ثم دوت في أذني استغاثات أولئك المظلومين الذين فصل ظلامتهم مندوب المقطم الفاضل في إحدى رسائله، فتجددت ثورة الشباب في نفس ذهبت بنجدتها وقائع الدهر، أطيرت الأظافر وأسيلت الدماء وتوالت السياط على أبدان ترقرق على أديمها الشباب، فقلت:
أفلا يزال السوط حاكمكم
وأبو السياط بيلديز ذهبا
أفلا يزال الدهر يعجبكم
ضرب ومضروب ومن ضربا
ونقول أحرار فنمدحكم
لا حر فيكم ، كلنا كذبا
ثم أتيت بهذه النفثة إلى أحد أساتذتنا الدكتور فارس نمر، فقال لي: يا ولي الدين، دع العجلة واستصف الأناة، إذا آخذت فآخذ ولكن بعد ثقة، وإن أثنيت بخير فأثن ولكن بعد ثقة، وهذا المقطم لا يتقرب إلى أحد ولا يملق أحدا، ولكنه عثماني مخلص في عثمانيته، غير هياب ولا وجل، تمهل تمهل، إذا دعت الحاجة إلى هذا الغضب، فنحن - ولا نزاع - سابقون، ولكن لا تستعجل الآن بالضجر، فكان كلام الأستاذ بمنزلة الدواء على الفؤاد المريض، به استقر الجأش وعادت السكينة.
ولم تزل الكتب والرسائل تتوالى علي من إخوان الحرية وفرسان الحق، تلك دعوات لم يطاوعني تلقاءها إحجام ولا تثاقلت بي خطوات، وكان الحمام ممسكا بخناقي يريد أن يطوف بي معاهد طافها الآباء والأجداد، ألا سقى الله تلك المعاهد من عهاده، غير أن للنفوس اعتلاقا بهذه الزخارف الباطلة، مال وبنون، ونحن نشقى بالمال والبنين. •••
ثم بدت ميمية الشاعر حافظ أفندي إبراهيم، هذه ثانية قصائده التي أنشدها احتفالا بجمعية رعاية الأطفال، حبذا الشعر تقف عنده البدائه حيارى: «قفا نبك» وأخواتها، أودعت من القول في صوغ الكلام وتأليفه ما لا يسمو إليه حافظ، وميمية حافظ أودعت من المعاني العصرية ما لم يلهم به كل شاعر من ملوك الكلام في ماضيات الأيام.
Unknown page