228

Tafsir Mizan

تفسير الميزان - العلامة الطباطبائي

وبالجملة فقوله: وإلهكم إله واحد، تفيد بجملته اختصاص الألوهية بالله عز اسمه، ووحدته فيها وحدة تليق بساحة قدسه تبارك وتعالى، وذلك أن لفظ الواحد بحسب المتفاهم عند هؤلاء المخاطبين لا يدل على أزيد من مفهوم الوحدة العامة التي تقبل الانطباق على أنواع مختلفة لا يليق بالله سبحانه إلا بعضها فهناك وحدة عددية ووحدة نوعية ووحدة جنسية وغير ذلك، فيذهب وهم كل من المخاطبين إلى ما يعتقده ويراه من المعنى، ولو كان قيل: والله إله واحد، لم يكن فيه توحيد لأن أرباب الشرك يرون أنه تعالى إله واحد، كما أن كل واحد من آلهتهم إله واحد، ولو كان قيل: وإلهكم واحد لم يكن فيه نص على التوحيد، لإمكان أن يذهب الوهم إلى أنه واحد في النوع، وهو الألوهية، نظير ما يقال في تعداد أنواع الحيوان: الفرس واحد، والبغل واحد، مع كون كل منهما متعددا في العدد، لكن لما قيل: وإلهكم إله واحد فأثبت معنى إله واحد - وهو في مقابل إلهين اثنين وآلهة كثيرة - على قوله: إلهكم كان نصا في التوحيد بقصر أصل الألوهية على واحد من الآلهة التي اعتقدوا بها.

قوله تعالى: لا إله إلا هو، جيء به لتأكيد نصوصية الجملة السابقة في التوحيد ونفي كل توهم أو تأويل يمكن أن يتعلق بها، والنفي فيه نفي الجنس، والمراد بالإله ما يصدق عليه الإله حقيقة وواقعا، وحينئذ فيصح أن يكون الخبر المحذوف هو موجود أو كائن، أو نحوهما، والتقدير لا إله بالحقيقة والحق بموجود، وحيث كان لفظة الجلالة مرفوعا لا منصوبا فلفظ إلا ليس للاستثناء، بل وصف بمعنى غير ، والمعنى لا إله غير الله بموجود.

فقد تبين أن الجملة أعني قوله: لا إله إلا هو، مسوقة لنفي غير الله من الآلهة الموهومة المتخيلة لا لنفي غير الله وإثبات وجود الله سبحانه، كما توهمه كثيرون، ويشهد بذلك أن المقام إنما يحتاج إلى النفي فقط، ليكون تثبيتا لوحدته في الألوهية لا الإثبات والنفي معا، على أن القرآن الشريف يعد أصل وجوده تبارك وتعالى بديهيا لا يتوقف في التصديق العقلي به، وإنما يعني عنايته بإثبات الصفات، كالوحدة، والفاطرية، والعلم، والقدرة، وغير ذلك.

وربما يستشكل تقدير الخبر لفظ الموجود أو ما بمعناه أنه يثبت نفي وجود إله غير الله لا نفي إمكانه، فيجاب عنه بأنه لا معنى لفرض موجود ممكن مساوي الوجود والعدم ينتهي إليه وجود جميع الموجودات بالفعل وجميع شئونها، وربما يجاب عنه بتقدير حق، والمعنى لا معبود حق إلا هو.

قوله تعالى: الرحمن الرحيم، قد مر الكلام في معناهما في تفسير البسملة من سورة الفاتحة وبذكر الاسمين يتم معنى الربوبية، فإليه تعالى ينتهي كل عطية عامة، بمقتضى رحمانيته، وكل عطية خاصة واقعة في طريق الهداية والسعادة الأخروية بمقتضى رحيميته.

قوله تعالى: إن في خلق السموات والأرض إلى آخر الآية، السياق كما مر في أول البيان يدل على أن الآية مسوقة للدلالة والبرهنة على ما تضمنته الآية السابقة أعني قوله تعالى: وإلهكم إله واحد لا إله إلا هو الرحمن الرحيم الآية، فإن الآية تنحل بحسب المعنى إلى أن لكل شيء من هذه الأشياء إلها، وأن إله الجميع واحد وأن هذا الإله الواحد هو إلهكم، وأنه رحمن مفيض للرحمة العامة، وأنه رحيم يسوق إلى سعادة الغاية وهي سعادة الآخرة فهذه - حقائق حقة و، في خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار إلى آخر ما ذكر في الآية آيات دالة عليها عند قوم يعقلون.

ولو كان المراد إقامة الحجة على وجود إله الإنسان أو أن إله الإنسان واحد لما كان الجميع إلا آية واحدة دالة على ذلك من طريق اتصال التدبير، ولكان حق الكلام في الآية السابقة أن يقال: وإلهكم واحد لا إله إلا هو، فالآية مسوق للدلالة على الحجة على وجود الإله وعلى وحدته بمعنى أن إله غير الإنسان من النظام الكبير واحد وأن ذلك بعينه إله الإنسان.

وإجمال الدلالة أن هذه السماوات التي قد علتنا وأظلتنا على ما فيها من بدائع الخلقة، والأرض التي قد أقلتنا وحملتنا مع عجيب أمرها وسائر ما فيها من غرائب التحولات والتقلبات كاختلاف الليل والنهار، والفلك الجارية، والأمطار النازلة، والرياح المصرفة، والسحب المسخرة أمور مفتقرة في نفسها إلى صانع موجد، فلكل منها إله موجد وهذا هو الحجة الأولى.

Page 229