حاضر اللغة العربية
مشكلات اللغة العربية
دستور لوضع المصطلحات العلمية والأسماء الاصطلاحية قائم على البحوث السابقة
حاضر اللغة العربية
مشكلات اللغة العربية
دستور لوضع المصطلحات العلمية والأسماء الاصطلاحية قائم على البحوث السابقة
تجديد العربية
تجديد العربية
بحيث تصبح وافية بمطالب العلوم والفنون
تأليف
إسماعيل مظهر
حاضر اللغة العربية
تربط اللغة العربية في العصر الحاضر بين شعوب تعد بعشرات الملايين؛ فهي من حيث ذلك عامل قوي عظيم؛ ذلك بأنها قوام الثقافة المشتركة التي تصل أنحاء ذلك العالم الكبير الذي نسميه «العالم العربي»؛ لهذا نرى الشعوب العربية على اختلاف نزعاتها وملابساتها الأجيالية والجغرافية تعمل مجمعة على إحيائها وبعثها من ذلك الركود الذي انتابها نيفا وعشرة قرون، لتلاحق - بما فيها من قوة الحياة - غيرها من اللغات الحية التي يتكلمها شعوب المدنية الحديثة.
وقد نرى أن أهل العلم في هذا الزمان يشعرون شعورا عميقا بما لها من أثر في خلق التصورات الحديثة الملائمة لثقافتهم، والتعبير عن تلك العواطف التي تجيش في صدورهم، والآمال التي تمتلئ بها تصوراتهم، والخلجات التي تهتز لها مشاعرهم، فنراهم وقد فزعوا - كل في الناحية التي يتصل بها - إلى نبش كل ما يتصل بحياة اللغة؛ ليستخلصوا من آثار الماضي المجيد قواعد يتخذونها أساسا لبناء مستقبل أعظم من الماضي وأمجد.
ولقد نجد فوق ذلك أن الناطقين بالضاد منقسمين قسمين: قسما يرى أن القواعد التي وضعها اللغويون واعتبرت المقياس الذي لا ينبغي أن تخرج عليه اللغة، هو الحد الذي يجب أن يقف عنده اجتهادنا، وقسما يرى أن هذه القواعد إن صلحت أن تكون حدا ينتهي عنده اجتهاد أهل اللغة في العصور الأولى، فإن حاجات هذا العصر تحملنا على الرجوع إلى ما وضع أحرار الفكر من اللغويين لنأخذ منها ما يلائم حاجات العصر الذي نعيش فيه، فنوسع من أقيسة اللغة، ونجعلها قادرة على مجاراة اللغات الحديثة من حيث القدرة على الوضع والابتكار.
والبحث يدلنا على أن أئمة اللغويين قد استطاعوا أن يستخلصوا من كلام العرب الأصلاء قواعد انتحوها في وضع مفردات اللغة، منها التعريب والنحت والاشتقاق والزيادة، أي زيادة الحروف على بنية الأصول، والاقتياس: وهو مبحث جديد استخلصته في اللغة، وآمل أن يصلح أن يكون أساسا جديدا ينتحى في وضع الأسماء الاصطلاحية.
وقد يحسن بنا في بداءة هذا البحث أن نشير إلى حقيقة أساء الكثيرون تفسيرها؛ ذلك بأن فئة من الباحثين يقولون: إن القواعد اللغوية التي خلفها السلف من اللغويين قد لابستها حالة من القداسة، أو أنها ألبست ذلك الثوب عمدا؛ اتقاء حالات قامت في عصور مدنيتنا الأولى. والحقيقة أن سلفنا لم يلجئوا إلى تلك القواعد ولم يقرروها إلا لحاجة غلبت على عصورهم، فأرادوا بها رد عادية الرطانة والعجمة عن اللغة. ولقد استطاعوا بكدهم وجدهم وصفاء قرائحهم أن يضعوا للغة سوارا أشد من الصلب مرة، بحيث تقصر عنها هجمات الشعوبيين وأهل العجمة، فحفظوا بذلك هيكل اللغة صافيا وموردها عذبا غير مدنس بأكدار الدخيل من لغات الشعوب التي اختلطت بالعرب بعد القرن الثالث الهجري.
فلقد نظلم سلفنا إذا نحن رميناهم بالجمود أو نسبنا إليهم ظلامية العقل والتفكير، وحكمنا على القواعد التي وضعوها بمقياس حاجتنا في العصر الحاضر، من غير أن نلم بالحالات التي قامت في عصورهم، ولو أننا رجعنا إلى الحالات التي شهدها أهل العربية في أوائل القرن الرابع الهجري ودخول أقوام بعيدين عن العروبة في جسم العالم العربي يستعملون لغة القرآن فيفسدون من كيانها، ويهدمون من بنيتها، حتى لقد طغى على العربية في ذلك العصر مد من العجمة، لرأينا أن السلف الصالح لم يجد من سلاح يقاوم به ذلك الطغيان إلا تلك القواعد التي سور بها اللغة واتخذها حصنا لها حصينا، إذن يكون المذهب القديم - أي مذهب المحافظين من القدماء - ضرورة اقتضتها حالات اجتماعية وسياسية واقتصادية قامت في تلك الأزمان، فهي ليست من طبيعة اللغة العربية كما عرفها العرب وكما استعملها أهل البادية؛ فإنهم في الواقع كانوا أحرارا إلى أبعد حدود الحرية. وما القيود التي اخترعها اللغويون إلا وسائل تذرعوا بها إلى حفظ كيان اللغة، ولا شك في أن الوسائل تتغير بتغير الأزمان.
مشكلات اللغة العربية
من المشكلات الكبرى التي تواجهها اللغة العربية في هذا العصر مشكلة قلما انتبه إليها المشتغلون باللغة؛ ذلك بأنها تتعلق بموضوع غير ذي علاقة بشئون الحياة العامة، تلك الشئون التي يوجه لها الناس جل اهتمامهم، ويصرفون فيها أكثر مجهودهم، ويوجهون نحوها أخص عنايتهم. ولا أقصد بذلك مسألة التعبير عن المصطلحات التي تدل على معان؛ فإن اللغة العربية من حيث هذا كاملة القدرة تامة العدة، بل أقصد مسألة وضع أسماء عربية لأفراد الحيوان والنبات تعين الأشخاص والطبقات المختلفة بما فيها من الفصائل والعشائر والمراتب والأجناس والأنواع، فلقد كثر الجدل في هذا الموضوع، ولم يستقر الرأي فيه على شيء يصح الأخذ به؛ فإن لكل رأي من الآراء رأيا يناقضه، ولكل أسلوب من الأساليب التي قيل بها أسلوبا ينابذه، والأمر فوضى لا ضوابط له ولا حدود ينتحيها المترجم أو واضع الاصطلاح حتى يأمن أن يخرج له ناقد برأي جديد يسفه ما ذهب إليه. وكل ما لا حدود له لا علم فيه؛ فإن العلم أول شيء حدود وضوابط هي أشبه بالمنطق عند القدماء. ومنطق العلم من شأنه البيان والتعيين، فما بالك بمسألة علمية - كالتي نحن بصددها - لم يتفق باحثان على قاعدة واحدة يمكن أن تتخذ أساسا للنظر فيها؟
ظلت العربية واقفة، وعجلة الزمان من حولها تدور، وتسارع دورانها في خلال القرنين الفارطين، حتى بعدت الشقة بين الحياة الجديدة ومطلوبات العلوم والفنون، وبين اللغة العربية، حتى إن الفرق ليروع كل واقف على حقيقة الهوة التي تفصل بين العلوم والآداب، وبين اللغة العربية من حيث قدرتها على تأدية مدلولات المصطلحات في كلمات مضرية الأصل أو صحيحة الاشتقاق، على القواعد التي احتكم بها بعض اللغويين في بناء هذه اللغة الكريمة، وأخذها عنهم كثير من أهل هذا العصر، أولئك الذين لم يفطنوا إلى أن حاجات هذا الزمان غير حاجات الأزمان السوالف، ولم يعرفوا أن اللغة بمثابة جسم حي يولد ثم ينمو ثم يتوالد، وأن اللغة حي يموت كما تموت جميع الأحياء إذا امتنع عليه النماء وتعذر التوالد ، وأن للغة كل خصائص الأحياء، مع قياس الفارق، فإذا عدمت اللغة القدرة على التغذي بعناصر جديدة، وعجزت عن تمثيل تلك العناصر تمثيلا يحولها جزءا من أصل بنيتها، فإن اللغة تموت كما يموت الحي إذا فقد القدرة على هذه الأشياء.
من هنا ينبغي لنا أن ننظر في مجمل الآراء التي دارت في هذا الموضوع ونناقشها مناقشة علمية، عسى أن نصل إلى قواعد ثابتة.
وأما الخلاف بين الباحثين فقد انحصر في مسائل ثلاث؛ الأولى: القول بالتعريب، والثانية: القول بالنحت، والثالثة: القول بالاقتصار على الاشتقاق من الصيغ القياسية.
ولا بد لنا من الكلام في كل من هذه المسائل؛ لنظهر ما وراءها من مناحي القوة والضعف، حتى نخلص في النهاية برأي آمل أن يكون قد وفقت فيه إلى دستور عملي، هو الدستور الذي اتبعته في تأليف ما أنا عاكف على تأليفه من المعاجم. (1) التعريب
أما القول بالتعريب فرأي الذين يريدون اختصار الطريق وأخذ الأمر بظواهره دون خوافيه. ولا شك في أن العرب قد نزعوا هذه النزعة وجنحوا هذا الجنوح. وإنما يريد القائلون بالتعريب أن يتخذوا مما عمل العرب ركيزة يرتكزون عليها تعزيزا لرأيهم فيه، غير أن هؤلاء لم يفطنوا إلى أشياء من أوجب الواجبات أن تكون دستور القول في مثل هذا البحث.
فالعربي، أول شيء، قد عرب وفي نفسه سليقة العرب، وفي لسانه فصاحتهم وفي لغته بلاغتهم. وفي هذا الأمر نتطلب الحكم من يكون منا ذا سليقة عربية، أو فيه ذوق العرب الأقدمين أصحاب اللغة الأصلاء؟
هذا شيء ... وثمت شيء آخر؛ فإن العربي لم ينزع إلى التعريب إلا مكرها، بدليل القلة النادرة التي نأنسها فيما ورد من الألفاظ العربية المعربة مقيسة على الألفاظ العربية السليمة. وهذا يدل على أن قاعدة العرب الأولى كانت الاشتقاق من الحروف
1
التي كان يراها العربي أصلح لأداء المراد، متخذا من مبنى الكلمة وجرسها مقياسا لدلالتها. وهذا أمر له من الشأن ما لم يفطن إليه الأكثرون؛ ذلك بأن العربي لم يزن ما اشتق من الأسماء خبط عشواء، وإنما راعى في اشتقاقها سليقة استقرت فيه وامتاز بها.
كذلك ينبغي لنا أن نعرف أن التعريب ليس من السهولة بحيث يتصور الداعون إليه، بل إن من أسماء الحيوان والنبات أكثرية كبيرة يفضل ذو الذوق العربي أن يصوغ لها أسماء عربية كائنة ما كانت على أن يعربها فتكون غليظة غلظ الجبال؛ لندرة ما يوافق تركيب حروفها جرس الحروف العربية من حيث المخارج وتلاؤم التركيب.
ومع أني أسلم بأن العربي قد عرب وفيه سليقة العرب وفصاحتهم، فإن الواقع يدلنا على أن العربي قد نقل إلى لغته ألفاظا معربة ثقيلة المبنى والمخرج على قدر ما نحكم على هذه الألفاظ بمعيار ذوقنا الحاضر. هذه حقيقة. وأما الحقيقة الثانية فإن قولنا إن العربي قد عرب وفيه سليقة العروبة لا ينبغي أن يحملنا على أن نقضي بأن التعريب علينا حرام لأننا لسنا عربا صليبة، وإنما هو يحفزنا إلى أن نحتاط في التعريب أشد الحيطة، فنعمل دائما على أن يكون المعرب متلائم الحروف، عربي الجرس والمبنى.
وجملة القول أننا في حاجة إلى التعريب ولكن بقصد وبقدر معلوم، على أن نتقيد في التعريب بقواعد، أخصها أن يكون المعرب على وزن عربي من الأوزان القياسية أو السماعية حتى يلائم جرسه جرس الكلمات العربية، فلا يحس منه العربي نفورا، أو يجد فيه تنافرا مع ما تلقى من صيغ لغته الكريمة.
كذلك ينبغي أن نعرف أن التعريب إنما تدعونا إليه ضرورة قصوى يقف عندها جهدنا في البحث والاستقصاء، وتقليب أساليب اللغة على وجوهها المستطاعة. •••
نتكلم الآن في رأي القائلين بالتعريب إطلاقا وبلا قيد. فهم يقولون إن أسماء الحيوان والنبات لغة علمية عالمية لا ينبغي لنا أن نزايلها بوضع ألفاظ ومصطلحات عربية تقصينا عن جو العلم. وفي هذا القول وجه من الضعف ووجه من القوة؛ ذلك بأن القائلين بهذا الرأي قد فطنوا إلى حقيقة، ولكن غابت عنهم حقائق كثيرة لم يجعلوا لها عدلا في كفتي الميزان الذي اتخذوه أداة للحكم في موضوع من أدق الموضوعات التي تتصل بحياة اللغة العربية.
أما الحقيقة التي لم تغب عنهم، فقولهم: إن أسماء الحيوان والنبات حروف عالمية، بمعنى أنها مستعملة برسم واحد في جميع اللغات الحية.
وهذا ما ليس إلى نكرانه سبيل. أما الذي غاب عنهم فحقيقة ذات علاقة شديدة بالحقيقة التي لم تغب عنهم؛ ذلك بأن أسماء الحيوان والنبات لغة عالمية، ولكن في اللغات الأعجمية الأوروبية - أي في اللغات الإندوجرمانية - وليس في اللغات السامية. وليس هذا بالفارق الضئيل الذي لا يعتد به، بل على العكس من ذلك أعتقد أنه صدع عظيم يحفزنا إلى القول بأن أسماء الحيوان والنبات إن كانت عالمية في اللغات الإندوجرمانية، فإنها من حيث اللغات السامية ليست إلا أسماء غريبة لا تمت إليها بسبب من الأسباب على إطلاق القول.
ومما يؤسف له الأسف كله أن أكثر الذين يتعلمون تعليما حديثا بل قل جلهم لا يعرفون من دقائق لغتهم شيئا، فضلا عن أنهم بعيدون عن معرفة طرف من أصول تطور اللغات، حتى لقد بلغ الأمر ببعضهم إلى العجز عن التفريق بين أوليات هي من البساطة بحيث يخدش علمك أن تناقش فيها؛ فقد قال لي أحدهم يوما: «كيف نترجم الأسماء الاصطلاحية وقد أصبحت حروفا عالمية؟» ومضى يقول: هل يسوغ لي أن أترجم اسمي فأقول: كمبليت فيكتور
complete victor
بدلا من «كامل منصور» إذا عرض ذكره في عبارة إنجليزية؟ ذلك لأنه لم يفرق بين اسم العلم واسم الجنس، فلما سألته: «ما اسم الأسد الذي في الغابة؟» قال: «أسد.» وما اسم الأسد الذي في حديقة الحيوان؟ قال: أسد. فقلت له: «إذن فكلهم أسود» قال: «نعم.» قلت: «إذن فالأسد اسم جنس يجمع جميع الآساد، أما اسم العلم فيدل على ذات معينة أو فرد معين كمحمد وعلي ويوحنا وغاندي، وهذا لا مشاحة فيه، ولا يتغير بتغير اللغة التي يستعمل فيها.» والمصيبة أنه لم يقتنع بعد ذاك أيضا، ومضى يقول: «الأسماء الاصطلاحية أسماء عالمية.» كذلك الذي تمثله الكاتب «ولز» في قصة «صانع المعجزات» المشهورة، وهو الذي طاف الدنيا بخياله في جلسة واحدة بعد أن لعبت برأسه الخمر، وكان ممن ينكرون المعجزات، وفي صحوة ما فزع قائلا: «كلا، لا توجد معجزات.»
