9
يعد «سخينة» باللبن للعشاء. يغلي الحلبة. يضيف إليها العسل الأسود. يقطع الخبز إلى لقم. يضعها في إناء. يحمرها على النار. يضيف خليط الحلبة والعسل. يقلبها عدة مرات. يغرف لي في طبق ويصب قليلا من اللبن. أتناولها بالملعقة وأنا جالس فوق حافة السرير. يرتفع المقعد إلى مستوى المائدة الكبيرة. أمي تحيط صدري بمريلة تربطها خلف رأسي. تضع أمامي طبق الشوربة. تعطيني ملعقتي الصغيرة. يجلسان حولي.
ينطفئ النور ثم يعود. يطلب مني أن أعد شنطتي وأستعد للنوم. يصحبني إلى الكنيف. باب غرفة الكونستابل موارب. يأتي منه صوت الراديو ممتزجا بهمهمة. راديو «أم زكية» عالي الصوت. «يا مجاهد في سبيل الله. دا اليوم اللي بتتمناه.» أردد مع الراديو: «فن الحرب إحنا بدعناه».
تعبر «ماما تحية» الصالة. ترتدي فستانا حريريا أصفر اللون بدون أكمام. تحمل في يدها حقيبة بيضاء اللون. فوق ساعدها بلوفر مطوي. يتبعها «كريم» في قميص أبيض وبنطلون رمادي. يبرز منديلا منفوشا كالزهرة من كم قميصه أسفل راحة يده اليسرى. يوجهان التحية إلى أبي. يغادران الشقة. أستقر في الفراش. يجلس أبي في بزته الكاملة إلى مكتبي. يرتدي نظارته ويمسك كتابا. أغالب النوم. أشعر أنه ينوي الخروج. أقرر ألا أغفو إلى أن يخلع ملابسه.
يرتفع صوت الحاج «عبد العليم» من الحارة: «خليل» بيه. «خليل» بيه. يفتح أبي زجاج البلكونة ويطلب منه الصعود. يفتح له الباب. يقدم له كرسي المكتب. يجلس على حافة الفراش. يتنحنح شيخ الحارة كعادته. يقول إن «عباس» تزوج وأحضر زوجته من البلد. وإنها بنت طيبة وخام. ويمكن أن تنظف لنا الغرفة وتطبخ أيضا. يقول أبي: يا ريت.
يسأل «عبد العليم»: إنت مخرجتش النهارده؟ البلد مليانة مظاهرات والناس بتهتف: «أين الكساء والغذاء يا ملك النساء؟»
يقول أبي: دول زودوها خالص. - الجرايد مسمياه «الفدائي الأول». «رأفت» أفندي كان في «بورسعيد» امبارح وبيقول الفلسطينيين ماليينها. هاربين من الصهاينة. - أخبار «ماجد» أفندي إيه؟
يقول «عبد العليم» إن «زراكش» حملت منه وأخذته معها إلى مملكة الجان لتلد هناك. وإنها وضعت مولودها دون مساعدة من أحد وسار على قدميه من أول لحظة.
يسأل أبي في اهتمام: شاف إيه هناك؟ - مفيش عندهم لا تروماي ولا أتوبيس. ومفيش كمان طيور أو حيوانات أو حشرات ولا مقابر. والجهاز الهضمي عندهم زي موتور الأوتومبيل السيارة. الفضلات، ولا مؤاخذة، تطلع بخار من ضهرهم زي الأوتومبيل بالظبط. - ورجع ليه؟ حقه يفضل هناك. - حس بالخنقة من قلة الأكسجين. قالها عاوز ارجع. خلته يقف على قدمها ويحط إيده على راسها. نفخت ببقها. وهوب لقى نفسه في سريره. - كده على طول؟ ما جرالوش حاجة؟ - عنده بس شوية صداع ومرات ميقدرش يتحكم في المشي.
يستفسر أبي عن أطفاله. يجيب: البنت سخنت إمبارح بالليل. كلمت دكتور حميات بالتليفون. قعد يسألني عن شغلتي وساكن فين وفي الآخر طلب 3 جنيه عشان ييجي البيت. - يا خبر. وعملت إيه؟ - ربنا ستر. إديتها أسبرين وعملتلها كمادات. ع الصبح بقت كويسة.
Unknown page