • المذكور ذلك في الآية الشريفة • والحديث الكريم • أما ما في الآية الشريفة
74و
Unknown page