أضف إلى ذلك أن جهادنا في سبيل اللغة العربية ينبغي أن يتجه متجها غايته أن تصبح هذه اللغة قادرة على الاستقلال بمصطلحاتها العلمية والفنية والأدبية. وعلى الجملة تصبح لغة العلم ولغة الأدب ولغة الفن في مدارسنا وفي معاهدنا، بحيث نستطيع أن نؤدي بها أغراض المعرفة من غير استعانة بلغة أخرى. ولنفرض مثلا أننا أردنا أن ندخل طرفا من علم المواليد في كليات الأزهر، فهل يكون ذلك مستطاعا من غير أن تكون اللغة العربية تامة القدرة على أداء المعاني والأسماء الضرورية لدرس هذا العلم الكبير أو طرف منه في وسط لا علاقة له بغير اللغة العربية؟ وكيف تصبح اللغة العربية وافية بمطالب العلوم والفنون ما لم تكن تامة الوسائل لأداء أغراض العلم لطلاب لا يعرفون غير العربية؟ وهل من المستطاع بعد هذا أن ندرس هذا العلم ونحشو العبارات العربية الصريحة بألفاظ يونانية ولاتينية لا ينطقها أهلها الأصليون - في بعض الأحيان - إلا بصعوبة بينة؟ وليجرب معي بعض حضرات علماء الأزهر وطلابه قراءة الجمل الآتية:
إن «الأورنيثور هنكوس باراد وكسوس: حيوان ثديي بيوض يعيش في أستراليا.» «الأنثروبيثكوس طرغلوديطس: حيوان من البريمات يعيش في أفريقية.» «الأرخيوبيتركس: طائر منقرض.»
أو نقول: «الأنثراكوثرييدا: اسم اصطلاحي يدل على طبقة من الثدييات من البائدة، أو يقال البلانوفتريدا: من الحيتان، والهوبي سوبير منودونتينا: حيوانات ثديية يتركب اسمها الاصطلاحي من أربعة ألفاظ؛ ثلاثة يونانية وكاسعة لاتينية.»
إلى غير ذلك مما لا حصر ولا عد له.
وعلى هذه الصورة تكون عبارات علم الحيوان في العربية إذا أردنا أن نلزم التعريب الحرفي الذي يوافق اللغة العالمية (الإندوجرمانية) كما يقولون. ولعمري كيف يستطيع عربي - لا صلة له باللاتينية واليونانية - أن ينطق هذه الكلمات الأعجمية المركبة من ألفاظ متباينة وأهجية متنافرة نطقا صحيحا كما تنطق في اللغة العالمية التي يتغنى بها فئة من ذوى الرأي، لم يفطنوا إلى الصعاب التي تكتنف نظريتهم، بل إنهم لم يحاولوا أن يفطنوا لها، بل إنهم لم يفطنوا إلى أن اللغة العربية أصل من أصول القومية التي يرتبط المتكلمون بها كافة؟ فلم لا نحاول - واللغة العربية واسعة كأنها البحر اللجي - أن نكمل قومية الناطقين بالضاد بأن نجعل منها لغة علمية، وهي على ذلك قادرة، بدل أن نحاول تمزيق هذه القومية ونردها أشتاتا ونرسلها أباديد بين اليونانية مرة واللاتينية أخرى، وغيرهما من اللغات الإندوجرمانية ثالثة؟ (2) النحت
ننتقل الآن إلى رأي القائلين بالنحت، وهم - ولا شك - أقلية، غير أن لرأيهم وزنا ليس من حسن الرأي إهماله.
أما النحت فباب يلحقه اللغويون بفقه اللغة، ولكل من مشهوري اللغويين رأي فيه. فمن رأي السيوطي مثلا أن معرفته من اللوازم، وعرفه ابن فارس في كتابه فقه اللغة، فقال: «إن العرب تنحت من كلمتين كلمة واحدة.» وهو جنس من الاختصار، واستشهد بقول الخليل:
أقول لها ودمع العين جار
ألم يحزنك حيعلة المنادي
والحيعلة من قولك: «حي على.» قال ابن فارس: «وهذا مذهبنا في أن الأشياء الزائدة على ثلاثة أحرف فأكثرها منحوت، مثل قول العرب للرجل الشديد: ضبطر، من ضبط وضبر، ومن قولهم: صهصلق، أنه من صهل وصلق، وفي الصلدم أنه من الصلد والصدم.» وقد فصل ابن فارس مذهبه هذا في كتابه «مقاييس اللغة»، ومنه مخطوطة في دار الكتب المصرية.
ومن كلام ياقوت في معجم الأدباء: «سأل الشيخ أبو الفتح ابن عيسى الملطي النحوي، الظهير الفارسي عما وقع من ألفاظ العرب على مثال شقحطب، فقال: هذا يسمى من كلام العرب المنحوت، ومعناه أن الكلمة منحوتة من كلمتين كما ينحت النجار خشبتين يجعلهما واحدة. فشقحطب منحوتة من «شقد وحطب»، فسأله الملطي أن يثبت له ما وقع من هذا المثال إليه ليعول في معرفتها عليه، فأملاها عليه في نحو عشرين ورقة من حفظه، وسماها كتاب: «تنبيه البارعين على المنحوت من كلام العرب».» ا.ه. وهذه الوريقات مفقودة مع الأسف، وحكى الفراء عن بعض العرب: «معي عشرة فاحدهن لي.» أي صيرهن أحد عشر.
وقد ذهب اللغويون إزاء النحت مذاهب، فمنهم فئة لا تقول برأي ابن فارس، إذ لو قالوا برأيه إذا لأصبح النحت كثيرا في اللغة، وبذلك يمكن القياس عليه، ويطرد في كثير من الأحوال، ومنهم فئة تقول برأيه. ولا شك في أن قليلا من التأمل يرجح قول ابن فارس في أن كل الأشياء الزائدة على ثلاثة أحرف أكثرها منحوت، وأقرب مثل على هذه كلمة: «قردوح» أي القرد الكبير، فهي - بلا شك - منحوتة من «قرد» و«دوح» أو من «قر» أي أقام: اطمأن و«دوح»، والقرود تقر في الدوح، والدوحة: الشجرة العظيمة المتسعة من أي شجر كانت (اللسان)، فسمى العرب واحدها قردوح وزان فعلول. وما كان أكثر تسامحهم ما دام جرس الكلمة جاريا على الذوق العربى.
وسواء أكان النحت أصلا من أصول الوضع الصحيح في اللغة أم كان غير ذلك، فإن الرأي غير متفق على اتخاذ النحت أساسا من الأسس التي يلجأ إليها في صوغ الألفاظ الاصطلاحية الجديدة؛ ذلك بأن القول بأن اللغة العربية لغة اشتقاق وليست لغة نحت، يجعل الذين يريدون التوسل بالنحت يتريثون طويلا، ولكنا مع هذا نعرض للأسئلة الآتية:
أولا:
أيعتبر النحت قياسيا أم سماعيا؟ وما حد القياس والسماع فيه باعتبار أقوال فقهاء اللغة؟
ثانيا:
أيجوز أن نجري على النحت في وضع المصطلحات التي نعجز عن ترجمتها أو تعريبها تعريبا يفي بحاجة اللغة؟
ثالثا:
أيفسد النحت اللغة العربية إذا روعي فيه: (1)
ألا يكون نابيا في الجرس عن سليقة اللغة. (2)
أن يكون المنحوت على وزن عربي نطق به العرب. (3)
أن يؤدي حاجات اللغة من إفراد وتثنية ونسب وإعراب.
رابعا:
أيجوز أن ننحت ألفاظا على غير وزن عربي عند الضرورة؟ أم نقتصر على أن يكون المنحوت على وزن عربي إطلاقا؟
خامسا:
هل التسليم بأن اللغة العربية لغة اشتقاق ينافى النحت مع مراعاة شروط خاصة كالتي سبق أن ذكرناها؟
سادسا:
إذا أضفنا إجازة النحت إلى الاشتقاق: أيكون هذا توسيعا في اللغة وتيسيرا أم تضييقا وتعسيرا؟
إن قول القائلين بأن اللغة العربية لغة اشتقاق يشعر بأن هناك لغات هي بطبعها لغات نحت. والحقيقة القائمة في كل اللغات الحية، قديمة وحديثة، تدل على أنها في أصل بنيتها لغات اشتقاق، بمعنى أن تغير مبنى مفرداتها يغير معناها؛ فتصريف الأفعال وصوغ المشتقات فيها جميعا يجري على نفس القاعدة العامة التي تجري عليها العربية. وإنما لجأ أهل هذه اللغات إلى النحت وبالحري التركيب؛ ليستعينوا به على صوغ ألفاظ يدلون بها على مختلف المسميات. ولا تخرج اللغة العربية عن حكم ذلك.
وقبل أن نستطرد في هذا الموضوع الخطير ينبغي لنا أن ننظر في أمرين لهما خطرهما؛ الأول: رأي أبداه أستاذنا المرحوم «الشيخ أحمد الإسكندري» إثر مناقشة في هذا الموضوع، فقال: إن رأي ابن فارس صحيح، وإنما جاز النحت في نشأة اللغة لتستكمل عدتها من الألفاظ، وأن النحت إذا جاز في مثل تلك الحال البدائية، فإن زمانه قد مضى وبابه قفل بعد أن تكيفت اللغة العربية وأصبحت بقواعدها لغة اشتقاق لا لغة نحت.
وإني مع احترامي لهذا التعليل النير، فإني أقول: إن حاجة اللغة العربية للنحت ما تزال قائمة. فإذا كانت هذه اللغة الكريمة قد استكملت عدتها من الألفاظ، فإنها ما تزال في حاجة قصوى إلى الأسماء التي تدل على مختلف طبقات الحيوان والنبات، وهي أكثر من أن يحصرها عد، وإن اللغة من حيث حاجتها إلى الأسماء في هذا العصر أشبه بها حال نشوئها من حيث حاجتها إلى استكمال عدتها من الألفاظ المعبرة عن شتى المعاني.
أما الأمر الثاني، فقول بعض المشتغلين: إن أسماء الحيوان والنبات في اللغات الأوروبية إنما هي منحوتة. وفي الحق أن هذا الكلام فيه إسراف راجع إلى سوء التعبير؛ ذلك بأن صوغ أسماء الحيوان والنبات في الاصطلاح الأوروبي أبعد ما يكون عن النحت كما يعرف في اللغة العربية، وإنما هو تركيب، ومعنى التركيب أخذ لفظين أو أكثر من الألفاظ اللاتينية أو اليونانية، أو أحدهما من هذه والآخر من تلك، يكون في كل منهما معنى يلحظ في المسمى، ثم تعقد كلمة واحدة لتدل على حيوان أو نبات من غير أن يحذف من حروفها شيء، وهذا ما يعرف في العربية بالتركيب المزجي، مثل: بعلبك، ومعديكرب، وبختنصر وحضرموت ... إلخ . وليس هذا من النحت كما يعرف في لغتنا؛ فإن من أصول النحت حذف بعض حروف من اللفظين المراد نحت لفظ واحد منهما، واختيار أكثر الحروف ملاءمة جرس وموافقة للسليقة العربية. والدليل على هذا أن كل من درس اللغتين: اللاتينية واليونانية، يستطيع أن يحلل أي اسم مركب لحيوان أو نبات إلى عناصره الأولية؛ لأن كل عنصر منها إنما يندمج في الاسم المركب كاملا غير منقوص الحروف، على العكس من الألفاظ المنحوتة فإن من أصول نحتها أن تحذف بعض حروفها وتختصر اختصارا قد يكون كبيرا، وقد يكون غير ذلك بحسب ما يوافق جرس العربية وأوزانها.
وفي المعاجم العربية وغيرها من المظان اللغوية كلمات منها خماسي ومنها رباعي أو سداسي، يستحيل علينا أن نعرف الأصل فيها: أهي ناشئة بالنحت من كلمتين؟ أم هي مشتقة بزيادة حروف لم تكن من أصولها الثلاثية أو الرباعية؟ وهذه الكلمات إما صفات وإما أسماء، وإليك بعضها:
علابط، جردحل، جمحل، خبنذاة، بخنداة، صلغد، صمخد، صمغد، صفنددة، عبرد، عجرد، عجارد، عجلد، عصلد، عصلود، عطود، عكرد، عكرود، عكلد، قعفزى، عكرشة، عجرمة، عضمزة، قلمزة، جنعس، جنفس، حيلبس، حلبس، حلابس، حندلس، حنفس، حفنس، دودمس، ضعرس، ضغبس، ضنفس، طرطبيس، طملس، طنفس، طهليس، طغمشة، طرفشة، عكمش، عنكشة، عيدشون ... إلخ. هذه الكلمات على كثرتها، هي في صفحات معدودات من لسان العرب، ولكن ما أصولها اللغوية؟
لنا أن نعلل أصل هذه الكلمات: إما بأنها مشتقة بطريق زيادة حروف على بنية كلمة أصلية ليفيد المزيد معنى له صلة بالمعنى الأصلي المستفاد من اللفظ المزيد عليه، وإما منحوتة. وطريق الاستدلال على اشتقاق بعضها بالزيادة أسهل وأهون من الاستدلال على أن بعضها منحوت إن كان منحوتا حقيقة. ولكن الحق أن أكثرها منحوت، وسنضرب على ذلك الأمثال الحية، راجعين إلى مظان اللغة الوثيقة.
فإن في هذه اللغة العربية الكريمة لطواعية يتعذر وجودها في لغة أخرى، وإن فيها لاشتراكا في معاني الألفاظ يقتضيه اشتراك الألفاظ في الحروف على نحو قد يلوح غريبا لو لم يكن قد دل عليه ثقات اللغويين. وقد تكلم في هذا الأمر الإمام «ابن جني» في كتابه «الخصائص» في فصل سماه «الفصل بين الكلام والقول» واستنتج من البحث في لفظة «قول» أن هذه اللفظة أين وجدت، وكيف وقعت من تقدم بعض حروفها على بعض وتأخره عنه، إنما هو للخفوف والحركة قال: «إن معنى «ق و ل» أين وجدت، وكيف وقعت، من تقدم بعض حروفها على بعض وتأخره عنه، إنما هو للخفوف
2
والحركة، وجهات تراكيبها الست مستعملة كلها لم يهمل شيء منها، وهي «ق و ل»، «ق ل و»، «و ق ل»، «و ل ق»، «ل ق و»، «ل و ق».» (1)
الأصل الأول «ق و ل»: وهو القول وذلك أن الفم واللسان يخفان له ويقلقان ويمذلان،
3
وهو بضد السكوت الذي هو داعية إلى السكون، ألا ترى أن الابتداء لما كان آخذا في القول لم يكن الحرف المبدوء به إلا متحركا، ولما كان الانتهاء آخذا في السكوت لم يكن الحرف الموقوف عليه إلا ساكنا؟ (2)
الأصل الثاني «ق ل و» منه القلو: حمار الوحش؛ وذلك لخفته وإسراعه، ومنه قولهم: «قلوت البسر والسويق فهما مقلوان؛ وذلك لأن الشيء إذا قلي جف وخف وكان أسرع إلى الحركة وألطف، ومنه قولهم: «اقلوليت يا رجل» قال:
قد عجبت مني ومن بعيليا
لما رأتني خلقا مقلوليا
أي خفيفا للكبر
4
طائشا، قال:
وسرب كعين الرمل عوج إلى الصبا
رواعف بالجادي حور المدامع
سمعن غناء بعدما نمن نومة
من الليل فاقلولين فوق المضاجع
أي خفقن لذكره، وقلقن فزال عنهن نومهن واستثقالهن على الأرض. (3)
الأصل الثالث: «و ق ل» منه، الوقل للوعل وذلك لحركته، وقالوا: توقل في الجبل إذا صعد فيه، وذلك لا يكون إلا مع الحركة والاعتمال. (4)
الأصل الرابع: «و ل ق» قالوا: ولق يلق إذا أسرع: قال:
جاءت به عنس من الشام تلق
5
أي تخف وتسرع، وقرئ:
إذ تلقونه بألسنتكم
أي تخفونه وتسرعون. (5)
الأصل الخامس: «ل و ق» جاء في الحديث: «لا آكل من الطعام إلا ما لوق لي.» أي خدم وأعملت اليد في تحريكه، وتلييقه حتى يطمئن وتضام جهاته، ومنه اللوقة للزبدة، وذلك لخفتها وإسراع حركتها، وأنها ليست لها مسكة الجبن، وثقل المصل ونحوهما. (6)
الأصل السادس: «ل ق و» منه اللقوة للعقاب، قيل لها ذلك لخفتها وسرعة طيرانها قال:
كأني بفتخاء الجناحين لقوة
دفوف
6
من العقبان طأطأت شملال
ومنه اللقوة في الوجه، والتقاؤهما أن الوجه اضطرب شكله، فكأنه خفة فيه وطيش منه، وليس له مسكة الصحيح ووفور المستقيم، ومنه قوله:
وكانت لقوة لاقت قبيسا
واللقوة: الناقة السريعة اللقاح؛ وذلك أنها أسرعت إلى ماء الفحل فقبلته، ولم تنب عنه نبو العاقر.
