{ إن في خلق السموت والأرض } الآية روى عن ابن عباس أن قريشا قالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم: ادع لنا ربك يجعل لنا الصفا ذهبا، حين ذكرت اليهود والنصارى لهم بعض ما جاء به من المعجزات موسى وعيسى فنزلت هذه الآية.
{ ربنآ ما خلقت هذا باطلا } منصوب بحال محذوفة تقديره يقولون ربنا. والإشارة بقوله: هذا، إلى الخلق بمعنى المخلوق أو إلى السماوات والأرض بما فيهما من عجائب الصنعة وانتصب باطلا على أنه نعت لمصدر محذوف أي خلقا باطلا. قال بعضهم: هو منصوب على أنه مفعول ثان لخلق وهي بمعنى جعل التي تتعدى إلى مفعولين. " انتهى ". وهذا عكس المنقول في النحو وهو ان جعل تكون بمعنى خلق فتتعدى لواحد أما ان خلق تكون بمعنى جعل فتتعدى لاثنين فلا أعلم أحدا ممن له معرفة ذهب إلى ذلك.
{ فقد أخزيته } أي فضحته. من خزى الرجل يخزي خزيا. إذا افتضح، وخزاية إذا استحيا الفعل واحد. واختلف في المصدرين فمن الافتضاح خزي ومن الاستحياء خزاية ومن ذلك ولا تخزني في ضيفي أي لا تفضحوني.
[3.193-200]
{ ربنآ إننآ سمعنا } سمع تعدت هنا إلى واحد: وينادى: صفة له. وإن آمنوا: تفسيره التقدير أي آمنوا، وقيل: مصدرية على تقدير إسقاط حرف الجر تقديره بأن آمنوا وعطف فآمنا بالفاء مؤذن بتعجيل القبول وتسبيب الإيمان عن السماع من غير تراخ والمعنى فامنا بك أو بربنا.
و { الأبرار } جمع بار أو جمع بر. { على رسلك } أي على ألسنة رسلك. وانظر إلى حسن مجاورة هؤلاء الذاكرين المتفكرين فإنهم خاطبوا الله بلفظة ربنا وهي إشارة إلى أنه ربهم، وأصلحهم وهيأهم للعبادة، فأخبروا أولا بنتيجة الفكر وهو قولهم: ربنا ما خلقت هذا باطلا، ثم سألوه أن يقيهم النار بعد تنزيهه عن النقائص وأخبروا عن حال من يدخل النار وهم الظالمون الذين لا يذكرون الله ولا يتفكرون في مصنوعاته، ثم ذكروا أيضا ما أنتج لهم التفكر من إجابة الداعي إلى الإيمان إذ ذاك مترتب على أنه تعالى ما خلق هذا الخلق العجيب باطلا، ثم سألوه غفران ذنوبهم ووفاتهم على الإيمان الذي أخبروا به في قولهم: فآمنا، ثم سألوا الله الجنة وأن لا يفضحهم يوم القيامة وذلك هو غاية ما سألوه. وتكرر لفظ ربنا خمس مرات كل ذلك على سبيل الاستعطاف وتطلب رحمة الله بندائه بهذا الاسم الشريف الدال على التربية والملك والاصلاح ولذلك تكرر هذا الاسم في قصة آدم ونوح وغيرهما وفي تكرار ربنا ربنا دلالة على جواز الإلحاح في المسألة واعتماد كثرة الطلب من الله سبحانه وتعالى. وفي الحديث ألظوا بيا ذا الجلال والإكرام. وقال الحسن: ما زالوا يقولون ربنا ربنا حتى استجاب لهم.
{ فاستجاب لهم ربهم } استجاب بمعنى أجاب تقدم الكلام عليه في البقرة عند قوله:
فليستجيبوا لي
[الآية: 186] ولما كان تقدم قولهم: ربنا ربنا، جاء هنا ربهم ولم يأت اسم غيره ليكون المدعو هو المستجيب لهم.
{ أني لا أضيع } أي باني لا أضيع. وقرىء بأني بالباء. وقرىء اني بكسر الهمزة على إضمار القول كأنه قائلا: اني على مذهب البصريين أو على تضمين استجاب معنى قال على مذهب الكوفيين. وقرىء أضيع مضارع أضاع. وقرىء أضيع مضارع ضيع. ومنكم في موضع الصفة لعامل ومن ذكر بدل من الضمير بدل بعض من كل. وقوله: أو أنثى معطوف عليه ولا يجوز أن يكون بدلا تفصيليا لوجود أو لأنه لا يعطف فيه إلا بالواو. وكقول الشاعر:
Unknown page