Tafsir Mizan
تفسير الميزان - العلامة الطباطبائي
2 سورة البقرة - 172 - 176
يأيها الذين ءامنوا كلوا من طيبت ما رزقنكم واشكروا لله إن كنتم إياه تعبدون (172) إنما حرم عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل به لغير الله فمن اضطر غير باغ ولا عاد فلا إثم عليه إن الله غفور رحيم (173) إن الذين يكتمون ما أنزل الله من الكتب ويشترون به ثمنا قليلا أولئك ما يأكلون فى بطونهم إلا النار ولا يكلمهم الله يوم القيمة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم (174) أولئك الذين اشتروا الضللة بالهدى والعذاب بالمغفرة فما أصبرهم على النار (175) ذلك بأن الله نزل الكتب بالحق وإن الذين اختلفوا فى الكتب لفى شقاق بعيد (176)
بيان
قوله تعالى: يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم، خطاب خاص بالمؤمنين بعد الخطاب السابق للناس فهو من قبيل انتزاع الخطاب من الخطاب، كأنه انصراف عن خطاب جماعة ممن لا يقبل النصح ولا يصغي إلى القول، والتفات إلى من يستجيب الداعي لإيمانه به، والتفاوت الموجود بين الخطابين ناش من تفاوت المخاطبين، فإن المؤمنين بالله لما كان يتوقع منهم القبول بدل قوله: ما في الأرض حلالا طيبا من قوله: طيبات ما رزقناكم، وكان ذلك وسيلة إلى أن يطلب منهم الشكر لله وحده لكونهم موحدين لا يعبدون إلا الله سبحانه، ولذلك بعينه قيل: ما رزقناكم ولم يقل: ما رزقتم أو ما في الأرض ونحوه، لما فيه من الإيماء أو الدلالة على كونه تعالى معروفا لهم قريبا منهم حنينا رءوفا بهم، والظاهر أن يكون قوله: من طيبات ما رزقناكم، من قبيل إضافة الصفة إلى الموصوف لا من قبيل قيام الصفة مقام الموصوف فإن المعنى على الأول كلوا من رزقنا الذي كله طيب، وهو المناسب لمعنى التقرب والتحنن الذي يلوح من المقام، والمعنى على الثاني كلوا من طيب الرزق لا من خبيثه، وهو بعيد المناسبة عن المقام الذي هو مقام رفع الحظر، والنهي عن الامتناع عن بعض ما رزقهم الله سبحانه تشريعا من عند أنفسهم وقولا بغير علم.
قوله تعالى: واشكروا لله إن كنتم إياه تعبدون، لم يقل واشكروا لنا بل اشكروا لله ليكون أدل على الأمر بالتوحيد ولذلك أيضا قيل: إن كنتم إياه تعبدون فدل على الحصر والقصر ولم يقل إن كنتم تعبدونه.
قوله تعالى: إنما حرم عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل به لغير الله، الإهلال لغير الله هو الذبح لغيره كالأصنام.
قوله تعالى: فمن اضطر غير باغ ولا عاد، أي غير ظالم ولا متجاوز حده، وهما حالان عاملهما الاضطرار فيكون المعنى فمن اضطر إلى أكل شيء مما ذكر من المنهيات اضطرارا في حال عدم بغيه وعدم عدوه فلا ذنب له في الأكل، وأما لو اضطر في حال البغي والعدو كأن يكونا هما الموجبين للاضطرار فلا يجوز له ذلك، وقوله تعالى: إن الله غفور رحيم، دليل على أن التجوز تخفيف ورخصة منه تعالى للمؤمنين وإلا فمناط النهي موجود في صورة الاضطرار أيضا.
قوله تعالى: إن الذين يكتمون ما أنزل الله من الكتاب، تعريض لأهل الكتاب إذ عندهم شيء كثير من المحللات الطيبة التي حرمها كبراؤهم ورؤساؤهم في العبادات وغيرها - وعندهم الكتاب الذي لا يقضي فيه بالتحريم - ولم يكتموا ما كتموه إلا حفظا لما يدر عليهم من رزق الرئاسة وأبهة المقام والجاه والمال.
وفي الآية من الدلالة على تجسم الأعمال وتحقق نتائجها ما لا يخفى فإنه تعالى ذكر أولا أن اختيارهم الثمن القليل على ما أنزل الله هو أكل النار في بطونهم ثم بدل اختيار الكتمان وأخذ الثمن على بيان ما أنزل الله في الآية التالية من اختيار الضلالة على الهدى ثم من اختيار العذاب على المغفرة ثم ختمها بقوله: فما أصبرهم على النار، والذي كان منهم ظاهرا هو الإدامة للكتمان والبقاء عليها فافهم.
Page 247