فهذه الطرائق التي نحن فيها حزنة المذاهب، والتورد لها وعر المسلك، ولا يجب مع هذا أن تستنكر ولا تستبعد، فقد كان أبو علي - رحمه الله - يراها ويأخذ بها.» ا.ه. كلام الخصائص.
فإذا كانت الأصول الثلاثية ومقلوباتها في اللغة العربية تجري هذا المجرى الذي دل عليه العلامة ابن جني، لزم من ذلك أن جميع المعاني المتفرعة من هذه الأصول بطريق الزيادة تكون متقاربة المعنى أيضا. ونظرة أولية تدلنا دلالة واضحة على صحة هذا القول. فلننظر في أصل واحد من الأصول الثلاثية حذر الإطالة لنرى مقدار ما في هذا القول من صحة، ففي لسان العرب (244، 246: 4) ما يلي:
الصلخد والصلخد والصلخد والصلاخد والصلخاد: كله الجمل المسن الشديد الطويل، وقيل للفحل الشديد صلخدى بالتنوين، والأنثى صلخداة، والمصلخد المنتصب القائم، واصلخد اصلخدادا انتصب قائما، والصلخدي القوي الشديد، مثل الصلخدم: الياء والميم زائدتان،
7
ويقال: جمل صلخدي بتحريك اللام، وناقة صلخداة وجمل صلاخد، والجمع صلاخد بالفتح. ا.ه.
فكأن المعاجم اللغوية كقول لسان العرب: إن الميم والياء زائدان في مثل صلخدى وصلخدم، إنما تعتبر لفظ الصلخد أصلا زيد إليه. والحقيقة أن اللام في صلخد زائدة أيضا، والأصل في الحقيقة صخد، وإلا فما هو الأصل في صلخد؟ ولقد يصح ذلك عندنا إذا عرفنا أن معاني صخد تتفق ومعاني صلخد وما إليها، فكلها تدل على الشدة والطول. جاء في لسان العرب: «الصخد صوت الهام والصرد، وقد صخد الهام والصرد يصخد صخدا وصخيدا، وأنشد:
وصاح من الأنواط هام صواخد
والصيخد عين الشمس وسمي بها لشدة حرها، وأنشد:
بعد الهجير إذ استذاب الصيخد
وحر صاخد شديد، وقد صخد يومنا صخدا، وصخد صخدانا فهو صاخد وصيخود وصخدان وصخدان: شديد الحر، وليلة صخدانة ... إلخ». ومن هنا نرى أن معنى الشدة والقوة يجتمع في المادتين، أي في صلخد وما إليها، وفي صخد وما إليها، فهل هذا التوافق خبط عشواء؟ كلا، بل نستدل به على أن الأصول الثلاثية ومقلوباتها، والألفاظ الآتية بطريق الزيادة من أصول ثلاثية أو غير ثلاثية إنما تشترك في المعنى جميعا، وهذا يدل على وحدة أصولها لوحدة حروفها واشتراك معانيها، هذا إذا ذهبنا إلى أن صلخد هي نفس صخد زيد إليها اللام بين الصاد والخاء.
أما إذا ذهبنا مذهب أن صلخد منحوتة من لفظين، فكذلك نجد في اللغة ما يؤيد ما نذهب إليه، وعندي أن صلخد منحوتة من صلد وصخد، فإن في صلخد معنى اللفظين.
جاء في لسان العرب (244: 4): «حجر صلد وصلود بين الصلادة، والصلود صلب أملس، ومكان صلد لا ينبت، ومكان صلد صلب شديد، وامرأة صلود قليلة الخير، وقيل: صلود ههنا صلبة لا رحمة في فؤادها، ورجل صلد وصلود وأصلد بخيل جدا وبئر صلود غلب جبلها فامتنعت على حافرها ... إلخ.» وعلى هذا بقية معاني المادة، فهل نبعد عن الحقيقة إذا قلنا: إن صلخد منحوتة من «صلد» و«صخد» بأن أخذ الصاد واللام من الأول والخاء والدال من الثاني، وأن العرب تصرفوا باللفظ المنحوت بالزيادة من بعد ذلك، فاستحدثوا ما نرى في مادة صلخد من الصيغ والمعاني؟ وسنفصل ذلك بعد.
وقد أثبت بما لا سبيل إلى إدحاضه أن لفظ خيتعور منحوت من ختع وختر، والصمخدد من صمد وخرد، والعجرد من جرد وعرد، والجرهدة من جرد وجهد، والصلغد من صغد ولغد؛ والصمغد والصمعد أولهما في صغد ومعد، وثانيهما من صعد ومعد؛ والعبرد من عبد وبرد؛ والفلحس من فحس ولحس؛ وختلع من ختع وتلع والصعفوق من صفق وعفق.
وقد نستطيع أن نعثر في مظان اللغة على ما لا يحصى من الألفاظ المنحوتة، وقد ألحقت بهذا البحث أمثلة من الألفاظ المنحوتة لا تترك ريبا لمستريب.
إن اشتراك المعاني المستفادة من هذه الألفاظ يثبت على وجه اليقين أن أحدها وهي صلخد قد دخل اللغة العربية بأحد طريقين: فإما بالزيادة وإما بالنحت، وفي هذه اللفظة بالذات أكاد أؤمن بأن النحت أصلها.
على أن الكلمات غير معروفة الأصل في اللغة العربية، جميعها يجري مجرى هذه الكلمة؛ فهي إما مستحدثة بطريق الزيادة وإما بالنحت. وهذا مبحث واسع لعلنا نتوفر على درسه فيما بعد.
والحقيقة أن النحت والزيادة (أي زيادة الحروف على بنية الأصول) أصلان من أصول الوضع الصحيحة في اللغة جرى عليهما العرب فكانا من الأصول التي نمت بها العربية.
والذي ينبغي، ألا نتردد في اتخاذ النحت سببا من الأسباب التي نتعلق بها في وضع الأسماء جريا على ما جرى عليه أسلافنا، قبل أن تجمد اللغة بجمود أهلها. أما الزيادة فهذا ما سميته الاقتياس، وهو موضع كلامي بعد أن أفرغ من الكلام في النحت. •••
ويحملني على متابعة البحث في هذا الباب (أي النحت) حاجة اللغة العربية، في الطور النشوئي الذي تجتازه الآن، إلى مجاراة اللغات الأخرى في صوغ الألفاظ العلمية وأسماء طبقات الحيوان والنبات؛ فقد دلتني التجربة الطويلة وطول الإكباب والتبصر على أن الاشتقاق القياسي وحده لا يواتينا بالعدة التي نستمكن بها من صوغ كل ما نحتاج إليه من الأسماء، كما دلتني على أن هذا الاشتقاق القياسي نفسه لم يوات العرب في عصر ازدهارهم وفي عصر جاهليتهم بالمادة التي تمكنهم من صوغ الألفاظ الدالة على مختلف المعاني التي أرادوا التعبير عنها بكلمات عربية الجرس عربية البناء، فلجئوا إلى أساليب منها ما سميته أسلوب «الاقتياس» كما أسلفت، ومنها التعريب ومنها زيادة الحروف على الأصول ومنها النحت.
على أن جميع الذين بحثوا في النحت قد لزموا في بحوثهم ما ورد في كتب القدماء، وأخصها ما جمع السيوطي في كتابه «المزهر». أما بحثي هذا فطريف إذ أحاول أن أثبت فيه رأي ابن فارس في أن النحت كثير في اللغة العربية، وهو الرأي السديد الذي أنكره عليه الأكثرون وذهبوا إلى القول بأن اللغة العربية لغة اشتقاق لا لغة نحت بدون تبصر في أسرار هذه اللغة الكبرى. وسأتتبع البحث في كلمات فصيحة لأثبت أنها منحوتة أو أنها مصوغة بطريق زيادة الحروف على الأصول لإفادة معنى زيد في معنى اللفظ قبل الزيادة عليه، فإذا ثبت ذلك كان لنا أن نجري على ما جرى عليه العرب، فنفتح من العربية أبوابا مغلقة تطلعنا على آفاق لا نهائية الاتساع تبز بها اللغة العربية لغات العالم قاطبة.
الخيتعور:
لفظ منحوت من لفظين هما: ختع «و» ختر.
ختع (ل: 414: 9) المصدر الختع والختوع. (1) في الأرض: ذهب وانطلق (2) الدليل: سار بهم تحت الظلمة على القصد. (3) رجل: ختع وختع وخوتع: حاذق بالدلالة ماهر بها، وختعة وختع: السريع المشي الدليل. (4) الخوتع: الدليل أيضا. (5) انختع: في الأرض أبعد. (6) ختع على القوم: هجم. (7) ختع الفحل خلف الإبل: إذا قارب في مشيته. (8) ختوع السراب: اضمحلاله. (9) الخوتع: ضرب من الذباب كبار. (10) الخوتع: ذباب الكلب، وذباب أزرق يكون في العشب. (11) الختعة: النمرة الأنثى. (12) الختع من أسماء الضبع. (13) الخيتعة: هنة من أدم يغشى بها الرامي إبهامه لرمي السهام. (14) الختاع: الدسنبانات، مثل ما يكون لأصحاب البزاة. (15) الخوتع: ولد الأرنب.
ختر (ل: 311: 5). (1) الختر: شبيه بالغدر، وقيل: هو الخديعة وقيل هو أسوأ الغدر وأقبحه. (2) الغدر. (3) ختير: ختور: غادر. (4) الفساد: يكون ذلك في الغدر وغيره. (5) ختره الشراب: إذا فسد بنفسه وتركه مسترخيا. (6) الختر: الخدر. (7) التختر: التفتر والاسترخاء. (8) خترت: نفسه: أي خبثت، وتخترت: أي استرخت.
الخيتعور (ل: 311: 5). (ؤ) السراب، وقيل: هو ما يبقى من السراب، لا يلبث أن يضمحل، هو ما يبقى من آخر السراب حين يتفرق فلا يلبث أن يضمحل. (2) ختعرة السراب: اضمحلاله. (3) ما ينزل من الهواء في شدة الحر أبيض الخيوط أو كنسيج العنكبوت. (4) الغادر. (5) الدنيا: على المثل. (6) وقيل: الذئب: سمي بذلك لأنه لا عهد له ولا وفاء. (7) الغول: لتلونها. (8) امرأة خيتعور: لا يدوم ودها مشبهة بذلك. (9) كل شيء يتلون ولا يدوم على حال. (10) السلطان. (11) دويبة سوداء تكون على وجه الماء لا تلبث في موضع إلا ريثما تطرف. (12) الداهية. (13) نوى خيتعور: لا تستقيم. (14) كل من يضمحل ولا يدوم على حالة واحدة. (15) أو لا يكون له حقيقة كالسراب ونحوه، والياء فيه زائدة.
تبيان ذلك أن الخيتعور: (1)
السراب: ما تبقى من السراب لا يلبث أن يضمحل، ما يبقى من آخر السراب حين يتفرق فلا يلبث أن يضمحل، ختعرة السراب: اضمحلاله، ومن ختع: ختوع السراب: اضمحلاله، وختع في الأرض: ذهب وانطلق (وهذه من صفات السراب)، والدليل سار بهم تحت الظلمة على القصد (وللسراب ضرب من السير والتبدد)، وختع وختع وخوتع: رجل حاذق بالدلالة ماهر بها، ختعة وختع: السريع المشي، الدليل (ومن صفات السراب المشي والتنقل)، الخوتع: الدليل: انختع في الأرض: أبعد (والسراب كلما أقبلت عليه أبعد)، ختع الفحل خلف الإبل: إذا قارب في مشيه (والسراب كلما لاح لك أنه قريب قاربت في مشيك إليه، أي جعلت خطاك متقاربة سريعة)، ومن ختر: ختره الشراب: إذا فسد بنفسه وتركه مسترخيا، والختر: الخدر، والتختر: التفتر والاسترخاء (وجميع هذه المعاني فيها معنى الاضمحلال: كاضمحلال السراب وختعرته). (2)
ودويبة سوداء تكون على وجه الماء لا تلبث في موضع إلا ريثما تطرف، ومن ختع: الخوتع، ذباب الكلب، وذباب أزرق يكون في العشب، وضرب من الذباب كبار (وفي ذلك من تقارب الدلالة ما فيه). (3)
والذئب: سمي بذلك لأنه لا عهد له ولا وفاء، ومن ختع: الختعة: النمرة الأنثى، والختع: من أسماء الضبع، والخوتع: ولد الأرنب (وفي ذلك من تقارب الدلالة ما فيه). (4)
والغادر، والدنيا (لأن من صفاتها الغدر والتحول) وقيل الغول لتلونها: امرأة لا يدوم ودها، كل شيء يتلون ولا يدوم على حال، السلطان (لأن من صفاته التحول)، نوى لا تستقيم، كل ما يضمحل ولا يدوم على حالة واحدة، أو لا يكون له حقيقة كالسراب ونحوه، ومن ختر الختر: شبيه بالغدر، وقيل: هو الخديعة، وقيل: هو أسوأ الغدر وأقبحه، الغدر، ختير وختور: غادر، الفساد: يكون ذلك في الغدر وغيره، خترت نفسه: خبثت، وتخترت: استرخت (وفي هذا كله من صفات السراب شيء كثير، فالخديعة والغدر، والفساد هو تفرق السراب وتبدده، والاسترخاء فيه من الاضمحلال معان)، والياء فيه زائدة. (5)
وتأويل ذلك: أن الخيتعور لفظ منحوت من لفظين هما: ختع وختر، أخذ منهما أولا فعل رباعي هو «ختعر» اجتمعت في دلالته معان من اللفظين، والبرهان على ذلك قوله: ختعرة السراب: اضمحلاله، والختعرة: مصدر قياسي كالدحرجة، فلا بد من أن يكون له فعل أخذ منه، ثم قيل الختعور وزان فعلول أو ختعور وزان فعلول، ثم زيدت الياء فكان الخيتعور. أما الفعل: ختعر، والاسم: الختعور أو «الختعور» فقد أميتا بالإغفال.
صلخد:
لفظ منحوت من لفظين هما: صلد «و» صخد.
صلد (ل: 244: 4). (1) حجر صلد وصلود بين الصلادة والصلود: صلب أملس والجمع أصلاد.وهو من الرجال الذي ليس فوقه أحد. (2) حجر صلد وجبين صلد: أملس يابس. (3) الصلداء والصلداءة: الأرض الغليظة الصلبة. (4) أصلاد الجبين: الموضع الذي لا شعر عليه، شبه بالحجر الأملس، وجبين صلد ورأس صلد: ورأس صلادم، كصلد، وحافر صلد وصلادم. (5) مكان صلد: لا ينبت، صلب شديد. (6) امرأة صلود: قليلة الخير، وقيل: صلبة لا رحمة في فؤادها. (7) رجل صلد وصلود وأصلد: بخيل جدا. (8) بئر صلود: غلب جبلها فامتنعت على حافرها. (9) فرس صلود: بطيء الإلقاح قليل الماء، وقيل: هو البطيء العرق. (10) أصلد: صوت ولم يور، وقدح فلان فأصلد. (11) حجر صلد وصلود لا يورى. (12) صلد الزند يصلد صلودا: إذا صوت ولم يخرج نارا. (13) صلد المسئول السائل: إذا لم يعطه شيئا. (14) صلدت أنيابه فهي صالدة وصوالد: إذا سمع صوت صريفها. (15) صلد الوعل يصلد صلدا فهو صلود: ترقى في الجبل. (16) صلد الرجل بيديه: صفق. (17) صلدت صلعة الرجل: إذا برقت.
