أخيرا وقع خطواته. يصعد على مهل وحذاؤه يحتك بالأرض. صوت المفتاح في قفل الباب الخارجي. يفتح باب الغرفة. يدخل ويستدير خلفه: ادخلي يا «أم محمد». تدخل امرأة طويلة شديدة النحافة في رداء ريفي أسود. تغطي رأسها بطرحة سوداء. وجهها شديد السمرة مليء بالتجاعيد. أنف بارز. عينان ضيقتان. تحمل بقجة كبيرة تحت إبطها. تقف وسط الحجرة. يدعوها للجلوس فوق حافة الفراش. تجلس فتستقر قدماها على الأرض. شراب أسود وحذاء أسود قديم بكعب صغير. تضع البقجة بجوارها فوق الفراش. تتجنب النظر إلى أي منا.
يخلع أبي معطفه ويعلقه في المشجب. يقول لها: تعالي أوريك الشقة وتغيري هدومك. تحمل بقجتها في يدها وتتبعه إلى الصالة. - الكنيف هناك. بابه ميتقفلش. الحمام متمسمر. غيري في أوضة المسافرين.
يتركها ويعود. يخلع سترته. يرتدي الروب فوق الصدرية والبنطلون. ينحني أمام الفراش. يستخرج كيس الشعرية وبرطمان السكر. - تاكل شعرية باللبن؟ لا أرد. يغادر الغرفة وأسمع صوت مكبس الموقد ثم أزيز النار. طشيش السمن. يعود بعد برهة بوجه متجهم: اللبن قطع. تدخل «أم محمد» في ثوب أسود طويل. جورب أسود سميك في قدميها. بقجتها تحت إبطها. تضعها على السرير. تجلس على حافته. تستخرج من بقجتها علبة سجائر في حجم الكف. تلتقط منها سيجارة مبططة. يقطب أبي جبينه. يقدم لها علبة كبريت في صمت. تشعل سيجارة. يحضر أبي حلة الشعرية. تقول إنها ليست جائعة. نأكل أنا وهو الشعرية بالسكر دون لبن.
يقترح عليها أن تتمدد على الفراش إذا كانت متعبة. لا ترد. يقول لها: إحنا يا «أم محمد» متجوزين على سنة الله ورسوله. تنهض واقفة. تصعد السرير. تستولي على مكاني بجوار الحائط. أستلقي بجوارها. تأتيني رائحة تراب أو طين. تصطدم ساقاها بقائم السرير. تثنيهما. تصطدم بي ركبتها الصلبة. أبتعد عنها مقتربا من حافة السرير. يطفئ أبي النور ويستلقي إلى جواري. ألتصق به وأحيطه بذراعي.
الفصل الثاني
1
يظهر «ماجد» أفندي في مدخل الدكان. يرتدي بزة كاملة دون معطف. البزة مكوية جيدا. يلمع وجهه في ضوء المصباح الكهربائي. جبهته غائرة يعلوها شعر أسود مصفف في عناية. أذناه بارزتان. يرحب به الجميع. يصيح «عبد العليم»: أهلا بالعريس. يبتسم العريس في زهو. يسأله أبي: اتجوزت جنية صحيح؟ يجذبني من يدي لأترك الكرسي. أقف بين ساقيه ويجلس «ماجد» أفندي مكاني.
تتعلق به أنظار الجالسين: الشيخ المعمم في الجبة والقفطان و«رأفت» أفندي بجريدة «المصري» المطوية في يده. يواصل أبي: وإزي الحال؟ يفكر «ماجد» أفندي لحظة ثم يقول: زي أي جواز. يصيح «عبد العليم»: معقول؟ احكيلنا. تشرب إيه الأول؟ - حلبة باللبن. ينادي «عبد العليم» على «عباس» الواقف عند عتبة الدكان ويطلب منه إحضار الحلبة.
يقول «ماجد» أفندي إنها هي التي طلبت الزواج منه واشترطت عليه ألا يتزوج عليها وألا يتناول الثوم أو البصل في طعام العشاء. يعلق أبي: معها حق. يواصل «ماجد» أفندي: إنه لا ينكر محاسنها؛ فهي تمده بالأموال التي يحتاجها وعند عودته من الخارج يجد الطعام جاهزا مع جميع أنواع الفاكهة في غير أوانها، كما يجد البيت نظيفا والملابس مغسولة. - طيب وأنت زعلان من إيه؟
يقول إنه لا يستطيع السيطرة عليها؛ فهي تحضر فورا بمجرد التفكير فيها وتنصرف وقتما تشاء. وهي تقرأ أفكاره أولا بأول فلا يستطيع الاحتفاظ بأي أسرار.
Unknown page