﴿وَلَكِن لَا تواعدوهن سرا إِلَّا أَن تَقولُوا قولا مَعْرُوفا وَلَا تعزموا عقدَة النِّكَاح حَتَّى يبلغ الْكتاب أَجله وَاعْلَمُوا أَن الله يعلم مَا فِي أَنفسكُم فَاحْذَرُوهُ وَاعْلَمُوا أَن الله﴾
وَقيل: إِن ذَلِك يجوز مَعَ الْوَلِيّ بِأَن يَقُول لَهُ: لَا تسبقني بِالنِّكَاحِ وَنَحْو ذَلِك.
وَإِنَّمَا لَا يجوز التَّصْرِيح مَعهَا. وَالدَّلِيل على جَوَاز التَّعْرِيض بِالْخطْبَةِ: مَا روى أَن سكينَة بنت حَنْظَلَة تأيمت عَن زَوجهَا، فَدخل عَلَيْهَا أَبُو جَعْفَر مُحَمَّد بن عَليّ الباقر، وَقَالَ: تعلمين قَرَابَتي من رَسُول الله، وَقَرَابَتِي من عَليّ، وحقي فِي الْإِسْلَام، وشرفي فِي الْعَرَب. فَقَالَ سكينَة: أَتَخْطُبُنِي وَأَنا مُعْتَدَّة وَأَنت أَنْت يَعْنِي: مِنْك يُؤْخَذ الْعلم؟ ! فَقَالَ: مَا خطبتك، وَلَكِن ذكرت منزلتي.
ثمَّ روى " أَن رَسُول الله دخل على أم سَلمَة وَكَانَت فِي عدَّة زَوجهَا أبي سَلمَة، فَذكر ﵇ كرامته على الله، ومنزلته عِنْد الله، وَكَانَ يذكر من ذَلِك ويعتمد على يَدَيْهِ حَتَّى أثر الْحَصِير فِي يَدَيْهِ ". فَهَذَا كُله من التَّعْرِيض بِالْخطْبَةِ، وَدلّ الحَدِيث على جَوَازه.
وَقَوله تَعَالَى: ﴿أَو أكننتم فِي أَنفسكُم﴾ أَي: أضمرتم فِي أَنفسكُم أَمر النِّكَاح ﴿علم الله أَنكُمْ ستذكرونهن﴾ يَعْنِي: فِي أَنفسكُم. ﴿وَلَكِن لَا تواعدوهن سرا إِلَّا أَن تَقولُوا قولا مَعْرُوفا﴾ فِي معنى هَذَا السِّرّ أَقْوَال، أَصَحهَا: أَنه أَخذ مِيثَاق النِّكَاح مِمَّا، نهى الشَّرْع عَنهُ فِي حَال الْعدة.
وَقيل: السِّرّ: الزِّنَا. وَقيل: هُوَ الْوَطْء. قَالَ امْرُؤ الْقَيْس:
(أَلا زعمت بسباسة الْيَوْم أنني ... كَبرت وَأَن لَا يحسن السِّرّ أمثالي)
يَعْنِي: الْجِمَاع. قَالَ الشَّافِعِي قَوْله: ﴿لَا تواعدهن سرا﴾ هُوَ أَن يصف نَفسه بِكَثْرَة الْجِمَاع؛ ليرغبها فِي نِكَاحه.
وَقَوله تَعَالَى: ﴿إِلَّا أَن تَقولُوا قولا مَعْرُوفا﴾ هُوَ مَا ذكرنَا من التَّعْرِيض الْمُبَاح.
قَوْله: ﴿وَلَا تعزموا عقدَة النِّكَاح﴾ أَي: لَا تحققوا الْعَزْم على عقد النِّكَاح فِي الْعدة ﴿حَتَّى يبلغ الْكتاب أَجله﴾ أَي: فرض الْكتاب؛ لِأَن الْعدة من فرض الْكتاب.
﴿وَاعْلَمُوا أَن الله يعلم مَا فِي أَنفسكُم فَاحْذَرُوهُ﴾ هَذَا فِي التحذير عَمَّا نَهَاهُم عَنهُ. ﴿وَاعْلَمُوا أَن الله غَفُور حَلِيم﴾ .