صخد (ل: 231: 4). (1) الصخد: صوت الهام والصرد. (2) الصيخد عين الشمس سمى بها لشدة حرها. (3) حر صاخد شديد. (4) الإصخاد والصخدان شدة الحر ويوم صاخد وصيخود وصيخد وصخدان، وليلة صخدانة. (5) صخدته الشمس تصخده صخدا: أصابته وأحرقته أو حميت عليه. (6) صخدان الحر وصخدانه: شدته. (7) الصاخدة الهاجرة، وهاجرة صيخود: متقدة. (8) أصخد الحرباء: تصلى بحر الشمس. (9) صخرة صيخود: صماء راسية شديدة. (10) الصيخود: الصخرة الصماء الصلبة لا تحرك من مكانها ولا يعمل فيها الحديد، والصخرة العظيمة التي لا يرفعها شيء ولا يأخذ فيها منقار ولا شيء وهي الصلبة التي يشتد حرها إذا حميت عليها الشمس، والياء زائدة. (11) صخد فلان إلى فلان يصخد صخودا: إذا استمع منه ومال إليه فهو صاخد.
صلخد (ل: 245: 4).
الصلخد والصلخد والصلخد والصلاخد والصلخاد والصلخدى: كله الجمل المسن الشديد الطويل، وقيل: هو الماضي من الإبل، صلخدى (بالتنوين) الفحل الشديد والأنثى الصلخداة، المصلخد المنتصب القائم، اصلخد اصلخداد: إذا انتصب قائما، الصلخدى: القوي الشديد مثل الصلخدم (الياء والميم زائدتان) ا.ه. فأنت ترى أن كل المعاني التي انحصرت في هذا اللفظ تدل على القوة والشدة والانتصاب والقيام وفيها من الشدة معان، فإذا كان من معانيه «الجمل» فقد قيد بأنه المسن الطويل، وإذا كان من معانيه «الفحل» فقد قصر على أنه الشديد، ويجب أن نعي أيضا أن من صيغ هذا اللفظ ما يدل على القوة والشدة مثل الصلخدى والصلخدم، أما إذا رجعت إلى معاني صلد وصخد، فأنت واقع في كليهما على ما يفيد الشدة كل الشدة وإلى القوة كل القوة.
فأنت ترى أن معاني الشدة والقوة والبأس والصلابة قد اجتمعت في مدلول الكلمات الثلاث، وهي تكاد تنطق بأن صلخد منحوت من صلد وصخد، على أن العرب لم يقفوا عند ذلك، فإن اللفظ وإن كان منحوتا فإنهم لم يمتنعوا عن زيادة معناه بزيادة مبناه، فزادوا عليه الياء، فقالوا: صلخدى، والميم فقالوا: صلخدم، والياء والواو فقالوا: صيلخود، والألف فقالوا: الصلاخد والصلخاد، وهذا منتهى ما تصل إليه لغة من المطاوعة في صياغة الألفاظ، وفي هذا لا تبز اللغة العربية لغة أخرى على الإطلاق.
جلمد:
جلمود: لفظ منحوت من لفظين هما: جلد «و» جمد.
جلد: (ل: 96: 4).
الجلد: الغليظ من الأرض، والأرض الصلبة وكذلك الأجلد، وفي حديث الهجرة: «حتى إذا كنا بأرض جلدة.» أي صلبة، ومنه حديث سراقة: «وحل بي فرسي وإني لفي جلد من الأرض.» وأرض جلد صلبة؛ مستوية المتن غليظة، والجلاد من النخل: الكبار الصلاب، ناقة جلدة: صلبة شديدة.
الجليد: ما جمد من الماء وسقط على الأرض من الصقيع فجمد، والجلد: من الغنم والإبل، التي لا أولاد لها.
جمد (ل: 103: 4).
وشاة جماد: لا لبن لها، وسنة جماد: لا مطر فيها، سنة جامدة: لا كلأ فيها ولا خصب ولا مطر، ناقة جماد: لا لبن لها، أرض جماد: يابسة، لم يصبها مطر ولا شيء فيها، الجمد والجمد والجمد ما ارتفع من الأرض، والجمد والجمد مكان صلب مرتفع.
الجمد: قارة ليست بطويلة في السماء وهي غليظة تغلظ مرة وتلين أخرى تنبت الشجر، سميت جمدا من جمودها أي من يبسها، والجمد أصغر الآكام.
جلمود: جلمد (ل: 102: 4). (1) الصخر. (2) الصخرة أصغر من الجندل: قدر ما يرمى بالقذاف. (3) الجلامد: كالجراول. (4) أرض جلمدة: حجرة. (5) الجلمود: مثل رأس الجدي تحمله بيدك قابضا على عرضه ولا يلتقي عليه كفاك جميعا، يدق به النوى. (6) الجلمد: أتان الضحل وهي الصخرة التي تكون في الماء القليل. (7) رجل جلمد وجلمد: شديد الصوت. (8) الجلمد: القطيع الضخم من الإبل، والإبل الكثيرة والبقر. (9) ضأن جلمد: تزيد على المائة. (10) ألقى عليه جلاميده: أي ثقله. (11) الجلمدة: البقرة. •••
وأنت ترى أن معاني هذه الألفاظ الثلاثة قد بلغت من الاشتراك مبلغا لا يترك مجالا لريب في أنها جميعا ترتبط بأواصر ترجع إلى أصولها، فالجلد والجمد من ستة أحرف؛ أربعة مشتركة واثنان نابيان، والجلمد أربعة أحرف يمكن أن تستخرج منها الأحرف الستة المكونة للفظين، وما الجلمود إلا الجلمد زيد إليه الواو. وفي ذلك من تقارب المعنى بتشارك الحروف ما فيه من دلالة على أن لهذه اللغة العربية سرا مكنونا يمكننا أن نستخرج بعضه بطول الإكباب على درس تاريخ نشوء الكلمات بالنحت والزيادة.
وأنت ترى فوق ذلك أن في جلمود وجلمد معنى الصخر والجندل والشدة والصلابة، وفي الجلد الأرض الغليظة الصلبة، والجلاد من النخل الكبار الصلاب، وفي الجمد ما ارتفع من الأرض، والجمد مكان صلب مرتفع، ثم تعود إلى الجلمد فتجده القطيع الضخم من الإبل والبقر والضأن تزيد على المائة، فدلت من الحيوان على كمية، ونجد أن الجلد من الغنم والإبل التي لا أولاد لها ، والناقة الجلدة: الصلبة الشديدة، فدلت من الحيوان على صفات، وفي الجمد شاة جماد: لا لبن لها، فدلت على صفة في الحيوان، وسنة جماد لا مطر فيها، فدلت على صفة في الزمان بينها وبين الصفة التي دلت عليها في الحيوان آصرة وعلاقة. فهل كان جميع ذلك خبط عشواء وظهر الغيب؟ كلا، وإنما كان بالنحت. ولا نقصد بالنحت أن العربي كان يكتب اللفظين: «جمد-جلد» ويصوغ منهما جلمد وجلمود، وإنما هي معاني اللفظين تتهافت في حفظته مقرونة بهما فيجرى على لسانه لفظ مصوغ منهما، حاملا من المعنى ما أريد به الدلالة عليه، بحيث لا تنبو دلالة لفظه المنحوت عن علاقة ما بدلالة الألفاظ الأصلية؛ ولهذا نقول آمنين العثار: إن اللغة العربية في بنائها لغة نحت وزيادة، كما هي لغة اشتقاق، وإن اتخاذ النحت والزيادة أصلين للوضع أمر لا تنبو عنه خليقة اللغة ولا يدل إلا على أن اللغة العربية أوسع اللغات موارد وأعظمها أصولا وأقدرها على الوضع وأكثرها طواعية وأمرنها على التوسع والامتداد.
ختلع: (ل: 415: 9) لفظ منحوت من لفظين هما: ختع وتلع، ختلع الرجل: خرج إلى البدو.
ختع: في الأرض، ذهب وانطلق، الدليل: سار بهم تحت الظلمة على القصد، ختع وختع وخوتع: رجل حاذق بالدلالة ماهر بها، وختعة وختع: السريع المشي الدليل، الخوتع: الدليل، انختع في الأرض: أبعد.
تلع (ل: 384: 9): النهار، وأتلع: ارتفع، وتلعت الضحى: انبسطت، وتلع الظبي والثور من كناسه: أخرج رأسه وسما بجيده، وأتلع: رأسه أطلعه، وتلع الرجل رأسه: أخرجها من شيء كان فيه، أتلع رأسه إذا أطلع، وتلع الرأس نفسه، تتلع: مد عنقه للقيام، التتلع: التقدم.
وتأويل ذلك:
إن ختلع فعل منحوت من لفظين هما: ختع وتلع، ففي تلع كل معاني الخروج والبروز والتقدم نحو شيء أو غرض أو غاية، والتتلع هو مد العنق للقيام، فيه معنى العزم والتحفز، وفي ختع معنى الذهاب والانطلاق، ومعنى السير تحت الظلمة بإرشاد دليل، والسريع المشي ختعة وختع، والانختاع في الأرض: الإبعاد فيها، والختلعة: الخروج إلى البدو وهو عمل فيه كل المعاني المشتركة في ختع وتلع، فالخروج إلى البدو لا يكون إلا من حضر، وهذا يقتضي التطلع وإعمال الفكر ثم التطلع وهو مد العنق للقيام والتقدم، ثم الختع أو الختوع: وهو الذهاب والانطلاق والسير تحت الظلمة أو في وضح النهار والانختاع: وهو الإبعاد في الأرض.
الصمخدد:
لفظ منحوت من: صمد وخرد.
ففي اللغة الصمخدد: الخالص من كل شيء (ل: 247: 4).
وصمد: الصمد (1) السيد المطاع الذي لا يقضى دونه أمر. (2) والصمد من صفاته تعالى وتقدس؛ لأنه أصمدت إليه الأمور فلم يقض فيها غيره. (3) الصمد: الذي لا يطعم. (4) الصمد: السيد الذي ينتهي إليه السؤدد. (5) الصمد: الدائم الباقي بعد فناء خلقه. (6) وهو من الرجال الذي ليس فوقه أحد. (7) الرفيع من كل شيء (ل: 246: 4).
وخرد: (1) الخريدة والخريد والخرود من النساء: البكر التي لم تمس. (2) وكل عذراء خريدة. (3) الخريدة: اللؤلؤة قبل ثقبها. (4) قال الليث: سمعت أعرابيا من كلب يقول: الخريدة التي لم تثقب. (5) وهي من النساء البكر؛ وقد أخردت إخرادا. (6) ابن الأعرابي: لؤلؤة خريدة لم تثقب (ل: 140-141 - 4).
فأنت ترى أن المعاني التي اجتمعت في مادتي: صمد وخرد، هي التي اجتمعت كل مؤدياتها في لفظ صمخدد، فإذا كان الصمخدد هو الخالص من كل شيء، فالصمد هو السيد المطاع الذي خلص من كل تكاليف الائتمار بأمر غيره، وهو من صفاته تعالى، وأي شيء أخلص من صفات الله؟! والصمد الذي لا يطعم هو الذي خلص من الحاجة إلى الأكل والشهوة إليه، والصمد الدائم الباقي الذي خلص بالدوام ومن الخضوع لما يخضع له الخلق، وهو من الرجال السيد الذي ينتهي إليه السؤدد، فهو الذي خلص وتفرد بالأمر، وهو الرفيع من كل شيء، والخريدة البكر التي خلصت لنفسها فلم تكن لرجل، والخريدة اللؤلؤة البكر التي لم تثقب فلم تشب بحدوث شيء فيها زائد على حالتها الأولى، فهي خالصة من تشويه الثقب.
العجرد:
لفظ منحوت من عرد وجرد، ذكر الرجل كالعجارد، وفي التهذيب: الذكر من غير تخصيص. (2) المعجرد: العريان. (3) شجر عجرد: عار من ورقه. (4) العجرد: الخفيف السريع. (5) العجرد: الغليظ الشديد. (6) وناقة عجرد منه (ل: 271: 4).
جرد : جرد الشيء يجرده جردا وجرده: قشره. (2) جرد الجلد يجرد جردا: نزع عنه الشعر، وكذلك جرده. (3) رجل أجرد: لا شعر عليه. (4) وثوب جرد: خلق قد سقط زئبره. (5) الجرد من الأرض: ما لا ينبت. (6) الجرد: فضاء لا نبت فيه. (7) الأجرد من الخيل والدواب كلها: القصير الشعر. (8) وقيل: الأجرد الذي رق شعره وقصر. (9) تجرد من ثوبه وانجرد: تعرى. (10) قال الأصمعي: الجريدة التي قل جردها من الصغار، ويقال: تنق إبلا جريدة أي خيارا شدادا (ل: 86 و88: 4).
عرد: عرد الباب يعرد عرودا: خرج كله واشتد وانتصب. (2) كل شيء منتصب شديد: عرد. (3) عردت أنياب الجمل: غلظت واشتدت. (4) وعرد الشيء يعرد عرودا: غلظ. (5) العرد والعرند (نونه بدلا من الدال) الشديد من كل شيء. (6) رمح عرد: شديد. (7) العرد: الشديد من كل شيء. (8) العرد ذكر الإنسان، وقيل: هو الذكر الصلب الشديد وجمعه أعراد، وقيل: العرد، الذكر إذا انتشر واتمهل وصلب. (9) عرد الرجل: إذا قوي جسمه بعد المرض. (10) عرد الشجر وأعرد: إذا غلظ وكبر. (11) عرد: التعريد: الفرار، سرعة الذهاب في الهزيمة (ل: 278 و279: 4).
وأنت ترى من مجموع ذلك أنه لا يكاد يخرج من معاني عجرد، معنى ليس في جرد وعرد، فإذا لم يكن النحت من هذين الحرفين هو الأصل في «عجرد» فما أصلها؟
العبرد:
لفظ منحوت من عبد وبرد، غصن عبرد. (1) مهتز ناعم لين. (2) شحم عبرد: يرتج من رطوبته. (3) العبردة البيضاء من النساء الناعمة. (4) جارية عبردة ترتج من نعمتها (5) عشب عبرد ورطب عبرد: رقيق رديء، ثم عبد. قال بشر:
ترى الطرق المعبد من يديها
لكذان الإكام به انتضال (1) الطرق: اللين في اليدين، وعنى بالمعبد الطرق الذي لا يبس يحدث عنه ولا جسوء، فكأنه طريق معبد: قد سهل وذلل. (2) ابن الأعرابي: العبد: نبات طيب الرائحة: وأنشد:
حرقها العبد بعنظوان
فاليوم منها يوم أرونان (3) ناقة ذات عبدة: أي ذات قوة شديدة وسمن: (ل: 264-266: 4).
برد (1) ليلة باردة العيش وبردته: هنيئته: قال نصيب:
فيا لك ذو ود ويالك ليلة
بخلت وكانت بردة العيش ناعمة (5) المبرود خبز يبرد في الماء تطعمه النساء للسمنة، يقال: بردت الخبز بالماء ، إذا صببت عليه الماء فبللته، واسم الخبز المبلول البرود والمبرود (ل: 51: 4).
ولا نعلق على هذه المادة، فالنحت في العبرد ظاهر من عبد وبرد لاشتراك معاني هذه الألفاظ اشتراكا كبيرا، كذلك قد وضح الطريق للقارئ فيما ننقل بعد من مواد.
الصمغد والصمعد:
لفظان منحوتان: أولهما من صعد ومغد.
جاء في المظان اللغوية ومنها لسان العرب أن الصمغد لغة في الصمعد، ونقل لسان العرب عن الأزهري كما سترى بعد في مادة «صمعد» الأصل أصعد، فزادوا الميم وقالوا: أصمعد فشددوا. وعندي أن كلا القولين خطأ، والصحيح أن الصمغد منحوت من صعد ومغد، والصمعد منحوت من صعد ومعد، كما سنرى من اشتراك المعاني في هذه المواد:
الصمغد: لغة في صمعد (ل: 247: 4).
