al-Taʾlif al-tahir fi siyam al-malik al-Zahir al-Qaʾim bi-Nusrat al-Haqq Abi Saʿid Jaqmaq
التأليف الطاهر في شيم الملك الظاهر القائم بنصرة الحقق أبي سعيد جقمق
Genres
25 ظ
• وإذا عرتك مصيبة فاصبر لها • صبر الكريم فأنه بك أعلم • • وإذا شكوت إلى بن آدم إنما • تشكوا الرحيم إلى الذي لا يرحم • وسر هذا المقام أن المحب إذا علم من محبوبه أنه عالم بحاله ومطلع على أحواله باطنا وظاهرا بل المملوك إذا علم من مالكه ذلك وقد أنهي إليه مالكه أنه يتصرف في ملكه كيف ما اختار وأنه لا يسأل عما يفعل • ثم ادعى أنه مكثف بعمله • وملق زمام تدبيره ورضاه إلى يد تقديره • وقال له شعر • • وكلت إلى المحبوب أمري كله • فإن شاء أحياني وإن شاء أتلفا • ثم التفت إلى غيره • ودفع حوائجه إلى ما سواه • هل يكون صادقا في دعواه أم لا فهل يستحق العتاب من محبوبه • والعقاب من مالكه أم لا • وهذا مقام عزيز • ومكان شريف • مبناه على الرسوخ في العلم • وثبات القدم في تحقيق المعرفة ولا يكاد يصل إليه إلا خواص العلماء • وأعلام الأولياء • والمقربون من الحضرة الإلهية والمتألهون في المشاهدات القدسية • والجائلون بأجنحة البابهم في الحظيرة الملكوتية • وأما الذين رتبتهم خسيسة • وقيمتهم رذيلة قليله • فلا اعتبار بهم ولا يعيا الله تعالى بأمورهم • فهم بإمهاله مغترون • ومن غفلاتهم منهمكون • إلى أن يأخذهم بغتة وهم لا يشعرون • كما قال الله تعالى قل الله ثم ذرهم في خوضهم يلعبون واعلم ان أشد الناس احتياجا إلى العلم الملوك والسلاطين ومن تقلد أمور عباد الله تعالى لأن الإنسان كلما كثرت عائلته واحتياج الناس إليه كان همه وهمته • وتوزع خاطره • واشتغال فكره • بعمل مصالحهم أكثر من غيره ولا شك أن جميع الرعايا وعامة الخلق وخاصتهم هم عائلة السلطان ومحتاجون إلى وفده • وضمهم تحت جناح عدله ومرحمته • ويفتقرون إلى صونه إياهم أن يتخطفهم أعداؤهم • وهذا مصداق قوله عليه الصلاة والسلام كلكم راع وكلكم
26ر
مسيؤل8 عن رعيته • فالإمام راع هو مسيؤل عن رعيته • فبحسب ذلك يحتاج السلطان إلى قانون يسوسهم به وهو اعلم الذي به قوام العالم • وكما أن السلطان هو خليفة الله في أرضه • ونائب رسله • في تدبير مصالح عباده • كذلك العملاء هم ورثة أنبيائه في إقامة شرائعهم • والملوك هم سياج الدنيا على عباد الله تعالى • والعلماء هم سياج الدين على خلق الله • فإذا كان السلطان عالما فهو نور على نور لأنه قد جمع بين أساسي السياسة والشريعة • وإن لم يكن لولي الأمر علم فإنه لا يقدر أن يعرف مقادير الناس ولا ينزل الناس منازلهم • ولهذا قيل ينبغي أن يكون عقل السلطان موازنا لعقول جميع الخلق لأن كل واحد من الناس صغير أو كبير محتاج إلى السلطان ومستمطر نواله ومراحمه وهو آنيا محتاج إلى معرفة قدر استحقاق كل منهم لينزله منزلته لا يتعدى بالوضيع طوره علوا • ولا يبخس الرفيع قدره تنزلا • عملا بقوله انزلوا الناس منازلهم • وقوله عليه الصلاة والسلام خاطبوا الناس على قدر عقولهم غير أن العقل يدرك به الكليات • والعلم يفصل به القضايا الجزئيات • والحاكم يحتاج مع هذا كله إلى فضل الحكومات • وخلاص الحقوق • وفصل المظلوم عن الظالم • فلو لم يكن له علم يستعين