400

و { خآئنة } صفة لمحذوف قديره على نفوس خائنة وقد يراد بالخائنة المصدر جاء على فاعلة كأنه قال: تطلع على خيانة ثم استثنى بقوله: { إلا قليلا } ، كمن أسلم مثل عبد الله بن سلام وغيره ثم أمر نبيه عليه السلام بالعفو عنهم والصفح وإن ذلك من الإحسان إليهم، فقال: { إن الله يحب المحسنين } ثم ذكر تعالى أخذ الميثاق على النصارى والميثاق المأخوذ عليهم هو الإيمان بالله وبمحمد صلى الله عليه وسلم إذا كان ذكره موجودا في كتبهم كما قال:

الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل

[الأعراف: 157].

قال الزمخشري: فإن قلت: فهلا قيل ومن النصارى. قلت: لأنهم إنما سموا أنفسهم بذلك ادعاء لنصرة الله وهم الذين قالوا لعيسى نحن أنصار الله ثم اختلفوا بعد نسطورية ويعقوبية وملكانية. " انتهى ". قد تقدم في أوائل البقرة أنه قيل: سموا نصارى لأنهم من قرية بالشام تسمى ناصرة وقوله: وهم الذين قالوا لعيسى: نحن أنصار الله القائل لذلك هم الحواريون وهم عند الزمخشري كفار وقد أوضح ذلك على زعمه في آخر هذه السورة وهم عند غيره مؤمنون ولم يختلفوا هم إنما اختلف من جاء بعدهم ممن يدعي تبعيتهم.

{ فأغرينا بينهم العداوة والبغضآء } ظاهره أنه يعود على النصارى. وقيل: النصارى هم النسطورية واليعقوبية والملكية كل فرقة منهم تعادي الأخرى. وقيل: الضمير عائد على اليهود والنصارى أي بين اليهود والنصارى فإنهم أعداء يلعن بعضهم بعضا ويكفر بعضهم ببعض.

{ وسوف ينبئهم الله } هذا تهديد ووعيد بعذاب الآخرة إذ موجب ما صنعوا إنما هو الخلود في النار. { يا أهل الكتاب } الخطاب لليهود والنصارى. ورسولنا هو محمد صلى الله عليه وسلم. { مما كنتم تخفون من الكتاب } من صفة محمد صلى الله عليه وسلم ومن رجم الزناة وغير ذلك. { نور } هو القرآن إذ هو مزيل لظلمات الشرك والشك. { مبين } واضح الدلالة موضع طرق الإسلام.

[5.17-19]

{ لقد كفر الذين قآلوا } الآية، ذكر سبحانه وتعالى أن من النصارى من قال أن المسيح هو الله، ومنهم من قال: هو ابن الله، ومنهم من قال: هو ثالث ثلاثة. وتقدم أنهم ثلاث طوائف ملكانية ويعقوبية ونسطورية، وكل منهم يكفر بعضهم بعضا ومن بعض اعتقادات النصارى استنبط من تستر بالإسلام ظاهرا. وانتمي إلى الصوفية حلول الله تعالى في الصور الجميلة ومن ذهب في ملاحدتهم إلى القول بالاتحاد والوحدة كالحلاج والشوذي وابن أحلى وابن عربي المقيم بدمشق وابن الفارض، واتباع هؤلاء كابن سبعين وتلميذ التستري وابن مطرف المقيم بمرسية والصفار المقتول بغرناطة وابن لباج وابن الحسن المقيم كان بلوزقة وممن رأيناه يرمي بهذا المذهب الملعون العفيف التلمساني وله في ذلك أشعار كبيرة وابن عباس المالقي الأسود الأقطع المقيم كان بدمشق وعبد الواحد بن المؤخر المقيم كان بصعيد مصر والأيكي العجمي الذي كان تولى المشيخة بخانقاه سعيد السعداء بالقاهرة وأبو يعقوب بن مبشر تلميذ التستري المقيم كان بجارة زويلة بالقاهرة والشريف عبد العزيز المتوفي وتلميذه عبد الغفار القوصي، وإنما سردت أسماء هؤلاء نصحا لدين الله يعلم الله ذلك، وشفقة على ضعفاء المسلمين وليحذروا منهم أشد من الفلاسفة الذين يكذبون الله ورسوله ويقولون بقدم العالم وينكرون البعث وقد أولع جهلة من ينتمي للتصوف بتعظيم هؤلاء وادعائهم أنهم صفوة الله وأولياؤه والرد على النصارى والحلولية والقائلين بالوحدة هو من علم أصول الدين.

{ قل فمن يملك من الله شيئا } الآية، هذا رد عليهم. والفاء في { فمن يملك } للعطف على جملة محذوفة تضمنت كذبهم في مقالتهم، التقدير قل: كذبوا أو قل ليس كما قالوا فمن يملك والمعنى من يمنع من قدرة الله وإرادته شيئا أي لا أحد يمنع مما أراد الله شيئا وهذا الاستفهام معناه النفي.

و { إن أراد } شرط جوابه محذوف تقديره فعل ذلك. { ومن في الأرض } عام معطوف على ما قبله. وما قبله نص على المسيح وأمه وقد اندرجا في العموم فصارا مذكورين مرة في نص ومرة في العموم.

Unknown page