الصمعد: (1) رجل صمعد: صلب، والغين لغة فيه. (2) المصمعد: الذاهب. (3) اصمعد في الأرض: ذهب فيها وأمعن. (4) قال الأزهري: الأصل أصعد: فزادوا الميم وقالوا: اصمعد فشددوا. (5) والمصمعد: الوارم، إما من شحم، وإما من مرض. وفي الحديث أصبح وقد اصمعدت قدماه: أي انتفختا وورمتا. (6) المصمعد: المستقيم من الأرض. (7) الاصمعداد: الانطلاق السريع: قال الزفيان:
تسمع الريح إذا اصمعدا
بين الخطا إذا ما ارقدا
مثل عزيف الجن هدت هدا (ل: 247: 4)
معد (1) المعد: الغليظ. (2) تمعدد: غلظ وسمن، عن اللحياني. (3) المعد: الفساد. (4) امتعد سيفه من غمده: استله واخترطه. (5) معد الرمح معدا وامتعده: انتزعه من مركزه وهو الاجتذاب. (6) قال اللحياني: مر برمحه وهو مركوز فامتعده ثم حمل فاقتلعه، ومعد الشيء معدا وامتعد: اختطفه فذهب به. (7) معد في الأرض إذا ذهب فيها. (8) بعير معد: أي سريع، قال الزفيان:
لما رأيت الظعن شالت تحدى
اتبعتهن أرحبيا معدا (9) المعد: اللحم الذي تحت الكتف أو أسفل منها قليلا، وهو من أطيب لحم الجنب (ل: 412 و413: 4).
مغد (1) بعير مغد الجسم تار لحيم. (2) وقيل: هو الضخم من كل شيء كالمعد. (3) مغد مغدا، ومغد مغدا: كلاهما امتلأ وسمن. (4) أبو مالك: مغد الرجل والنبات وكل شيء: إذا طال. (5) المغدة في غرة الفرس كأنها وارمة؛ لأن الشعر ينتف لينبت أبيض. (6) أمغد الرجل إمغادا إذا أكثر من الشرب، أبو حنيفة أطال الشرب (ل: 415، 416: 4).
صعد (1) صعد المكان، وفيه صعودا وأصعد وصعد: ارتقى مشرفا. (2) الصعدة: القناة التي تنبت مستقيمة، ومن النساء المستقية القامة كأنها صعدة قناة. (3) الصعيد: وجه الأرض. (4) الصعيد الطريق: يكون واسعا وضيقا. (5) الصعيد: الموضع العريض الواسع. (6) عنق صاعد: طويل (ل: 238-243: 24).
الصلغد:
لفظ منحوت من صغد ولغد.
الصلغد: من الرجال. (1) اللئيم. (2) وقيل الطويل. (3) وقيل اللحم الأحمر الأقشر. (4) وقيل الأحمق المضطرب. (5) وقيل هو الذي يأكل ما قدر عليه (ل: 246: 4).
لغد: اللغد (1) باطن النصيل بين الحنك وصفق العنق: وهما اللغدودان. (2) وقيل: لحمة في الحلق، الجمع ألغاد وهي اللغاديد: اللحمات التي بين الحنك وصفحة العنق، وفي الحديث: يحشى بها صدره ولغاديده: هي جمع لغدود. (3) وقيل: الألغاد واللغاديد أصول اللحيين. (4) وقيل: هي كالزوائد من اللحم تكون في باطن الأذنين من داخل. (5) وقيل: ما أطاف بأقصى الفم إلى الحلق من اللحم. (6) وقيل: هي موضع النكفتين عند أصل العنق. (7) الألغاد: لحمات تكون عند اللهوات. (8) وجاء متلغدا: أي متغضنا حنقا. (9) لغدت الإبل العواند: إذا رددتها إلى القصد والطريق (ل: 397: 4).
صغد: الصغد جبل معروف: وأنشد أبو إسحق:
ووتر الأساور القياسا
صغدية تنتزع الأنفاسا (ل: 243: 4)
وقد يقول البعض: ما العلاقة بين «جبل معروف» وبين المعنى المستفاد منه الصلغد؛ إذ إن قوله في اللسان: «جبل معروف.» تعريف ناقص بدليل المدرك من عبارة الشاهد، فإن قوله «صغدية تنتزع الأنفاسا.» معناه «جبال صغدية» أي شاهقة مرتفعة تستعصي على طالبها حتى تنتزع الأنفاس؛ «فالصغد» على هذا يكون الجبل الشاهق المستلئم الطويل المستعصي على طالبه، هذا بدليل الشاهد نفسه. ولا مانع من أن يكون جبل قد سمي «الصغد»؛ لأنه مرتفع شاهد، وهذا بين لا يحتاج إلى لجاج.
الجرهدة:
لفظ منحوت من جرد وجهد.
الجرهدة (1) الوحى في السير، والوحي: العجلة والإسراع، وتوحى: أسرع، وشيء وحي عجل مسرع. (2) اجرهد في السير: استمر. (3) القوم قصدوا القصد، الطريق: استمر وامتد. قال الشاعر:
على صمود النقب مجرهد (4) اجرهد الليل: طال. (5) اجرهدت الأرض: لم يوجد فيها نبت ولا مرعى. (5) اجرهدت السنة: اشتدت وصعبت قال الأخطل:
مساميح الشتاء إذا اجرهدت
وعزت عند مقسمها الجزور (6) المجرهد: المسرع في الذهاب: قال الشاعر:
لم تراقب هناك ناهلة الوا
شين لما اجرهد ناهلها
جرد: (1) إذا جد الرجل في سيره فمضى يقال: انجرد فذهب. (2) تجرد للأمر: جد فيه، وكذلك تجرد في سيره وانجرد. (3) انجرد به السير: امتد وطال. (4) رجل أجرد لا شعر عليه. (5) الجردة: البردة المنجردة الخلق. (6) الجرد من الأرض ما لا ينبت والجمع الأجارد. (7) والجرد فضاء لا نبت فيه. (8) الجردة أرض مستوية متجردة. (9) ومكان جرد وأجرد وجرد: لا نبات فيه. (10) وفضاء أجرد وأرض جرداء وجردة كذلك. وقد جردت جردا وجردها القحط تجريدا. (11) والسماء جرداء: إذا لم يكن بها غيم. (12) وفي حديث أبي موسى: وكانت فيها أجارد أمسكت الماء، أي مواضع منجردة من النبات. (13) أرض جردية قيل: هي منسوبة إلى الجرد بالتحريك، وهي كل أرض لا نبات فيها. (14) تجرد الحمار: تقدم الأتن فخرج عنها، وتجرد الفرس وانجرد: تقدم الحلبة فخرج منها (15) والأجرد الذي يسبق الخيل وينجرد عنها لسرعته، عن ابن جني (ل: 86: 4).
جهد (1) أجهد لك الطريق: برز وظهر ووضح. (2) الجهاد الأرض المستوية، وقيل: الغليظة، وتوصف به فيقال: أرض جهاد، الجهاد: أظهر الأرض وأسواها أي أشدها استواء نبتت أم لم تنبت، ليس قربه جبل ولا أكمة، والصحراء جهاد. (3) أبو عمر: الجماد والجهاد: الأرض الجدبة التي لا شيء فيها. (4) قال الفراء: أرض جهاد وفضاء وبراز بمعنى واحد. (5) وفي الحديث أنه عليه الصلاة والسلام نزل بأرض جهاد، الجهاد: الأرض الصلبة، وقيل: هي التي لا نبات بها.
وليس وراء هذا بيان لمستبين.
الصعفوق:
لفظ منحوت من صفق وعفق (ل: 68: 12).
الصعفقة: (1) والصعافقة قوم يشهدون السوق وليست عندهم رءوس أموال ولا نقد عندهم، والصعفوق: الذي لا مال له، وكذلك كل من ليس له رأس مال، وفي حديث الشعبي: ما جاءك عن أصحاب محمد فخذه ودع ما يقول هؤلاء الصعافقة، أراد أن هؤلاء ليس عندهم فقه ولا علم بمنزلة أولئك التجار الذين ليس لهم رءوس أموال، الصعفوق: اللئيم من الرجال، والصعافقة: رذالة الناس.
صفق: (ل: 69: 12) تصافق القوم: تبايعوا، وصفق يده بالبيعة والبيع، وعلى يده صفقا: ضرب بيده على يده، وذلك عند وجوب البيع، والاسم منها الصفق، التصافق يذهب به إلى التكثير (إلى آخر المعاني في البيع والشراء).
عفق: (ل: 124: 12) أعفق الرجل: إذا أكثر الذهاب والمجيء في غير حاجة، ورجل معفاق الزيارة أي لا يزال يجيء ويذهب، عفاق صفاق يعمل البكرة والساق، يصفه بالسير في آفاق الأرض راكبا وماشيا على ساقه، وقد عفق يعفق عفقا وعفاقا: إذا ذهب ذهابا سريعا؛ والعفقة: الغيبة، عفق الرجل: أي غاب، وعافقه معافقة وعفاقا: عالجه وخادعه.
وما كان لنا أن نمضي في شرح، فإن معاني صفق وعفق فيهما كل معاني صعفوق، ففيهما معنى البيع والوساطة والسعي والجري والذهاب والرواح والغدو والغياب، شأن الذين يعملون في الأسواق بين البائعين والمشترين ولا مال لهم؛ ليستخلصوا بعض المال بالوساطة، والوساطة تستدعي المعافقة وهي العلاج والخداع. وإذا كان رذالة الناس، وهم في عفق: رجل معفاق الزيارة أي لا يزال يجيء ويذهب، فهو من رذالة الناس. وليس لنا أن نبين بأكثر من هذا؛ حذر الإطناب في شيء لا ضرورة له.
الفلحس:
لفظ منحوت من فحس ولحس.
الفلحس: (1) الرجل الحريص. (2) الكلب. (3) المرأة الرسحاء الصغيرة. (4) رجل فلنحس: أكول وأراه فلحسا (عن كراع). (5) السائل الملح. (6) الدب المسن.
فحس: الفحس: أخذك الشيء من يدك بلسانك وفمك من الماء وغيره. (2) أفحس الرجل إذا سجح شيئا بعد شيء.
لحس: (1) الكلب يلحس الإناء لحسا: لعقه. (2) اللحس: أكل الجراد الخضر والشجر. (3) اللاحوس: الحريص، المشئوم يلحس قومه: الذي يتبع الحلاوة كالذباب. (4) الملحس: الشجاع: كأنه يأكل كل شيء يرتفع له. (5) لواحس: سنون شداد تلحس كل شيء. (6) ملحس: رجل ملحس حريص. (7) الملحس والملحس: الذي يأخذ كل شيء يقدر عليه.
فأنت ترى أن كثيرا من المعاني في فحس ولحس قد اشتركن في معنى الفلحس، فإذا كان من معاني الفلحس: الرجل الحريص، ففي فحس: الفحس أخذك الشيء من يدك بلسانك وفمك من الماء وغيره، وفي الأخذ معنى الحرص والطلب، وفيه أيضا معنى اللحس واللعق كما في لحس، وإذا كان في فلحس دلالة على الكلب، ففي لحس الكلب يلحس الإناء لحسا ، وإذا دل على الدب المسن، فالدب يلحس العسل، وذلك من خلال الثابتة، وإذا رجعت إلى التعريف عن الدب في الدميري (حياة الحيوان ص326 ج1 طبعة مصر) رأيته يقول: «والدب يحب العزلة، فإذا جاء الشتاء دخل وجاره الذي اتخذه في الغيران ولا يخرج حتى يطيب الهواء، وإذا جاع يمتص يديه ورجليه فيندفع عنه بذلك الجوع، ويخرج في الربيع كأسمن ما يكون.» ومعنى أنه يمتص يديه ورجليه أنه يلحسهما أو يلعقهما، فلا شك إذن في أن الفلحس لفظ منحوت من اللفظين: فحس ولحس.
وبعد فهل نجري في البحث عن أصول الكلمات المنحوتة على غير قاعدة؟ وهل يمكن وضع قاعدة أو قواعد نستهدي بها في الاسترشاد عن أصول هذه الكلمات، وهي تبلغ من الكثرة في معاجمنا مبلغا كبيرا؟ حتى إني لا أتورع أن أقول: إن الثروة اللفظية في اللغة العربية سببها النحت وألفاظ الصيغ السماعية.
لم يهدني البحث حتى الآن عن قاعدة أو قواعد ثابتة لا تخطئ ترشدنا في الكشف عن الأصول الثلاثية للألفاظ المنحوتة في العربية، وإنما دلني الاجتهاد إلى أن هنالك ما يشبه القاعدة شبها لا يجعلها تعدو طبقة الاحتمال الغالب إذا ما عمدنا إلى تحليل الألفاظ المنحوتة بأن نركب من ألفاظها كلمات ثلاثية الحروف، يحتمل غالبا أن يكون كلمتان منها هما الأصل في اللفظ المنحوت. وأكثر ما ينطبق هذا الاحتمال على الألفاظ الرباعية إذا كانت منحوتة ولم تأت رباعيتها من طريق الزيادة. أما الألفاظ الخماسية والسداسية المنحوتة فكلها على وجه التقريب منحوت، فأصلها رباعية زيد إليها حروف ليزيد معناها بزيادة مبناها، ولنبدأ بالنظر في الكلمات الرباعية.
قاعدة الاحتمالات (1)
إذا مر بنا لفظ رباعي غير معروف الأصل، بمعنى أنه لا فعل له، رجحنا أنه منحوت، فإذا نظرنا مثلا في لفظ: «صلخد» وأردنا أن نعرف الأصلين الثلاثيين اللذين نحت منهما جزأنا حروف اللفظ كما يأتي، واستخرجنا منها أربعة ألفاظ ثلاثية، لا يحتمل أن يكون هذا اللفظ المنحوت قد أخذ من غيرها:
اللفظ المنحوت
ص
ل
خ
د
1
2
3 − = صلخ
1
2 −
3 = صلد
1 −
2
3 = صخد −
1
2
3 = لخد
وعلامة ناقص (−) تدل في هذه التجزئة على الحرف المتروك من تركيب اللفظ الرباعي. ولما كان اللفظ الذي نبحث عن أصليه الثلاثيين اللذين منهما نحت له حرف ابتداء، وجب ألا ننظر في أي ثلاثي من ألفاظه المحللة غير مبدوء بالحرف الذي يبدأ به اللفظ المنحوت ابتداء. وهو في صلخد مبدوء بحرف «صاد»، وقد لا يخرج أصلاه الثلاثيان عن إحدى هذه الكلمات الثلاث إلا نادرا كما سنرى في لفظ فلحس. (2)
نرجع إلى هذه الألفاظ الثلاثة في المظان اللغوية، فإذا لم يرد واحد منها في هذه المظان نفيناه، على أنه لفظ ممات، وقد يكون الممات لفظين. (3)
قد يكون اللفظ الثلاثي الذي لا نجد له أثرا في المظان اللغوية ونحكم بأنه ممات، قد ظل حيا في أحد مقلوباته على القاعدة التي نقلناها عن ابن جني في أول هذا البحث، نقلا عن كتابه «الخصائص» واستشهد عليها بلفظ «قول»، وقال بأن جهات تراكيبه الست مستعملة كلها لم يهمل منها شيء كالآتي: أنظر [الفصل الأول: مشكلات اللغة العربية - النحت].
ق و ل
ق ل و
و ق ل
و ل ق
ل و ق
ل ق و
321
231
312
132
123
213
فإذا رأينا في لفظ رباعي أردنا أن نحلله أن ثلاثياته المبدوءة بالحرف الأول منه قد أميتت أو أهملت على حد قول ابن جني، رجعنا إلى مقلوبات الألفاظ الثلاثية الثلاثة، ورتبناها على نفس الصورة التي رتب عليها ابن جني كلمة «قول» فنخرج من ذلك بثماني عشرة كلمة، يحتمل غالبا أن يكون منها أصلان أخذ منهما اللفظ الرباعي المنحوت، ولنضرب مثلا بلفظ أو لفظين من ثلاثيات صلخد:
ص
ل
خ = صلخ
ص
خ
ل = صخل
ل
ص
خ = لصخ
ل
خ
ص = لخص
خ
ل
ص = خلص
خ
ص
ل = خصل
ص
ل
د = صلد
ص
د
ل = صدل
ل
ص
د = لصد
ل
د
ص = لدص
د
ل
ص = دلص
د
ص
ل = دصل
ومن صخد تحصل على بقية الألفاظ الثمانية عشر على ما قدمنا. (4)
إذا كان الممات أو المهمل لفظين ترجح أن يكون اللفظ المنحوت مأخوذا من اللفظين الآخرين. (5)
بالرجوع إلى معاني الألفاظ يتبين لنا منه اشتراك المعاني في أصل اللفظ المنحوت، كما علمنا أن صلخد منحوت من صلد + صخد. (6)
أكثر الألفاظ الخماسية والسداسية أصلها رباعي منحوت من ثلاثيين يزاد إلى مبناه (الرباعي) ليزاد إلى معناه، فيقال مثلا: الصلخد «و» الصلاخد «و» الصلخاد، وكلها بمعنى الجمل المسن الشديد الطويل، فإذا أردنا تحليل هذه الألفاظ لإظهار الزيادة فيها كان كالآتي:
الصلخد
ص
ل
خ
د
د
1
2
3
4 +
تشديد
الصلخاد
ص
ل
خ
د
1
2
3 +
4
بزيادة الألف قبل الآخر
الصلاخد
ص
ل
خ
د
1
2 +
3
4
بزيادة الألف في الوسط
وكذلك إذا نظرنا في صلخدي وصلخدم كالآتي:
الصلخدى
ص
ل
خ
د
ي
1
2
3
4 +
بزيادة ألف مقصورة
الصلخدم
ص
ل
خ
د
م
1
2
3
4 +
بزيادة الميم
وعلامة زائد (+) تدل هنا على الحرف المزيد على بنية اللفظ المنحوت.
