مسح الآخر أنفه بقبضة يده مفكرا ثم زفر بصافرة طويلة. قال: «إنك لرجل حكيم يا إميل.» «ولكن يا كونغو، لم لا تأتي أنت أيضا؟ بالطبع لا تريد أن تمسح النفايات في مطبخ سفينة نتنة طوال حياتك.»
تقلب كونغو وجلس متربعا، وهو يحك رأسه الذي كان مليئا بالشعر الأسود المجعد . «أتعلم تكلفة قضاء ليلة مع امرأة في نيويورك؟» «لا أعلم، أظن أنها باهظة ... لن أذهب إلى اليابسة لإثارة الفوضى، بل سأحصل على وظيفة جيدة وأعمل. ألا تفكر في شيء سوى النساء؟»
قال كونغو وهو يستلقي على سطح السفينة مرة أخرى، دافنا وجهه الأسود الملطخ بالسخام بين ذراعيه المطويتين: «ما الفائدة؟ لم لا؟» «أريد أن أذهب إلى مكان آخر في العالم، ذلك ما أعنيه. فأوروبا قد فسدت وتعفنت. ولكن في أمريكا يمكن للمرء أن يتقدم. محل الميلاد لا يهم، التعليم لا يهم. الجميع يتقدم.» «ولكن لو كانت هناك امرأة شابة جذابة ولطيفة معنا الآن حيث سطح السفينة الدافئ، ألن ترغب في مداعبتها؟» «بعدما نصبح أغنياء، سنحظى بالكثير، الكثير من كل شيء.» «وهل ليس لديهم أي خدمة عسكرية؟» «لم عساهم أن تكون لديهم؟ إن المال هو ما يسعون وراءه. فهم لا يرغبون في قتال الناس، وإنما في التجارة معهم.»
لم يرد كونغو.
استلقى خادم المركب على ظهره ناظرا إلى السحب. لقد تدفقت من الغرب في صروح متراكمة ضخمة يسطع ضوء الشمس من بينها، مشرقة وبيضاء كرقائق القصدير. كان يمشي عبر شوارع ذات مبان بيضاء وطويلة وفوق بعضها، متبخترا في سترة مشقوقة الذيل وياقة بيضاء طويلة، ثم صعد فوق درج من القصدير، عريض، وممسوح ونظيف، عبر بوابات زرقاء، دلف إلى داخل قاعات من الرخام المخطط حيث صوت حفيف وخشخشة نقود من أوراق، وفضة، وذهب على طاولات قصديرية طويلة.
بالفرنسية: «تبا لقد حان الوقت.» وصل إلى آذانهما خافتا صوت ضربات الجرس المزدوجة في عش المراقبة. «ولكن لا تنس يا كونغو أنه في الليلة الأولى التي وصلنا فيها اليابسة ...» ثم طقطق بشفتيه. «لقد رحلنا.» «كنت نائما. وحلمت بفتاة شقراء شابة. كنت سأحظى بها لولا أن أيقظتني.» نهض خادم السفينة على قدميه ناعرا، ووقف لبرهة ناظرا جهة الغرب حيث تنتهي الأمواج في خط متعرج حاد أمام سماء صلبة ومباغتة كالنيكل. ثم دفع بوجه كونغو لأسفل أمام سطح السفينة وركض إلى مؤخرتها، خافقة قدماه في قبقابه الخشبي وهو يمضي. •••
بالخارج، كان أحد أيام السبت الحارة من شهر يونيو يجرجر أشلاءه في شارع 110. استلقت سوزي تاتشر مضطربة في السرير، ويداها مبسوطتان في زرقة ونحول فوق غطاء السرير أمامها. تراءت إليها أصوات عبر جدار الغرفة الرفيع. كانت فتاة شابة تصيح بصوت به خنف: «قلت لك يا أمي لن أعود إليه.»
ثم أدركت صوتا رصينا لامرأة يهودية عجوز تجادل قائلة: «ولكن الحياة الزوجية يا روزي ليست كلها متعة ومرحا. يجب على الزوجة أن تطيع زوجها وأن تعمل على راحته.» «لن أفعل ذلك. لا يمكنني التحمل. لن أعود لذلك الحيوان القذر.»
اعتدلت سوزي في سريرها، ولكنها لم تستطع سماع ما قالته المرأة العجوز بعد ذلك.
صرخت الفتاة فجأة: «ولكنني لم أعد يهودية. هذه ليست روسيا، إنها نيويورك الودود. وللفتيات حقوق هنا.» ثم صفع باب وساد الصمت.
Unknown page