دخلت إلى الغرفة نافخة سيدة عريضة حمراء الوجه ترتدي فستانا من الشيفون الأسود والأبيض. «أوه، عذرا على مقاطعتي، هذه زيارة سريعة لبرهة فحسب ... كيف حالك يا سيد تاتشر؟ ... تعلمين يا عزيزتي أن أباك المسكين كان حقا في حالة سيئة للغاية.» «هذا كلام فارغ؛ فكل ما كان لدي هو ألم خفيف في الظهر.» «تلك آلام أسفل الظهر يا عزيزي.» «عجبا يا أبي، كان ينبغي أن تخبرني.» «كانت الخطبة اليوم ملهمة للغاية يا سيد تاتشر ... كان السيد لورتون في أفضل حالاته.» «أظن أن علي أن أخرج وأذهب إلى الكنيسة من حين لآخر، ولكن كما ترين أفضل المكوث في المنزل يوم الأحد.» «بالطبع يا سيد تاتشر؛ فهذا هو اليوم الوحيد الذي لديك. كان زوجي مثلك تماما ... ولكني أظن أن الأمر يختلف مع السيد لورتون عن أغلب رجال الدين. فلديه نظرة عقلانية معاصرة للأشياء. الأمر حقا أشبه بحضور محاضرة مشوقة للغاية أكثر منه بحضور عظة في كنيسة ... تفهم ما أعنيه.» «سأخبرك بما سأفعل يا سيدة كالفيتير، إذا لم يكن الطقس شديد الحرارة يوم الأحد القادم فسأذهب ... أظن أنني اعتدت كثيرا على نمط حياتي.» «أوه، بعض التغيير مفيد لنا جميعا ... ليس لديك أدنى فكرة يا سيدة أوجليثورب كم نتابع مسيرتك الفنية عن كثب، في صحف يوم الأحد وكل ذلك ... أظن أن الأمر في غاية الروعة ... كما كنت أقول للسيد تاتشر بالأمس إنه لا بد في الأمر من شخصية قوية والعيش بعمق وفقا للمبادئ المسيحية للتمكن من الصمود أمام إغراءات حياة المسرح في هذه الأيام. من الملهم رؤية فتاة شابة وزوجة شديدة اللطف والنقاء وسط كل ذلك.»
ظلت إلين تنظر إلى الأرض كي لا تلمح عيناها عيني أبيها. كان ينقر بإصبعين فوق ذراع كرسي موريس الذي كان يجلس عليه. تهلل وجه السيدة كالفيتير الجالسة في منتصف الأريكة العريضة. نهضت واقفة. «حسنا، يجب أن أذهب. لدينا فتاة ساذجة في المطبخ، وأنا واثقة أن العشاء قد فسد بالكامل ... ألن تمر علينا بعد ظهيرة اليوم ...؟ بشكل ودي تماما. لقد أعددت بعض الكعك وسنخرج بعضا من مزر الزنجبيل في حال زارنا أحد.»
قال تاتشر وهو ينهض متيبسا: «أثق أنه سيسعدنا ذلك يا سيدة كالفيتير.» تمايلت السيدة كالفيتير في فستانها المنفوش خارجة من الباب. «أقترح يا إيلي أن نذهب لنأكل شيئا ... إنها سيدة طيبة القلب ولطيفة للغاية. دائما ما تحضر لي أوعية من المربى والمرملاد. إنها تعيش في الأعلى مع عائلة أختها. وهي أرملة رجل رحالة.»
قالت إلين بضحكة خافتة في حلقها: «يا لها من عبارة قالتها عن إغراءات حياة المسرح! هيا وإلا فسيزدحم المكان. فتجنب العجلة هو شعاري.»
قال تاتشر بصوت طقطقة متذمر: «دعينا لا نتلكأ.»
فتحت إلين مظلتها عندما خرجا من الباب المحاط من الجانبين بالأجراس وصناديق البريد. ضرب وجهيهما نفحة من حرارة معبأة بالأتربة. مرا بمتجر للأدوات المكتبية، واللافتة الحمراء بالحرفين إيه وبي لشركة الشاي الكبرى في المحيط الأطلسي والمحيط الهادي، والصيدلية على الناصية التي اندفعت منها تلك البرودة الآسنة لمجمدات ماء الصودا والآيس كريم أسفل الظلة الخضراء، وعبرا الشارع حيث غاصت قدماه في الأسفلت اللزج، وتوقفا عند كافيتريا ساجامور. شاهدا الساعة الثانية عشرة بالضبط عبر النافذة التي كان مكتوبا حول واجهتها بالأحرف الإنجليزية القديمة «وقت تناول الطعام». كان أسفلها سرخس أصهب كبير وبطاقة تعلن أن سعر الدجاج في العشاء دولار و25 سنتا. ظلت إلين عند فتحة الباب تنظر لأعلى إلى الشارع المضطرب بالحركة. «انظر يا أبي، ستهب على الأرجح عاصفة رعدية.» حلق السحاب المتراكم في خطوط ارتفاع ثلجية مذهلة في السماء الأردوازية. «أليست تلك سحابة جميلة؟ ألن يكون من الجميل أيضا لو هبت عاصفة رعدية صاخبة؟»
نظر إد تاتشر لأعلى، وهز رأسه ودخل عبر الباب الشبكي المتأرجح. تبعته إلين. استنشقا بالداخل رائحة الطلاء والنادلات. جلسا إلى طاولة بجوار الباب أسفل مروحة كهربائية مطنطنة. «كيف حالك يا سيد تاتشر؟ كيف كان حالك طوال الأسبوع يا سيدي؟ كيف حالك يا آنسة؟» اقتربت منهما بلطف نادلة ذات وجه نحيل وشعر معالج بالأكسجين. «ماذا تفضل اليوم يا سيدي؛ فرخ البط المشوي على طريقة لونج آيلند أم ديكا مغذى بالحليب ومشويا على طريقة فيلادلفيا؟»
الفصل الرابع
سيارة الإطفاء
تحتشد الحافلات بعد ظهيرة تلك الأيام في صف كالفيلة في استعراضات السيرك. من حي مورننجسايد هايتس إلى ميدان واشنطن، ومن محطة بنسلفانيا إلى مقبرة جرانت. يترنح زيرة النساء والمتحررات متعانقين في وسط المدينة وشمالها، يتعانقون في انسجام مرح مترنح بعد انسجام مرح آخر، حتى يروا قمر اليوم الجديد يقهقه فوق بلدة ويهاكين، ويشعروا بريح يوم الأحد الخاملة العاصفة تهب مغبرة في وجوههم، مغبرة بالشفق المنتشي.
Unknown page