ولنعد إلى تحليل بعض الألفاظ الرباعية تبيانا لمذهبنا هذا، ولنأخذ مثلا لفظين متقاربين في المبنى حتى يخيل إليك أن تركيبهما قد أتى عن طريق تقديم حرف على حرف في بنائهما، وهما في الاحتمال الغالب منحوتان من ثلاثة ألفاظ اشترك لفظ ثلاثي واحد في تركيبهما مع لفظين كل منهما دخل في تركيب صاحبه وهما: الدحمس والدحسم. ولنبدأ بالأول؛ تحليله:
د
ح
م
س
1
2
3 − = دحم
1
2 −
3 = دحس
1 −
2
3 = دمس −
1
2
3 = حمس
والدحمس: (1) الأسود من كل شيء. (2) وليلة دحمسة وليل دحمس: مظلم. (3) رجل دحمس ودحامس ودحمسان ودحمساني: آدم غليظ سمين. (4) الدحمس: زق الخل. (5) الدحمسان: الأحمق. (6) الدحامس: الشجاع. (7) الدحامس: الليالي المظلمة.
وأرجح أن هذا اللفظ منحوت من دحس + دمس، وإليك البيان من معاني اللفظين:
دحس: (ق: 213: 2) (1) أفسد. (2) أدخل اليد بين جلد الشاة وصفاقها للسلخ. (3) والشيء ملأه. (4) والسنبل امتلأت أكمته من الحب كأدحس.
دمس: (ق: 217: 2) (1) دمس الظلام دموسا: اشتد. (2) ليل دامس وأدموس: مظلم. وأنت ترى أن الدحمس «الأسود من كل شيء» فيه معنى شدة الظلام في دمس، وليل دحمس مظلم، يشترك مع دمس الظلام دموسا اشتد، والدحمس والدحامس والدحمسان والدحمساني: رجل آدم غليظ سمين، وفي دحس: معنى الامتلاء كالسنبل إذا امتلأت أكمته من الحب، وفي الدحمس معنى: زق الخل، والزقاق تكون من أدم (جلد)، وفي دحس معنى إدخال اليد بين جلد الشاة وصفاقها للسلخ، ومن الجلد تؤخذ الزقاق، فالدحمس قطعا مأخوذ من دحس + دمس.
أما الدحامس: فمصوغ بزيادة ألف على دحمس، والدحمسان بزيادة ألف ونون، والدحمساني بزيادة ألف ونون وياء. وبذلك ننير السبيل في أصل هذه الكلمات. وعندي أن الأكثر الغالب من الألفاظ الخماسية والسداسية والسباعية كالدحمساني قد أتت بطريق الزيادة على ألفاظ رباعية منحوتة.
ثم نعود إلى لفظ الدحسم فنرجح تغليبا أنه منحوت من دحس + دسم.
فالدحسم: (ق: 110: 2). (1) والدحسمان والدحسماني: الآدم السمين الحادر. (2) وإنه لدحسمان الأمر: مخلطه، وقد أتينا على معاني دحس في تحليل مادة الدحمس، أما دسم ففيه الدسامة والسمن والربالة وعدم انتظام الشكل فيكون دحسمانا أي مخلط الهيئة غير سوي الخلقة، والدحسمان والدحسماني أتيا بالزيادة كما بينا في دحمسان ودحمساني. •••
وأكاد أستدل من بحوثي على قاعدة قد تصدق كثيرا في تحليل الألفاظ الرباعية لمعرفة أصول النحت فيها:
فإذا فرضنا أن اللفظ الرباعي المراد تحليله هو «ضنفس» مثلا وجب أن نرجع في تحليله إلى القاعدة التي سبق أن شرحناها:
ضنفس
ض
ن
ف
س
1
2
3 − = ضنف
1
2 −
3 = ضنس
1 −
2
3 = ضفس −
1
2
3 = نفس
وكذلك في لفظ ختعر، فقد مر بنا البحث في «خيتعور» وفي المادة ختعرة السراب، وهي مصدر فلا بد من أن يكون له فعل هو «ختعر» لم تذكره المظان اللغوية، فلنحلله لإكمال البحث:
ختعر
خ
ت
ع
ر
1
2
3 − = ختع
أصلا النحت
1
2 −
3 = ختر
1 −
2
3 = خعر −
1
2
3 = تعر
وكذلك مر بنا لفظ فلحس وحللناه، فأثبتنا مرجحين أنه من فحس ولحس، ولنحلله مرة أخرى لإكمال البحث، في ألفاظ نحتاج إلى تحليلها تحليلا رباعيا، أي نأخذ منها ثلاثة ألفاظ مبدوءة بالحرف الأول من الكلمة المنحوتة، ولفظا ثلاثيا هو عبارة عن ثلاثة الحروف الأخيرة من اللفظ الرباعي، وربما كان من الأوفق تحليل الألفاظ الرباعية كلها على هذه الصورة أول شيء تقريبا لإدراك الأصول الثلاثية في الأصل الرباعي.
فلحس
ف
ل
ح
س
1
2
3 − = فلح
1
2 −
3 = فلس
1 −
2
3 = فحس
أصلا النحت −
1
2
3 = لحس
ونستنتج من هذا التحليل أن هناك ثلاثة أصول يدخل الحرف الأول من الأصل الرباعي في بداية ثلاثة ألفاظ منها: ضنف، ضنس، ضفس، في ضنفس؛ وختع، ختر، خعر، في ختعر؛ وفلح، فحس، فلس، في فلحس، وهذه الألفاظ الثلاثة في كل مادة هي التي يغلب أن يكون منها لفظان أخذ منهما المنحوت الرباعي، ولفظ واحد يبدأ بالحرف الثاني من اللفظ الرباعي كنفس في صنفس، وتعر في ختعر، ولحس في فلحس، بل هو يتركب دائما من ثلاثة الحروف الأخيرة من اللفظ الرباعي. ومثال الحال الأولى الفعل ختعر، فإنه منحوت من ختع وختر، ومثال الحال الثانية اللفظ فلحس، فإنه منحوت من فحس ولحس، كما بينا في التحليلات السابقة. ولكن الغالب - كما يظهر لي - أن أكثر أصول النحت الثلاثية تكون غالبا مبدوءة بالحرف الأول من المنحوت الرباعي، ولكن لا يندر أن يكون الأصلان الثلاثيان أحدهما مبدوء بالحرف الأول من المنحوت الرباعي، وثانيهما من الأصل المبدوء بالحرف الثاني منه. أما لفظ ضنفس فالظاهر أن أصوله الثلاثية قد أميتت أو أهملت، وأتيت به هنا مثلا على ذلك. وربما أوصلنا الاجتهاد إلى شيء فيه إذا بذلنا جهدا في بحث مقلوباته الثلاثية كما أبنا من قبل. •••
هنالك ألفاظ خماسية الظاهر من تركيبها أنها لم تصغ بطريق الزيادة على المنحوت الرباعي، ومثالها لفظ حندلس، فإذا حللناه خرجنا بخمسة ألفاظ رباعية كالآتي:
حندلس
ح
ن
د
ل
س
1
2
3
4 − = حندل
1
2
3 −
4 = حندس
1
2 −
3
4 = حنلس
1 −
2
3
4 = حدلس −
1
2
3
4 = ندلس
وهذه الألفاظ الرباعية تتركب بحيث يتكرر كل حرف من حروف «حندلس» أربع مرات في تركيبها، فإذا أمكن الاستدلال على أن هذا اللفظ منحوت من لفظين منها أو أنه صيغ بزيادة حرف على بنية واحد منها تم بذلك البحث، فإذا تعذر ذلك حللت هذه الألفاظ الرباعية الخمسة إلى أصولها الثلاثية للبحث في احتمال اشتراك لفظين أو أكثر منها في تركيب اللفظ المنحوت، وإلا فيرجع إلى مقلوباتها الثلاثية على قاعدة ابن جني - رحمه الله. •••
هذا غاية ما وصل إليه جهدي مما أستطيع أن أنشر الآن، وعندي من الألفاظ التي أثبت احتمال النحت فيها شيء كثير ليس هذا مكانه، ولعل الفرصة تتاح لي يوما إذا أقبل ناشرون محبون للعلم على نشر ما عندي، فأخرج كتابا ضخما من المنحوتات العربية، هو أقصى ما أتمنى ونهاية ما يبلغ إليه مطمعي في الحياة. (3) الاقتياس
8
جمدت اللغة العربية بتعنت اللغويين؛ فإن القول بقياسية الصيغ وسماعيتها بنسبة الكثرة والقلة بالرغم من أنها صيغ سمعت من عرب أصلاء قد أصاب اللغة بجمود لم يبلغ الشعور بقسوته قدر ما بلغ في زماننا، ولم يأنس جيل من أبناء العربية بمقدار أثره في تقييد أساليبهم العلمية قدر ما أنس جيلنا هذا؛ فإن أكثر الصيغ التي وردت منها أسماء النبات والحيوان صيغ سماعية، ومعنى أنها سماعية أنه ممنوع عليك أن تقيس عليها وأن تصوغ على غرارها أسماء جديدة تدل على حيوان أو نبات لم يذكره العرب؛ على قلة ما تستطيع أن تعين من أشخاص الحيوان والنبات التي ذكرها العرب؛ لضعف التعاريف أو فقدانها بتة، فلم يبق أمام الواضعين للأسماء الجديدة إلا الصيغ القياسية، وهي قليلة مقيسة بالعدد الوافر الذي ورد في كلام العرب من الصيغ التي اعتبرها اللغويون سماعية. وما هذه القيود الثقيلة التي لا مبرر لها إلا مسألة إحصائية قيدت اللغة وقيدت الواضعين بقيود وصفدتهم بأغلال، هي السر الوحيد فيما يقال عن عجز اللغة العربية عن مجاراة اللغات الأخرى في وضع الأسماء الدالة على الأشياء الحديثة، ذلك في حين أن إجازة الصوغ على تلك الصيغ التي قيل إنها سماعية يفتح على اللغة أبوابا واسعة تجعلها تفوق كل لغات الأرض في القدرة على الوضع اللغوي الأصيل الذي لا يخرج عما اتبعه العرب من الأصول التي جروا عليها في بناء لغتهم المجيدة.
وما أريد هنا إلا أن نرجع إلى مذهب القائلين بأن كل ما قيس على كلام العرب - ويقصد بهم العرب الأصلاء إلى نهاية القرن الثالث الهجري وبداية القرن الرابع - فهو من كلام العرب، وعلى رأسهم الإمام ابن جني، فإن الظرف العلمي يحفزنا إلى التسليم بالقول بأن كل الأوزان التي صاغ منها العرب أسماء الحيوان والنبات قياسية، بصرف النظر عما ورد منها قلة وكثرة في كلام العرب.
ذلك بأن العربي لم يجر في وضع الأسماء على غير قاعدة، بل إنه اتبع قاعدة أوحى بها إليه طبيعة الظرف الذي أحاط به في مختلف البيئات التي عاش فيها، وساعدته سليقته على تطبيقها. فإنك إذا تأملت الأمر بعض الشيء ألفيت أن العربي كان ينظر في الشيء فيلحظ فيه كثيرا من الصفات، فإذا غلبت في الشيء صفة صاغ له اسما مستمدا من اللفظ الذي يدل على هذه الصفة، والأمثال على ذلك كثيرة لا تحصى، ولا بأس بأن نورد هنا بعضا منها:
الإسليح:
نبات، قال أبو حنيفة الدينوري: واحدته إسلحة طوال القصب في لونه صفرة تأكله الإبل، وقيل: هو عشبة تشبه الجرجير وينبت في حقوف الرمل، الأولى أكثر (ابن سيده). وقيل: هو نبات سهلي ينبت ظاهرا وله ورقة رقيقة لطيفة وسنفتة محشوة حبا كحب الخشخاش، وهو نبات مطر الصيف يسلح الماشية (ابن خالويه واللسان) ا.ه. فأخص صفة لحظها العرب في النبات أنه يسلح الماشية أي يسهل بطونها، فسماه العربي الإسليح وزان إفعيل.
الرتم والرتيمة:
قال أبو حنيفة: الرتم والرتيمة نبات من دق الشجر كأنه من دقته شبه بالرتم، وهو الخيوط (اللسان)، وقيل إنه شجر له زهر كالخيرى وحب كالعدس (ابن سيده)، والرتم خيط يعقد في الإصبع للتذكير (ج)، رتائم وأرتمة، والرتم: محركة نبات من دقته كأنه شبه بالرتم، زهره كالخيرى وبزره كالعدس (القاموس: 116: 4).
السلت:
قال الليث: شعير لا قشر له، زاد الجوهري كأنه الحنطة، وعن أبي حنيفة: هو صنف من الشعير ينجرد من قشره كله، وعن «اللسان»: وينسلت حتى يكون كالبر سواء.
السمنة:
عن أبي حنيفة: دواء تسمن به النساء.
الشعارير:
صغار القثاء، الواحدة شعرورة: سميت بذلك لما عليها من الزغب.
الظفرة:
نبات حريف يشبه الظفر في طلوعه (التاج).
الظلام: والظالم، قال الأصمعي:
وهو شجر له عساليج طوال وتنبسط حتى تجوز أصل الشجرة، فمنها سميت ظلاما.
العصب:
شجرة تلتوي على الشجرة وتكون بينها ، ولها ورق ضعيف. وفي «اللسان » شجرة العصبة: نبات يلتوي على الشجر، وهو اللبلاب، ا.ه. والاسم تشبيه بعصابة الرأس؛ لأنه يلتوي على غرارها.
العطف:
نبات يلتوي على الشجر لا ورق له ولا أفنان، قال ابن بري: العطفة: اللبلاب، سمي بذلك لتلويه على الشجر.
العقد:
شجر ورقه يلحم الجراح (التاج).
الخنزير:
مشتق من خزر العين؛ لأنه كذلك ينظر: (الدميري حياة الحيوان) قال عمرو بن العاص يوم صفين:
إذا تخازرت وما بي من خزر
ثم كسرت الطرف من غير حور
ألفيتني ألوي بعيد المستمر
كالحية الصماء في أصل الشجر
أحمل ما حملت من خير وشر
والخزر:
كسر العين بصرها خلقة أو ضيقها، أو النظر كأنه في أحد الشقين أو أن يفتح عينه ويغمضها، أو حول إحدى العينين (ق: 19: 2)، وعندي أن الخنزير أصله الخزير، ثم قلبت الزاي الأولى نونا للتخفيف.
الأرضي:
الحشرات، عن ابن أبي الأشعث: لأنه لا يفارقها إلى الهواء أو إلى الماء.
الجوارس:
النحل، وجرست النحلة جرسا إذا أكلته، والجلس في الصوت.
البعير:
سمي البعير لأنه يبعر، يقال: بعر البعير بعرا (الدميري حياة الحيوان).
الكسعة:
الحمير، مأخوذ من الكسع وهو ضرب الأدبار، قاله الزمخشري وغيره.
النخة:
البقر العوامل، مأخوذ من النخ وهو السوق الشديد.
الثور:
الذكر من البقر، وسمي ثورا لأنه يثير الأرض.
البقرة:
سميت البقرة بقرة؛ لأنها تبقر الأرض.