به على ذلك وتفرق به بين المحق والمبطل لا يتهيأ له ذلك وإذا كانت المخاطبة على قدر العقول واجبة وهي قولي فتنزيل الناس منازلهم على قدر مراتبهم واستحقاقهم أولى إذ هي فعل • وإذا لم يتهيأ لولي الأمر العلم فينبغي أن يكون صحبته مع العلماء • ويستعين بهم في فصل الحكومات • وإجراء أوامر الله تعالى على ما يقتضيه الشرع الشريف • قال الله تعالى فسئلوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون • وقال تعالى ولا ينبيك مثل خبير وكان القراء أهل مجلس عمر رضي الله عنه شيوخا كانوا أو شبانا • وإذا اجتمع في السلطان والملك العلم والدين وصحبة العلماء والإحسان إليهم في الغاية القصوى الجامعة لسعادة الدارين
26ظ
وخاصة إذا كانت العلماء فيهم المعون الناصح • والبطانة الصالحة • والمشيد الشفوق • والصديق الصدوق • الذي لا يأخذه في الله لومة لائم • كان الشيخ الإمام أبو سعيد ابن أبي الخير له كرامات مذكورة • وأخبار مشهورة • وكانت قد انتهت إليه الرئاسة في العلم والعمل ببلده ملازم • ويقصده السائح من الطريق والأقاليم • وكان يتردد إلى أبواب السلطان • ويحضر ديوان المظالم وغيره من الحكومات • ويتعاطى الكلام فيها وعقدها وحلها • ففي بعض الأيام قصده صور من بلاد شاحطة لما بلغه عنه من الزهد والعلم والعمل فلما قدم صور قصد داره فرأه راكبا في كبكبة عظيمة متوجها إلى ديوان المظالم فلام نفسه على مجيئه من بلاده وأنكر عليه غاية الانكار وهم بالرجوع لكن تضبط وقال قد جئت لأمر لابد من انهائه إلى أخره فلم يجد بدأ من أنه تبعد إلى الديوان فلما بلغوا إليه وإذا برجل حكم بقطع يده على أنه سرق والجلاد معه فسأل الشيخ أبو سعيد عن حاله ورفعه أن يرجئ أمره فانحلت القضية عن أنه كان بريء الساحة فتخلص من قطع اليد ثم التفت إلى الصوفي وقال لمثل هذه لازمنا أبواب السلاطين فعلم ذلك الرجل مقدار الشيخ ولازمه واستفاد منه غرضه • ومن هذه الحكاية يعلم أنه لا ينبغي أن يعترض على أحوال المشايخ وأهل العلم بل يحمل أفعالهم وحركاتهم من أفعالهم مهما أمكن على غرض صحيح ويطلب لهم وجه حسن مهما استطاع فإن لم يجد الطالب لذلك سبيلا فنسب الغي إلى نفسه • مثل ما منح الله الإسلام والمسلمين بمولانا السلطان خلد الله سلطانه الذي جمع بين الدين والعلم والميل إلى صحبة الأخيار والأبرار من العلماء والصلحاء وأهل الدين والخير والسداد والبر والإحسان إليهم وأمرهم بملازمة المواقف الشريفة ليلا ونهارا والاصغاء إلى ما يقولون ويرشدون إليه من مناهج الخير والصلاح والاستفسار والتفحص عن من يستحق توليه المناصب الدينية من أهل العلم أهل الدين والعفة والصلاح
27 و
والمعرفة بأحكام الشرع الشريف ليوليها إياهم ويرتب لهم الإقطاعات والادرارات والجوامك كوظيفة القضاء والتعاريش والأنظار على الأوقاف • والجوامك وشتان بين من لا يؤل وظيفة من الوظائف وخصوصا وظيفة القضاء حتى يعرضها للبيع وكل من أعطي أكثر ولاه ولا يلتفت إلى علم ولا عمل • وبين من يولي الوظائف • ويعطي عليها الإقطاعات والجوامك والادرارات ليصون بذلك أموال المسلمين ودينهم • وهذا معنى ما قلت أن مولانا السلطان عمر الله دنياه • وجعل أخراه خيرا من أولاه • عم الدنيا والأخرة في