AUTO ### || AUTO التحذير من المعاونة على الفتنة
[مقدمة المؤلف]
بسم الله الرحمن الرحيم
[وبه أستعين وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وآله]
الحمد لله الذي جعل الكتاب هدى للمتقين، وشفاء لصدور المؤمنين، ودامغا لباطل المبطلين، فمن تمسك بحبله عصم، ومن خالفه قصم، ومن قال به صدق، ومن حرفه مرق، ومن التمس الهدى فيه وفي موافقته من السنة اهتدى، ومن طلبه في غيرهما ضل وغوى.
والصلاة والسلام على محمد الأمين وعلى آله الأكرمين وعلى أصحابهم المتقين، وأشياعهم الصالحين إلى يوم الدين.
أما بعد:
فإنه لما وقع النكير على من حذر من المعاونة على الفتنة، بقول كالحث على إحياء أرض الظالمين، أو مال كتسليم ما يعسكرون به العساكر، ويحصنون به الحصون، ويضطهدون بسنة الآمرين بالمعروف، ويضيمون لأجله الناهين عن المنكر، ويخيفون من أوجب الله أمانه، ويؤمنون به من أوجب الله تخويفه، ويتقوون به على سفك الدماء، وينكحون به الذكور، ويشربون به الخمور، ويلبسون به الحرير، إلى غير ذلك مما لا أحصي له من المحظور، وإثارة الشرور.
وعلمت أن الله سبحانه لا يعذر عن تبيين الحق، قال تعالى: {إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات من بعد ما بيناه للناس في الكتاب أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون}[البقرة:159] وغيرها مما يؤدي هذا المعنى من الآيات.
وقال صلى الله عليه وآله وسلم: ((من كتم علما مما ينفع الله به في أمر الدين ألجمه الله يوم القيامة بلجام من نار)) وغيره مما يؤدي هذا المعنى من الأخبار.
Page 299
جمعت في هذا الكتاب من الأدلة وأقوال الأئمة -"- ما يشتد به إن شاء الله ظهور المؤمنين، ويرغم به أنوف المبطلين، ولا عدوان إلا على الظالمين {إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب}[هود:88].
Page 300
AUTO [الأدلة على تحريم معاونة الظالمين]
| AUTO [الأدلة على تحريم معاونة الظالمين]
أما الأدلة، فقال تعالى: {ولا تعاونوا على الإثم والعدوان}[المائدة:2].
وقال صلى الله عليه وآله وسلم: ((إن المعين للظالمين كالمعين لفرعون على موسى))، رواه الهادي عليه السلام في (الأحكام) .
وعن أبي جعفر محمد الباقر بن علي عليه السلام أنه كان يروي ويقول: ((إذا كان يوم القيامة جعل سرادق من نار، وجعل فيه أعوان الظلمة، وجعل لهم أظافير من حديد يحكون بها[أبدانهم] حتى تبدو أفئدتهم فتحترق، فيقولون: ربنا، ألم نكن نعبدك؟ فيقول: ((بلى، ولكنكم كنتم أعوانا للظالمين))، رواه الهادي عليه السلام في (الأحكام) أيضا، وهو في (الشفاء).
وقال صلى الله عليه وعلى آله وسلم في حديث طويل: ((أمراء يكونون من بعدي لا يهتدون بهديي، ولا يستنون بسنتي، فمن صدقهم بكذبهم وأعانهم على ظلمهم، فأولئك ليسوا مني، ولست منهم، ولا يردون على حوضي)) ، الخبر، رواه أبو طالب عليه السلام في (الأمالي).
وروى حديثا نحوه من طريق أخرى.
وبالجملة من طالع كتب الحديث وجد ذلك متواترا معنى، بل ذلك معلوم من الدين ضرورة، وإنما أوردت ذلك؛ لما في ذكره من الموعظة والتخويف، وقد قيل: إن تسليم الأموال إليهم وما ضاها ذلك لا يكون معاونة لهم إلا مع قصد كونه معاونة.
Page 301
AUTO [شبهة القائلين بجواز ذلك والرد عليهم]
| AUTO [شبهة القائلين بجواز ذلك والرد عليهم]
وشبهتهم في ذلك أن قالوا: إنما هو مجرد تمكين، ومجرد التمكين لا يقبح، كتمكين الله تعالى للعصاة من الأموال وغيرها، ثم لايسمى مجرد التمكين من غير قصد معاونة، وإلا لزم أن يسمى الله تعالى معينا على الظلم والله تعالى منزه عن ذلك، فما كان من المكلف من التسليم إليهم من غير قصد لا تناوله تلك الأدلة، وذلك باطل؛ لأن تمكين الله تعالى للعصاة إنما كان ليصح التكليف، وتثبت الطاعة للمطيع والمعصية للعاصي، إذ لو لم يمكنهم لم يكن المطيع مطيعا، ولا العاصي عاصيا، ولا استحق ثواب ولا عقاب، ألا ترى أنه تعالى مكنهم من المعاصي! ولم يكن ذلك قبيحا منه تعالى لما كان لا يصح التكليف إلا به، ولم يجز للمكلف أن يمكن العاصي من المعصية لما كان مكلفا بالذب عن دين الله سبحانه وتعالى.
ياسبحان الله فلم لم يجعلوا ذلك كتمكين المكلف للعاصي من المعاصي! كأن يمكنه من الخمر فيشربه، أو من الزنى فيفعله، أو من نفس محرمة فيقتلها، وينظروا هل يحل ذلك! لأن القياس بهذا أولى؛ لأنه من قياس بعض أحكام التكليف على بعض.
هذا إن زعموا أن تسليم الأموال إليهم ليس من نفس التمكين من المعصية، وإلا فهو من صميمه لا ينكره إلا ألد مكابر؛ لأن إنفاق المال في المعاصي معصية إجماعا، وهؤلاء قد مكنوهم من ذلك.
Page 302
AUTO [تفنيد شبهة القائلين بجواز ذلك]
| AUTO [تفنيد شبهة القائلين بجواز ذلك]
وأما قولهم: لا يسمى مجرد التمكين من غير قصد معاونة فباطل أيضا؛ لأنه خلاف المعلوم من لغة العرب، ألا ترى أنهم لايشترطون في تسمية الأفعال أن تكون مقصودة! وإنما يقولون: تحرك النائم، وجرى المآء، وهبت الريح وهي لا قصد لها! والكتاب والسنة إنما جريا على لغة العرب.
Page 303