ابن آوى:
سمي كذلك لأنه يأوي إلى عواء أبناء جنسه، ولا يعوي إلا ليلا.
الأربد:
ضرب من الحيات يعض فيربد منه الوجه.
من قول زياد على قبر المغيرة بن شعبة:
إن تحت الأحجار حزما وعزما
وخصيما أشد ذا معلاق
حية في الوجار أربد لا ين
فع منه السليم نفث الراقي
الأرقم:
الحية التي فيها بياض وسواد كأنه رقم أي نقش.
الأصلة:
الحية الكبيرة، عن الجاحظ: إنها لا تمر بشيء إلا احترق، وكأنها سميت بذلك لاستهلاكها واستئصالها.
البهار:
حوت أبيض طيب من حيتان البحر. ا.ه. ولعلهم سموه بهارا؛ لأنه يبهر إذا صيد.
الجساسة:
هي دابة في جزائر البحار تجس الأخبار وتأتي بها الدجال.
الجرارة:
نوع من العقارب إذا مشى على الأرض جر ذنبه.
البهيمة:
سميت البهيمة لإبهامها من جهة نقص نطقها وفهمها وعدم تمييزها وعقلها.
الأنن:
طائر يضرب إلى السواد وله طوق كطوق الدبسى، أحمر الرجلين والمنقار مثل الحمامة إلا أنه أسود، وصوته أنين: أوه أوه، حكاه في المحكم.
التنوط:
اسم طائر سمي بذلك لأنه يدلي خيطا من شجرة يفرخ فيها، الواحدة: تنوطة.
الأجدل:
الصقر، صفة غالبة عليه، وأصله من الجدل الذي هو الشدة.
الأباء:
القصب، ويقال: هو أجمة الحلفاء أو القصب خاصة، قال ابن جني: كأن أبا بكر يشتق الأباءة من أبيت؛ وذلك أن الأجمة تمتنع وتأبى على سالكها (ابن خالويه).
الإخريط:
التهذيب: من أطيب الحمض، سمي إخريطا لأنه يخرط الإبل، أي يرقق سلحها.
الألوى:
عشبة تشبه نبات الكشنى ولها حب مثل حبه، سوداء سميت بذلك لأنها إن أكلت أبخرت الفم.
البسيلة:
الترمس: حكاه أبو حنيفة، قال: وأحسبها سميت بسيلة للعليقمة التي فيها.
الجلوز:
البندق: وهو من الجلز، وهو الطي واللي إلى غير ذلك.
فمن هذا يظهر لك أن العربي لم يجر في وضع الأسماء على غير قاعدة، وإنما كانت قاعدته أن يلحظ في الشيء صفة فيرجع إلى لغته حتى يقع على الكلمة التي تؤدي معنى الصفة، ثم يصوغ منها الاسم على وزن يلذ في أذنه جرسه، من غير أن يفكر في ما يسمى قياسية أو سماعية.
على أن لنا في لغتنا العربية من الأصول ما يقابل كل الأصول التي ركب منها الأوربيون أسماء الحيوان والنبات يونانية كانت أم لاتينية، فإذا استعنا بالصيغ السماعية على ما بين أيدينا من الصيغ القياسية؛ انفتح أمامنا الباب المغلق وخرجنا إلى الرحاب الواسعة، وحافظنا على سلامة اللغة أن يطيح بها الجمود أو تذهب بريحها ظلامية بعض المتزمتين أو يتلاعب بها من ليس في مقدورهم تفهم أصولها وأساليبها.
والسبيل المعقول هو أن نكب على جميع صيغ الأسماء التي قيل: إنها غير قياسية ونحصرها حصرا كاملا، ثم نجيز قياسها والصوغ عليها في وضع أسماء الحيوان والنبات ، وأن نستغل طريقة الزيادة غير القياسية التي شرحناها قبل عند الكلام في النحت، فإننا بذلك لا نخرج على القاعدة التي جرى عليها العرب ما دمنا سنراعي شرط لحظ الصفة في المسمى على ما عمل أسلافنا - طيب الله ثراهم - فإن تسمحهم في هذا الشأن يضطرنا إلى القول مع الأئمة الذين قالوا من قبل: «إن كلاما قيس على كلام العرب فهو من كلام العرب.»
وإن لغتنا لواسعة، وإن لنا من أقيستها وصيغها التي وردت على لسان العرب ما يكفل لنا وضع الأسماء الجديدة التي يظن البعض أن وضعها من المستحيلات. وإني جريا على القاعدة التي شرحتها هنا لقمين بأن أضع اسما لأي نبات أو حيوان لا اسم له في العربية، مصوغا على ما ورد في كلام العرب. وهذا ما سميته «الاقتياس».
وهناك حقيقة يلزمنا أن ندركها أتم الإدراك، فإن صيغ الأسماء - وهي ما قيل إنها سماعية ونريد أن نجعلها اقتياسية - فيها صبغة الاسمية والبعد عن الوصفية، في حين أن ما يشتق من الصيغ القياسية فيه صبغة الوصفية والبعد عن الاسمية، وهذه حكمة من حكم اللغة العربية الكريمة لا ينبغي أن تغيب عنا، بل لا أكون مبالغا إذا قلت: إن العربي لاحظ في ما سمى من النبات والحيوان نفس هذه الحقيقة، وكذلك لحظها في كثير من الألفاظ المنحوتة التي تفيض بها معجماتنا.
وما ينبغي لنا أن نقف عند هذا الحد فلا ننبه على حقيقة كانت السبب في كثير مما أصابنا من الجمود في حياتنا الحديثة، فقد أفلح بعض المتزمتين فلاحا كبيرا في أن يصبغوا اللغة بصبغة من القداسة ويحوطوها بسياج من روح المحافظة، جعل الكثيرين منا يشعرون شعورا خفيا بأن المساس بشيء من الأساليب التي جرى عليها هؤلاء اللغويون إنما فيه تهجم على قداسة اللغة وانتهاك لحرمات الأقدمين. وبالرغم من أن هذا الشعور ليس إلا شعور اليأس والقنوط، وأنه ليس أكثر من وهم أملاه على مخيلة هؤلاء ما يلابس الأشياء من حرمة القدم، وهي حرمة لها تأثيرها النفسي والعقلي، فإن اللغة العربية إنما هي ملك لمن يتكلمون بها ، ويؤدون بها أغراضهم العلمية والأدبية والفنية، فلهم عليها ما كان للأقدمين من حقوق الملك، وما اللغة غير وسيلة. أما إذا اعتبرت غاية فإن ما يترتب على هذا الاعتبار من النتائج يكون بالغ الأثر في الحد من كفايتنا وقوة ابتكارنا، والأمر بين: فإما أن نخضع اللغة للعلم، وإما أن نخضع العلم للغة. وقديما خضعت اللغة للعلم؛ فليس لنا أن نقلب هذا الوضع الموروث، أو نحاول أن نقلب هرم مصر الأكبر، فنجعله يرتكز على قمته لا على قاعدته.
لقد عرب العرب كثيرا من الكلمات التي احتاجوا إليها وأدمجوها في لغتهم، فلنا إذن أن نعرب. ونحت العرب كثيرا من الكلمات، فلنا إذن أن ننحت.
أما الاقتياس فالأمر فيه جلي وحقنا فيه ظاهر لا يحتاج إلى بحث أو بيان. هذا على أن تراعى في هذه الأشياء الأوزان العربية قدر المستطاع، وتلاؤم الحروف واطمئنان جرسها ومخارجها.
فإذا سلمنا بهذه القواعد التي هي عندي من الأشياء الأساسية في نماء اللغة واتبعنا التعريب والنحت والزيادة والاقتياس، وأضفنا هذه الثروة الطائلة إلى ثروة الاشتقاق القياسي؛ كملت عدة العربية وأصبحت قادرة على وضع المصطلحات قدرة لا تدانيها فيها لغة أخرى.
دستور لوضع المصطلحات العلمية والأسماء الاصطلاحية قائم على البحوث السابقة
هذا أول عمل من نوعه في اللغة العربية، بل هو أول عمل لغوي علمي وضعت فيه مصطلحات جديدة على قواعد جديدة، على أني لم أشأ أن أخرجه للناس منذ أن أكملت مواده، وآثرت أن أكب على درس نواحيه وأؤلف بين أجزائه، وأراجع قواعده مرة بعد مرة وحينا بعد حين، حتى أيقنت أن الأسلوب الذي اتبعته في تأليفه، وأن القواعد التي انتحيتها في وضع مصطلحاته هي غاية ما يصل إليه جهدي، ونهاية ما يبلغ إليه وسعي، وأن ذلك مما يوسع آفاق لغتنا العربية المجيدة، ويجعلها أكثر قدرة على معالجة علم الحيوان خاصة وعلم المواليد عامة بلغة علمية قوامها مصطلحات محدودة المعنى، وأسماء اصطلاحية تامة الدلالة على المسميات، وها هي ذي القواعد التي خلصت بها من بحوثي القصية في هذا الموضوع ، وهي كفيلة بأن تنقل إلى لغتنا كل المصطلحات والأسماء التي خيل إلى البعض أن صوغها في لغة العرب من المستحيلات.
القاعدة الأولى: «استعمال الاسم العربي الذي استعمله العرب بعد التحقق من مدلوله» كالآتي: (1)
الوبار
Hyracoidea :
فالاسم العلمي مأخوذ من لفظ يوناني:
ὕραξ
ومعناه، الفأر الزبابي
Shrew-mouse
ويقابله في اللاتينية:
Sorex
بنفس المعنى، ويستعمل للدلالة على قبيلة:
Sub-order
من الثدييات تشمل فصيلة واحدة هي «الوبريات»:
Hyracide ، وهذه القبيلة يعرف أفرادها في العربية باسم «الوبر»، ففي القاموس «الوبر: دويبة كالسنور، وهي بهاء (ج) وبور وبار وبارة.» والوبريات صيغة النسب من الوبر مجموعة جمع مؤنث سالما على القاعدة التي أشرت بها، وجرى عليها مجمع فؤاد الأول للغة العربية؛ لتكون هذه الصيغة دالة على الفصائل، وعلى بعض ما يعلوها من الطبقات عند الحاجة. (2)
السنوريات
Felidae :
من اللواحم:
Carnivora
والاسم العلمي مأخوذ من
Felis
فى اللاتينية ومعناه «سنور».
ففي مثل هذه الحالات ينبغي لنا أن لا نخرج قيد أنملة عما وصلنا من العرب، ومن الأسف أن هذه الحالات قليلة إذا قسناها على ما هو مطلوب منا وضع أسماء له من الحيوان والنبات.
القاعدة الثانية:
الأسماء التي استعملها العرب وذكرت في المعجمات والمظان اللغوية من غير أن يشار إلى مدلولها إشارة صريحة، تطلق على حيوانات مما كانت تدل عليه؛ فأسماء السباع تطلق على السباع، وأسماء الطيور تطلق على الطيور وأسماء الحشرات تطلق على الحشرات؛ وكذلك الأسماء المترادفة؛ فإنه يمكن إطلاقها على أجناس الفصيلة الواحدة، أو على فصائل قبيلة بعينها.
فقد يرد في المظان اللغوية العربية كثير من أسماء الحيوان والنبات، بعضها مميز تمييزا لا يحقق ذاتية المسمى، فيقال مثلا: الطيفور طويئر (كثير الوثب)، والمكاء طائر (له صفير)، وقد ترد أسماء لا يمكن أن تميز المسمى بها أي تمييز، كأن يقال: هو طائر أو نبات أو دويبة، فلا أرى مانعا من أن نأخذ هذه الأسماء ونطلقها على حيوانات أو نباتات، يلاحظ أن تكون من قطان المناطق التي عرفها العرب، أو عن قطان غيرها من المناطق عند الحاجة.
القاعدة الثالثة: «ينظر في الاسم الأعجمي ويبحث عن أصله وتركيبه»: «فإذا كان يونانيا أو لاتينيا أو من اللغتين معا - أي ركب منهما - يبحث عن معاني الألفاظ التي يتألف منها للاستعانة بذلك على وضع اسم عربي يقابله.» «وإذا كان الاسم أهليا - أي منقولا عن أهل البلاد التي يعيش فيها الحيوان أو النبات - ولا يكون له معنى مستفاد في الألفاظ الحديثة، عرب مصوغا على واحد من الأوزان التي سمعت عن العرب، أو على غير وزن بحسب الظروف.» ويجرى هذا المجرى جميع الأسماء المأخوذة من الأساطير القديمة كأسماء الآلهة أو الأبطال أو غير ذلك، كالآتي: (1)
مثال من الأسماء المركبة من لفظين يونانيين:
Nycticebidæ : ويتركب من لفظين يونانيين: أولهما:
νύξ (νυχτ-)
أي «ليل» وثانيهما:
χῆβος
ومعناه «سعدان»، والمعنى المستفاد من الاسم «سعدان الليل» ويلحق باللفظين الكاسعة
idæ
وهي في اللاتينية تدل على الأسرة، وفي علم المواليد الحديث للدلالة على الفصيلة، ومن مجمل هذا ندرك أن المسمى حيوان أخص صفاته أنه يطوف أثناء الليل؛ فنستطيع أن نأخذ الاسم من كلمة عربية هي «السرى» وهو سير عامة الليل: سرى يسري سرى ومسرى (ق: 341: 4) فنقول: السراء للفرد أو الجنس و«السراويات» للدلالة على فصيلة من «الرئيسات»
. (2)
أمثال من الأسماء المركبة من لفظين لاتينيين:
Tardigarda : ويتركب من لفظين لاتينيين: الأول:
tardus
ومعناه «بطيء» والثاني:
gradi
ومعناه: «يمشي أو يذهب» ومنه:
gradus «أي الماشي ببطء»، ومن المعنى المستفاد من الاسم نأخذ الاسم العربي من الفعل «ونى» فنقول «الوانيات». (3)
مثال من الأسماء المركبة من لفظين: أحدهما يوناني والآخر لاتيني:
Myslemur : ويتركب من لفظين: أولهما يوناني:
μῦς
أي «فأر» والثاني لاتيني:
lemur
ومعناه «شبح أو خيال» وأصله عند الرومان اسم عيد كانوا يقيمونه طردا للأرواح الخبيثة التي كان يعتقد أنها تنزل بالأحياء شرا في أثناء الليل، وكذلك لفظ:
Bradylemur
فإنه يتركب من لفظين: أولهما يوناني:
βραδύς «أي بطيء» والثاني لاتيني
lemur
ومعناه «شبح أو خيال»، ومثل هذه الأسماء يمكن بقليل من التسمح أن نضع لها اسما عربيا. (4)
مثال من الأسماء العلمية المأخوذة من ألفاظ أهلية:
Chinchillidæ
وفي معجم شنتشوري ص962 ج أول:
Chinchilla; Sp., Pg., of South American Origin .
فهذه نعربها فنقول: الشنشليات، وللفرد أو الجنس: الشنشل.
وكذلك الاسم الاصطلاحي
potoroinae
فقد جاء في معجم سنتشوري ص1046 ج8.
small rat-kangaroos of the genus potorus, the generic name being latinization of the native name.
فهذا أيضا نعربه ونقول: البوطوريات أو البوطورية وللفرد أو الجنس، البوطور. (5)
مثال من الأسماء المنقولة عن الأساطير:
الأبونيات
Abeona :
Etym., LL. The goddess of departing; Rom. myth. the goddess who presided over the departure, as of travallers (used in ichth., and entom.,).
القاعدة الرابعة:
قد نلجأ إلى تعريب الاسم الاصطلاحي وإن دل على صفة ظاهرة في المسمى دلالة واضحة، إذا كان اللفظ الأول من الاسم الأعجمي وهو الصفة الرئيسية في المسمى قد دخل في كثير من المصطلحات العلمية، بحيث يتعذر العثور على أصول عربية تؤخذ منها أسماء لكل المسميات التي دخل ذلك اللفظ في تركيبها، كالآتي:
Solenodontidæ : والاسم يتركب من لفظين يونانيين: أولهما
σωλὴν
ومعناه نخروب أو أنبوب، والثاني
ὀδούς (ὀδοντ-)
ومعناه «سن»، والمستفاد منه «ذوات الأسنان الأنبوبية»، وهذا الاسم على أنه واضح الدلالة، فإن اللفظ الأول الذي يتركب منه يدخل في كثير من الأسماء الدالة على أشياء أخرى بنفس معناه، فيتعذر علينا أن نجد من المفردات العربية مرادفات لمعانيه تعيننا على وضع أسماء عربية تقابل الأسماء التي دخل هذا اللفظ في تركيبها، وإليك المثال عن معجم سنتشوري ص5756، ج5:
Solen :
فإنه يدل على أسماك، أو على جنس من الرخويات ذوات الصمامتين.
