جاء صوت باك: «إنه أنا فحسب.»
فتحت إلين الباب. «يا إلهي يا كاسي، ما الأمر؟» احتضنت كاسي إلين بشدة. «أوه يا كاسي، إنك تدبقين غطاء وجهي ... ما الأمر بحق السماء؟» «لقد كنت مستيقظة طوال الليل أفكر في التعاسة التي لا بد وأنك تعيشين فيها.» «ولكني يا كاسي لم أشعر من قبل في حياتي بالسعادة مثلما أشعر الآن.» «أليس الرجال مروعين؟» «نعم ... إنهم ألطف كثيرا من النساء على أي حال.» «يجب أن أخبرك بشيء يا إلين. أعلم أنه لا يعنيك من أمري شيء، ولكني سأخبرك على الرغم من ذلك.» «بالطبع أهتم لأمرك يا كاسي ... لا تكوني سخيفة. ولكني مشغولة للغاية الآن ... لم لا ترجعين لفراشك وتخبريني فيما بعد؟» «يجب أن أخبرك الآن .» جلست إلين فوق صندوقها صاغرة. «لقد أنهيت علاقتي بموريس يا إلين ... أليس هذا مروعا ؟» مسحت كاسي عينيها في كم روبها الخزامي اللون وجلست بجوار إلين فوق الصندوق.
قالت إلين برفق: «اسمعي يا عزيزتي. أقترح أن تنتظري لثانية، سأطلب سيارة أجرة عبر الهاتف. أريد الفرار قبل أن يصل جوجو. فقد سئمت المشاجرات.» كانت رائحة الصالة خانقة من أثر النوم ودهان التدليك. تحدثت إلين بصوت خفيض للغاية في سماعة الهاتف. جاء صوت الرجل الأجش في المرأب هادرا وسارا في أذنيها. «بالتأكيد على الفور يا آنسة.» رجعت على أطراف أصابعها واثبة إلى الغرفة وأغلقت الباب. «ظننت أنه أحبني، صدقا يا إلين. أوه، إن الرجال مروعون للغاية. كان موريس غاضبا لأنني لم أرغب في أن أعيش معه. يبدو الأمر لي خبيثا. بوسعي أن أضيء أصابعي كالشموع من أجله، وهو يعلم ذلك. ألم أفعل ذلك بالفعل طوال عامين؟ قال إنه لا يمكنه الاستمرار في علاقتنا إن لم أكن له حقا، تعلمين ما كان يقصد، وقلت إن حبنا كان من الجمال بمكان ليستمر سنوات وسنوات. يمكنني أن أظل أحبه طوال حياتي دون حتى أن أقبله. ألا تظنين أن الحب يجب أن يكون نقيا؟ ثم سخر من رقصي، وقال إنني كنت محظية شاليف وإنني فقط أتسلى به، وتشاجرنا شجارا مروعا ونعتني بألفاظ بشعة ورحل قائلا إنه لن يرجع أبدا.» «لا تحملي هما لذلك يا كاسي، سيرجع بالتأكيد.» «كلا، ولكنك مادية للغاية يا إلين. أعني أن علاقتنا قد تحطمت روحيا للأبد. ألا ترين أن ثمة شيئا روحانيا مقدسا كان بيننا وأنه قد تحطم.» أجهشت في البكاء مجددا وانضغط وجهها في كتف إلين. «ولكني يا كاسي لا أرى ما المتعة التي تحصلين عليها من كل ذلك؟» «أوه، أنت لا تفهمين. إنك حديثة السن للغاية. كنت مثلك في البداية باستثناء أنني لم أكن متزوجة ولم أكن أتجول مع الرجال. ولكني الآن أرغب في الجمال الروحاني. أريد الوصول إليه من خلال ممارستي للرقص ومن خلال حياتي، أسعى للجمال في كل مكان وظننت أن موريس أراده كذلك.» «ولكن موريس أراده بالتأكيد.» «أوه يا إلين إنك مدهشة ، وأنا أحبك كثيرا.»
نهضت إلين واقفة. «سأسرع بالنزول حتى لا يرن سائق سيارة الأجرة الجرس.» «ولكنك لا يمكنك الذهاب هكذا.» «سترين.» رفعت إلين صرة الكتب بيد واحدة، وحملت في الأخرى حقيبة مستحضرات التجميل من الجلد الأسود. «اسمعي يا كاسي، هل يمكنك أن تتلطفي وتريه الصندوق عندما يصعد لأخذه ... وهناك شيء آخر، عندما يتصل ستان إيميري أخبريه أن يتصل بي في فندق بريفورت أو لافاييت. حمدا للرب أنني لم أجر إيداعا ماليا الأسبوع الماضي ... وإن وجدت يا كاسي أي نثريات لي في المكان فلتحتفظي بها ... وداعا.» رفعت غطاء وجهها وقبلت كاسي سريعا على وجنتيها. «أوه، كيف لك أن تكوني بتلك الشجاعة حتى تذهبي وحدك هكذا؟ ... ستسمحين لي أنا وروث أن نأتي لزيارتك، أليس كذلك؟ إننا مولعتان بك للغاية. أوه يا إلين، ستحظين بحياة مهنية رائعة، أعلم ذلك.» «وعديني ألا تخبري جوجو بمكاني ... سيعرف عما قريب على أي حال ... سأتصل به خلال أسبوع.»
