213

ثم عد تعالى نعمة أخرى عليهم فقال: (وإذ استسقى موسى لقومه) يعني طلب موسى الماء لقومه، روي أنهم عطشوا، فشكوا إلى موسى، فاستسقى لهم، واختلفوا متى كان؟ فقيل: في التيه، عن أبي علي وجماعة، وقيل: لم يكن في التيه، عن أبي مسلم فقلنا اضرب يعني أوحينا إليه أن اضرب بعصاك قيل: هو عصاه المعروف، وكان من آس الجنة، دفعه إليه شعيب، وبه ضرب البحر وهو صار ثعبانا عند إلقائه، الحجر: قيل: كان يقرع حجرا بعينه من عرض الحجارة فينفجر منه الماء عيونا لكل سبط عين، وقيل: كان حجرا بعينه يدل عليه الألف واللام؛ لأنه للعهد لا للجنس، كقوله: لقيت الرجل، وقيل: كان حجرا خفيفا إذا رحلوا حمل في مخلاة، وإذا نزل ضربه بعصاه فانفجر الماء منه، عن ابن عباس، وقيل: كان حجرا فيه اثنتا عشرة حفرة يخرج من كل حفرة عينا، عن أبي [روق] فانفجرت يعني ضرب فانفجرت، قيل: كان يضرب عليه العصا، وقيل: كان يضع عليه فانفجرت، أي انشقت.

ويقال: كيف قيل ههنا: انفجرت، وهو خروج الماء بكثرة، وفي الأعراف انبجست وهو خروجه قليلا قليلا؟

قلنا: كان ابتداؤه انبجاسا، ثم انفجارا، وقيل: كان ينفجر عند الحاجة، وينبجس عند الحاجة، وقيل: كان ينبجس عند الحمل، وينفجر عند الوضع.

ومتى قيل: من أين يجتمع ذلك الماء الكثير في ذلك الحجر الصغير؟

قلنا: كان الله يخلقه ابتداء، معجزة لموسى، ونعمة عليهم، ولا يجوز أن تكون الأجسام الكبيرة مستكنة في جسم صغير، ومن علم أنه تعالى قادر لذاته لا يتعجب من مثل هذا، وإنما يتعجب الملحدة الذين لم يعرفوا الله حق معرفته منه يعني من الحجر (اثنتا عشرة عينا) يعني انشق الحجر فخرج اثنتا عشرة عينا من الماء، لكل سبط من أسباطهم عين، كيلا تقع مزاحمة (قد علم كل أناس مشربهم) يعني علم كل سبط وفرقة موضع شربهم (كلوا واشربوا) يعني قلنا لهم، وهذا كلام مبتدأ (من رزق الله)

من عطائه، والرزق ماله أن ينتفع به وليس لأحد منعه (ولا تعثوا في الأرض مفسدين)

يعني لا تفسدوا بأكل رزق غيركم قهرا وغصبا، وجمع بين العيث والفساد تأكيدا، وقيل: لأن الفساد أعم من العيث؛ لأنه يتعلق بالمال وغيره.

* * *

(الأحكام)

الآية تدل على معجزة عظيمة لموسى (عليه السلام) من حيث كان ضرب حجرا فانفجرت منه عيون، وإذا ضربه ثانيا أمسك.

وتدل على نعمة عظيمة على بني إسرائيل.

وتدل على أن الرزق هو الحلال؛ لذلك أطلق الأمر بأكله.

وتدل على النهي عن الفساد.

Page 404