أقل مدة • فأشرقت بولايته الممالك الإسلامية • ومن جملة ذلك أن بلغ المسامع الشريفة عن سيدنا ومولانا الشيخ الإمام العلامة • فريد الدهر • وحيد العصر • علامة العلماء • بقية السلف الكرام الصلحاء • برهان الملة والدين بن أبي عون الشافعي عظمه الله تعالى • وما هو منطو عليه من الديانة والعفة والعلم والعمل فأحب أن يسأل صدقاته الشريفة • بحيث تتعدى بركته ونفعه إلى الإسلام والمسلمين ويحرروا ذلك في الصحائف الشريفة • وعد ذلك من أفضل إثباته عند الله • وسر عزته • أن يقبل وظيفة قضاء الشافعية بتدريس المدرسة فلم يقبل سيدنا الشيخ برهان الدين المشار إليه ذلك فدخل عليه نائب الشام والمرحوم السيد محمد بن السيد محمد بن يشبك فلم يقبل ذلك ولا خطر بباله وسنذكر ذلك في موضعه إن شاء الله تعالى • وهذه الشيمة الشريفة لم تتجدد وإنما كانت من قديم الزمان وبعد الحدثان ومن حالة الصبا وعنفوان الشباب • ومن نكت اطلاعه على العلم واستحضاره لمتن حديث النبي صلى الله عليه وسلم ما جرى في مجلسه الشريف وهي أن شخصا يدعى الشيخ علاي9 الدين بن الدواليبي من أهل بغداد حضر مجلسه الشريف وأورد بالمناسبة قوله صلى الله عليه وسلم سبعة يظلهم الله الحديث إلى أن قال ورجل دعته امرأة ذات حسب وجمال إلى نفسها فقال إني أخاف الله فلما خرج الشيخ
27ظ
علاء الدين المذكور جرى ذكر هذا الحديث المنيف فقال مولانا السلطان لمن حضر أن الشيخ علاء الدين قال دعته امرأة ذات حسب والذي سمعناه ونستحضره إنما دعته امرأة ذات منصب ثم أنه نهض بنفسه الشريفة إلى خزانة الكتب وأخرج كتابا وناوله بعض من حضر وقال له افتح في المكان الفلاني فإنه في وسط الصفحة اليمين منه فكان كذلك • وإنما لم يذكر مولانا السلطان هذا الحديث بحضور الشيخ علاء الدين الدواليبي لئلا يستحي فذكره بعد أن خرج من بين يديه الشريفة فانظر إلى هذه الحشمة الملوكية • والشفقة التامة • وحفظ خواطر الناس • لئلا يخجلوا فأسأل الله تعالى أن لا يخجله يوم العرض بين يديه • وأيضا فانه لم يجر في خاطرته الشريفة مسألة فقهيه أو مفيدة إلا وكان له فيها يد ودراية ومشاركة بديعة • هذا الذي شاهدته مذ كنت ملازما الحضرة الشريفة واحدي قاضي القضاة سراج الدين الحمصي الشافعي قاضي قضاة الشام يوم الإثنين جاء من عرب صيديقة أبو رايق • قال كان مولانا السلطان خلد الله سلطانه يوما راكبا وحده في حارة من حوان فرأى بياعا ينادي ما يفعل الله إلا خير فدعاه وقال له لا تقل هكذا وقل كل ما تراه من الله انظر إلى هذا السطر الدقيق الذي لا يكاد يدركه فحول العلماء ومدققوا النظر في علم الكلام من الفضلاء والأذكياء إذ في قوله ما يفعل الله إلا خير دسيسة من مذهب الاعتزال حيث قصروا فعل الله تعالى على الخير ولم يعدوه إلى خلافة واستعملوا فيه أداة الحصر وحصروه والأوفر ما رسم به مولانا السلطان إشارة إلى مذهب أهل السنة والجماعة وهو الحق وهو أن الخير والشر بينه فقال وبإرادته وهو مأخوذ من قوله تعالى قل كل من عند الله لعمري أن كثيرا من مستعدي الفتها لا يدركون معنى الكلامين إلا بعد تقرير شاف وتحرير واف وكد القريحة وإمعان النظر ولم أر في ملوك العرب والعجم أكثر محبة من مولانا السلطان للعلم
Unknown page