Solenarium :
يدل على أجزاء في تشريح بعض الحشرات.
Solenella :
يدل على جنس خاص.
Solenellinæ :
يدل على فصيلة خاصة يتبعها الجنس السابق.
Solenidæ :
فصيلة من الرخويات ذوات الصمامتين.
Solenite :
يدل على رخويات مستحاثة (بائدة).
Solenochonchæ :
يدل على قبيلة أو شعب من الرخويات.
Solenogastres :
يدل على عشيرة تشمل جنسين من الرخويات عند بعض المواليديين.
Solenoglyph :
يستعمل للدلالة على صفة خاصة في أسنان بعض الحيوانات.
Solenoglypha
أو
Solenoglyphia :
يدل على طبقة من الحيات.
Solenomya :
يدل على جنس خاص من الرخويات.
Solenomyidæ :
يدل على فصيلة خاصة من الرخويات.
Solenostomi :
يدل على قبيلة من الأسماك.
Solenostomidæ :
يدل على فصيلة من الأسماك.
Solenostomus :
يدل على جنس من الأسماك.
هذا غير بعض المشتقات التي يحتاج إليها في الإشارة إلى مدلول هذه المصطلحات، وفي مثل هذه الحالات نلجأ إلى التعريب مرة وإلى أخذ الاسم من لفظ عربي مرة أخرى، وإذا أردنا مثلا للتعريب فإنا نقول: السلندونيات والسلندونية والسلندون وسلندوني للنسب.
مقابل:
Solenodontidæ Solenodontinæ Solenodon .
أو ننحت من اللفظين «سن» و«أنبوب» اسما، س
1
ن
2 + أ ن ب
3
و
4
ب
5 = سنبوب وزان فعلول، ونقول: السنبوبيات والسنبوبية والسنبوب وسنبوبي، ولكن المثل هنا مضروب لما يعرب لا لما ينحت، وإن كان النحت قد يجاز في مثل هذه الحالة بتوسع.
القاعدة الخامسة:
إذا تعذر أخذ اسم عربي من معنى الاسم العلمي، كأن يكون الاسم العلمي مركبا من لفظين أو من ثلاثة قصد بكل منها الدلالة على صفة من صفات الحيوان أو النبات من غير أن تدل في جملتها على معنى موحد - أي يؤديه لفظ واحد - كان لنا أن نتبع في مثل هذه الحالات أحد طريقين: «فإما أن نلحظ في المسمى صفة من صفاته الخفية ونرجع إلى الأصل اللغوي الذي يدل عليها، ونصوغ منه اسما على وزن عربي قياسي أو سماعي، وإما أن ننحت من مجموع الحروف التي تتركب منها ترجمة الألفاظ الأعجمية التي صيغ منها الاسم الأعجمي اسما جديدا على وزن سمع عن العرب» كالآتي: (1)
أسماء تتركب من لفظين أعجميين أو أكثر من غير أن تدل في جملتها على معنى موحد: مثل
Ctenodactylidæ ، فهذا الاسم مركب من لفظين يونانيين: أولهما:
χτείς (χτεν-)
أي «مشط أو مكد (اسم آلة من كد الشعر: مشطه)»؛ والثاني:
δάχτνλoς
أي «إصبع» والمستفاد منه «حيوان تشبه أصابعه أسنان المشط أو المكد»، فالدلالة هنا ليست موحدة، بمعنى أنه لا توجد كلمة واحدة تدل على هذه الصفة في العربية؛ فهنا يتعين علينا أن نلحظ هذه الصفة ونصوغ من «مشط» أو من الفعل «كد» اسما موزونا على وزن عربي، فنقول مثلا: الكيدوديات أو الكديديات أو الكدوديات أو الإكديديات أو الكداديات إلى غير ذلك، أو نأخذ من مشط فنقول مثلا: المشوطيات أو المشاطيات أو الأمشوطيات أو الإمشيطيات أو المشيطيات أو الميشوطيات أو اليمشوطيات إلى ما لا نهاية، وبذلك نجد أوزانا لا نهاية لها نصوغ منها أسماء لكل ما يبدأ تركيبه بالمادة اليونانية من الأسماء الاصطلاحية.
وبهذا يفسح أمامنا السبيل: فمهما صادفنا من الأسماء التي يدخل هذا الأصل في تركيبها، أمكننا أن نضع مقابلا لها في العربية بالغة ما بلغت من الكثرة؛ ذلك بأن الأوزان السماعية يعدوها الحصر بله الأوزان القياسية. (2)
أسماء عربية منحوتة لأسماء علمية أعجمية تتركب من ألفاظ لا تتوحد دلالتها مثل:
Hypsiprymnodontinæ : اسم يتركب من ألفاظ يونانية ثلاثة: الأول
ὕψι
أي «عال» والثاني:
πρύμνα «كوثل»، والثالث:
ὀδούς (ὀδοντ-)
أي «سن»؛ والمعنى المستفاد منه: «ذوات الأسنان العالية المؤخر»؛ فهذا لا يؤلف معنى يؤديه لفظ يحدده، ولا يمكن أخذ الاسم من أحد هذه المفردات، وهنا يجب أن ننحت اسما يدل على هذا الحيوان، فنأخذ «العين» من الأول و«الواو» من الثاني و«السين والنون» من الثالث، ونقول: «العوسنيات»، والعوسنية والعوسن للفرد أو الجنس والنسبة عوسني.
بهذا نتخلص من مشقة عظيمة وعنت كبير، بل نجتاز صعابا جمة وعقبات كأداوات، كما نخلص بمصطلحات حلوة مركبة من حروف عربية لا تنافر بينها، وموزونة على وزن عربي مستساغ.
القاعدة السادسة:
إذا كان الاسم الأعجمي مركبا بحيث يدل على معنى موحد يؤديه لفظ عربي، وجب في هذه الحالة استعمال «اللفظ العربي» كالآتي: (1)
أسماء تتركب بحيث يستفاد منها معنى موحد يؤديه لفظ عربي: مثل:
Ganodonta : الاسم يتركب من لفظين يونانيين: أولهما
γάνος
أي «بريق أو لمعان»؛ والثاني
ὀδούς (ὀδοντ-)
أي «سن» وهي صفة في الأسنان معروفة، ولها كلمة تدل عليها في العربية، فهي لذلك ذات معنى موحد، فالشنب ماء ورقة في الأسنان، سئل رؤبة عن الشنب فأخذ حبة رمان وأومى إلى بصيصها، ففي مثل هذا يتعين علينا أخذ الاسم من اللفظ العربي فنقول: «الشنيبات» من الشنيب وهو كالشانب (المخصص: 148: 1). (2)
Tillodontia : الاسم يتركب من لفظين يونانيين: الأول
τίλλειν
أي «يمزق أو يقطع» والثاني
ὀδούς (ὀδοντ-)
أي «سن»، والمقصود به حيوانات تمزق اللحم بسنين قاطعتين لها، كل منها تشبه الأزميل، فهنا يتعين أن نأخذ اسمها من لفظ عربي، فالمصطلح تام الدلالة على المراد، وهو فوق ذلك موحد المعنى، فنقول: «النهاسيات» من نهس اللحم كمنع وسمع: أخذه بمقدم أسنانه ونتفه (انظر القاموس). (3)
Anomodontia : الاسم من لفظين يونانيين: الأول
ἄνομος
أي «غير منتسق»، والثاني
ὀδούς (ὀδοντ-)
أي «سن»، والمعنى المستفاد منه حيوانات لا تنتسق أسنانها، فهذا المعنى تام الدلالة موحد المعنى، أي إن له لفظا يؤديه في العربية فيقال : شغيت السن شغوة وشغا، وشغت شغوا، ورجل أشغى وامرأة شغواء وشغياء: والشغا أن تختلف نبتة السن ولا تنتسق، يطول بعضها ويقصر بعضها (مخصص: 150: 1) فهنا يتعين أخذ الاسم من هذا المعنى فنقول: «الشغويات».
القاعدة السابعة:
إذا استعمل اسم أعجمي للدلالة على أكثر من مسمى سواء أكانت المسميات قريبة الآصرة أم بعيدتها، وضع له مقابل عربي واحد يخصص بشرح المقصود منه، ويشار إن أمكن إلى من استعمله من العلماء، كالحاصل في المعجمات الأوربية كالآتي:
الجووفيات
Abdominales
For Fishes (a) Linnæus (b) Cuvier (c) J. Muller
For Insects (d)
والجووفيات: من الجوف وزان فعول، أخذا من معنى
abdomen
في العربية.
القاعدة الثامنة:
الأسماء الاصطلاحية المركبة التي لا تفيد معنى خاصا، ولا تدل على صفة معينة من صفات المسمى يتعين تعريبها، كالآتي:
Allotheria; Gr.ἄλλος = other + θηρίoν = a wild beast .
فالاسم يتركب من لفظين يونانيين: الأول معناه «آخر»، والثاني معناه «وحش»، والمعنى المستفاد منه «البهائم أو الوحوش الأخرى»، ولا معنى له على إطلاق القول، أو هو يؤدي معنى «ما ليس كذلك»؛ فهذا نعربه ونقول: «اللوذريات» ومفردها «لوذر»، والنسبة «لوذري».
القاعدة التاسعة: «يجوز أخذ الأسماء من الاسم المستعمل في غير لغة العلم - على إحدى القواعد السابقة - ليقابل المصطلح عليه في اللسان العلمي» كالآتي:
البابوسية:
Galaginæ ، للفصيلة والبابوس:
Galago
للجنس: والمصطلح:
Galago : أصله من كلمة إفريقية ترجيحا، وهي المستعملة في لغة العلم، إنما يستعمل المواليديون في الكلام الجاري عبارة:
Bush Babys
للدلالة على المقصود من هذا الاصطلاح، وتأويلها «أطفال البوص»، أو «أطفال حرجات البوص»؛ فسميتها «البابوسية» نسبة إلى البابوس، وهو في اللغة ولد الناقة والصبي الرضيع أو الولد عامة في الرومية (ق: 199: 2) (انظر كتاب:
A Review of the Primates «ص45 ج أول»، وجمع
Baby
بصيغة:
Babys
قاعدة أمريكية، والصحيح:
Babies ، ومؤلف الكتاب السابق أمريكي).
وقد يعترض بعض المشتغلين بهذه البحوث بأن بعض الألفاظ المنحوتة مثل «العوسنيات»، وبعض الألفاظ المأخوذة من مادة عربية أصيلة «كالسراويات» لا تدل على جميع الأجزاء التي ركب منها الاسم الأعجمي. والواقع أن الذي يدرس علم الحيوان أو علم النبات، والذي يبحث في علوم المواليد بصورة عامة لا يلتفت إلى أصل الاسم الاصطلاحي الذي يستعمله، ولا إلى تركيبه اللغوي ولا إلى اشتقاقه، وإنما هو ينظر فيه باعتباره اسما اصطلاحيا يخصصه الاستعمال، وقارئ هذه العلوم في اللغات الأوروبية لا امتياز له في هذه الناحية على من يقرؤها باللغة العربية.
والذي أراه أن اتباع هذه القواعد يفتح أمامنا طريق الوضع، ويذلل لنا سبيل نقل أسماء الحيوان والنبات إلى العربية في أقرب وقت ممكن إذا تضافرت الجهود على ذلك، وبحثي هذا أول مثل يضرب للناطقين بالضاد على أن اللغة العربية أوسع اللغات جميعا وأرحبها صدرا وأوفرها موارد وأصولا. (1) التركيب المزجي
جريت في كثير من المصطلحات التشريحية وغيرها مما هو مركب من لفظين في الأصل الأعجمي على قاعدة التركيب المزجي، فأقول مثلا: فكيلامي: في
Mylohyoid
وقبيليحكمي: في:
.
ولقد أمعنت النظر في قاعدة التركيب المزجي، فألفيت أن استعمالها قد نستخلص به من المصطلحات العلمية قدرا صالحا يعيننا على التأليف في مختلف العلوم وبخاصة في الأمراض والتشريح، وقد جربت ذلك في عدد عديد من المصطلحات فسلس واستقام، وإليك المثل على ذلك:
بين
inter ، يتركب منها مصطلحات مثل:
entervertebral foramen
فهذا نقول فيه الثقب البينيفقاري؛ و
epi = فوق مثل
episkeltal = فوقيهيكلي؛ و
infra
أو
hypo = دوين مثل:
infraorbital plexus
الضفيرة الدوينيحجاجية و
infracostal
دوينيضلعي:
intra
نشب مثل
intraspinal plexus
الضفيرة النشبيلشوكية و
intracranial
نشبيحقفي؛ و
pre
أمام مثل:
plexus
الضفيرة الأماميفقارية؛ و
ant
قبيل
anteorbital foramen : الثقب القبيليحبجاجي و
supra
فويق مثل
supra-orbital
فويقيحجاجي
supra-pubic
فويقيعاني، و
sub
تحت
subepithelial plexus
الضفيرة التحتيظهارية أو التحتيحفافية؛ و
aceous ، كاسعة تدل على التشبيه مثل
membranaeous
شبهغشائي وهكذا. ذلك بخلاف الألفاظ المركبة من كلمتين تفيد كل منهما معنى كاملا مثل:
tibio-calcanean : قصبيعقبي و
tibio-fibular
قصبيشظي؛ و
thyro-hyoid
درقيلامي: و
thyro-epiglottideus
درقيمزماري أو درقيغلصيمي.
ذلك أصل من أصول الوضع التي ينبغي أن يجرى عليها في صوغ المصطلحات. (2) الحروف اللاتينية
وكنت أود أن لا تحملني هذه البحوث على المضي في الكلام في تبديل الحروف العربية بالحروف اللاتينية، وهي مسألة طارت من حولها نار الجدل واشتعلت لظاها ثم أصبحت الآن رمادا تذروه الرياح.
ولكن ذلك لا يجعلني أعدل عن إثبات رأيي الذي أبنت عنه إبان تلك الصيحة العجيبة، وأزيد إليه أنها صيحة ليس لها من دافع اللهم إلا الجهل بأصول هذه اللغة الكبيرة، وأعني بأصولها فلسفتها وأسرارها التي يجوز أن يكون أكثره قد انطوى منذ أخذت هذه اللغة في مزايلة أخواتها الساميات منذ قرون ضاعت ذكرياتها، وغشى الزمن على حقائقها بغشاوة قد تغلظ في ناحية فتعمى علينا، وقد ترق في ناحية أخرى فترينا بصيصا من نور.
على الجملة أقول: إن استبدال الحروف العربية بالأعجمية فيه ضياع لفلسفة هذه اللغة وضياع لتقاليدها وطمس لآدابها وجميع أسرارها.
ومجمل الأمر أن اللغة العربية لغة كاملة انحدرت إلينا تامة الأجزاء موحدة القسمات، ومن أصول اكتمالها أنها تمتاز على جميع اللغات الأعجمية بأن فيها حروف مد وحروف حركة، فحروف المد هي: الألف والواو والياء، وهي التي تتخذ في الأعجميات للمد وللحركة معا، فيكثر الشذوذ في نطق مفرداتها، وحروف الحركة هي: الفتحة والضمة والكسرة والسكون، شاء اكتمال اللغة وجعلها أخصر ما يكون في الرسم، وألا يختلط على القارئ أحد حروف المد وحروف الحركة، وأن حروف المد قد تحركها حروف الحركات، أن تخرج حروف الحركات عن بنية الكلمة ذاتها لترسم ملازمة لها؛ فتتغير المعاني بتغيرها وتحدث تلك الأصوات التي لولا المحافظة عليها لتغير جرس اللغة وبادت صوتيتها فبادت معها معان وإشارات ودقائق هي في الواقع صلب اللغة وفقارها.
هذا مجمل الرأي في ذلك، ولقد ماتت هذه الصيحة، ولا شك في أنها اجتهاد لم يوفق فيه مؤيدوه، فلنا أن نحمد هزيمتهم ويحمدون هم انتصارنا.
Unknown page