وجدت سائق سيارة الأجرة في الردهة ينظر إلى الأسماء فوق أجراس الأبواب. صعد كي يأخذ الصندوق. استقرت مسرورة في المقعد الأديمي اللون المغبر لسيارة التاكسي، آخذة أنفاسا عميقة من هواء الصباح المحمل بنفحات النهر. ابتسم لها سائق سيارة الأجرة ابتسامة عريضة عندما ترك الصندوق ينزلق من على ظهره فوق لوحة التحكم. «ثقيل للغاية يا آنسة.» «من المؤسف أن عليك حمل كل ذلك وحدك.» «أوه، يمكنني أن أحمل أثقل من ذلك.» «أريد أن أذهب إلى فندق بريفورت، الجادة الخامسة في شارع 8 تقريبا.»
عندما انحنى الرجل لرفع ذراع التدوير، دفع بقبعته خلف رأسه تاركا شعره المجعد الضارب إلى الحمرة ينسدل فوق عينيه. قال وهو يقفز فوق مقعده في السيارة المهتزة: «حسنا، سآخذك إلى أي مكان ترغبين.» عندما انعطفا إلى شارع برودواي المشمس والفارغ تماما، بدأ شعور من السعادة يتوقد ويتصاعد كالصواريخ داخلها. هب الهواء منعشا، مثيرا للحماسة في وجهها. تحدث إليها سائق سيارة الأجرة عبر النافذة المفتوحة خلفه. «ظننت أنك كنت تلحقين بقطار للرحيل إلى مكان ما يا آنسة.» «حسنا، أنا راحلة بالفعل إلى مكان ما.» «سيكون يوما جيدا للرحيل إلى مكان ما.» «إنني راحلة عن زوجي.» انطلقت الكلمات من فمها قبل أن تتمكن من إيقافها. «هل طردك؟»
قالت ضاحكة: «كلا، لا يمكنني أن أقول إنه فعل ذلك.» «طردتني زوجتي قبل ثلاثة أسابيع.» «كيف ذلك؟» «أغلقت الباب عندما عدت إلى المنزل في إحدى الليالي ولم تدعني أدخل. وقد غيرت القفل عندما كنت بالخارج للعمل.» «إنه شيء غريب.» «تقول إنني أسكر كثيرا. لن أرجع إليها ولن أعولها بعد الآن ... يمكنها أن تسجنني إن أرادت. أنا محق. سأحصل على شقة في الجادة الثانية والعشرين مع شخص آخر، وسنحضر بيانو ونعيش في هدوء دون أن نشغل بالا بالنساء.» «الزواج ليس بالأمر الجيد، أليس كذلك؟» «معك حق. ما يسبق الزواج جيد للغاية، ولكن الزواج نفسه يشبه الاستيقاظ بعد ليلة سكر.»
كانت الجادة الخامسة بيضاء وفارغة وقد اجتاحتها رياح هفافة. كانت الأشجار في ميدان ماديسون تتلألأ على نحو غير متوقع كسراخس في غرفة معتمة. حمل أمتعتها في فندق بريفورت بواب ليلي فرنسي ناعس. وفي الغرفة البيضاء الجدران ذات السقف المنخفض، نعس ضوء الشمس فوق كرسي قرمزي باهت بذراعين. ركضت إلين في أنحاء الغرفة كطفل صغير راكلة عقبيها ومصفقة بيديها. ورتبت بشفتين زامتين ورأس مائل مساحيقها التجميلية فوق المنضدة. ثم علقت ثياب نومها فوق كرسي وخلعت ملابسها، فلمحت نفسها في المرآة تقف عارية تنظر إلى نفسها ويداها فوق ثدييها الصغيرين المشدودين كتفاحتين.
ارتدت ثياب نومها وتوجهت ناحية الهاتف. «رجاء أرسلوا لي إناء من الشوكولاتة والأرغفة إلى غرفة 108 ... في أقرب وقت ممكن إذا سمحتم.» ثم خلدت إلى الفراش. استلقت تضحك وساقاها ممددتان ومتباعدتان في أغطية الفراش الناعمة الباردة.
كانت دبابيس الشعر تخزها في رأسها. فاعتدلت جالسة وخلعتها وهزت لفائف شعرها الثقيلة مسدلة إياها حول كتفيها. سحبت ركبتيها لأعلى إلى ذقنها وجلست تفكر. كان بإمكانها أن تسمع قعقعة شاحنة من حين لآخر آتية من الشارع . وشرع صوت دوي في الانبعاث من المطابخ أسفل غرفتها. من كل مكان حولها أتت قعقعة متزايدة تنبئ ببداية مروعة. شعرت بالجوع والوحدة. كان السرير كقارب هجرت فوقه وحيدة، وحيدة دائما، طافية فوق محيط ممتد. انتابت رجفة عمودها الفقري. فسحبت ركبتيها لأعلى أقرب إلى ذقنها.
Unknown page