لِعَدُوّكُمْ" [١٠٣٢]، وصَامَ هُو، فَلَمَّا عَلِمُوا بِصِيَامهِ صَامُوا، فَشَقَّ عَلَيْهِم الصَّوْمُ وجَهَدَهُم ذَلِكَ، فَلَمَّا عَلاَ على الكَدِيدِ، والكَدِيدُ العَقَبَةُ المُطِلَّةُ على الجُحْفَةِ، ونَظَرَ النَّاسُ إليه دَعَا بِمَاءٍ، فَاأَفْطَرَ وأَفْطَرَ النَّاسُ بِفِطْرِه.
[قَالَ أَبو المُطَرِّفِ]: ليسَ في هذَا الحَدِيثِ حُجَّةٌ لِمَنْ بَيَّتَ الصِّيَامَ في السَّفَرِ ثُمَّ أَفْطَرَ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَة، وذَلِكَ أَنَّ النبيَّ ﷺ لم يكنْ قَصْدُهُ إلى الفِطْرِ اخْتِيَارًا منهُ لِذَلِكَ، وإنَّما أَفْطَرَ اتِّقَاءً على النَّاسِ ورِفْقًا بِهم.
وحُجَّةُ ابنِ القَاسِمِ التِّي ذَكَرَها عنهُ سُحْنُونُ في المُدَوَّنَةِ في هذِه المَسْأَلةِ أَصَحُّ مِنْ حُجَّةِ أَشْهَبَ (١).
[قَالَ أَبو المُطَرّفِ]: (كانَ ابنُ عُمَرَ لا يَصُومُ في السَّفَرِ) [١٠٣٥]، يَأْخُذُ في ذَلِكَ بِرُخْصَةِ اللهِ للمُسَافِرِ في الفِطْرِ، واسْتَحَبَّ مَالِكٌ الصَّوْمَ للمُسَافِرِ إذا لم يَشُقَّ الصَّوْمُ عليهِ.
[قَالَ أَبو المُطَرِّفِ]: وقَوْلُ أَنَسٍ: (سَافَرَنا مَعَ رَسُولِ اللهِ ﷺ في رَمَضَانَ، فَلَمْ يُعِبِ الصَّائِمِ على المُفْطِرِ، ولَا المُفْطِرُ علَى الصَّائِمِ) [١٠٣٣]، هكَذا رَوَاهُ مَالِكٌ.
قالَ أَحْمَدُ بنُ خَالِدٍ: غَيْرُ مَالِكٍ يَقُولُ في هذَا الحَدِيثِ عَنْ أَنسٍ: (سَافَرْنَا مَعَ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ ﷺ) (٢)، قالَ أَحْمَدُ: وهذَا هُوَ المَعْرُوفُ عَنْ أَنسَ بنِ مَالِكٍ في هذَا الحَدِيثِ (٣).
وَروَى أَبو نَضْرَةَ، عَنْ جَابِرِ بنِ عبدِ اللهِ قالَ: (كُنَّا نُسَافِرُ مَعَ رَسُولِ اللهِ ﷺ)،
(١) ينظر: المدونة ٢/ ٢٤، باب الصيام في السفر.
(٢) رواه البيهقي في السنن ٣/ ١٤٥، ورواه البخاري (١٨٤٥)، ومسلم (١١١٨) وغيره بمثل رواية مالك.
(٣) هذا هو قول محمد بن وضاح، ورد ابن عبد البر في التمهيد ٢/ ١٦٩، فقال: هذا عندي قلّة اتساع في علم الأثر، وقد تابع مالكا جماعة من الحفاظ ... كلهم رووه عن حميد عن أنس بمعنى حديث مالك (سافرنا مع رسول الله ﷺ سواء) ... إلخ.