191

Tafsir Mizan

تفسير الميزان - العلامة الطباطبائي

وهذا الكلام وإن كان بظاهره وجيها لكنه خال عن التدبر، فإن ظاهر الآيات لا يساعد عليه، إذ الدال على وعد إتمام النعمة في هذه الآية: ولأتم نعمتي عليكم ولعلكم تهتدون، الآية إنما هو لام الغاية، وآية سورة الفتح التي أخذها إنجازا لهذا الوعد ومصداقا لهذه البشارة أعني قوله تعالى: ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر ويتم نعمته عليك ويهديك صراطا مستقيما، مشتملة على هذه اللام بعينها، فالآيتان جميعا مشتملتان على الوعد الجميل بإتمام النعمة، على أن آية الحج مشتملة على وعد إتمام النعمة لجميع المسلمين، وآية الفتح على ذلك لرسول الله خاصة فالسياق في الآيتين مختلف.

ولو كان هناك آية تحكي عن إنجاز الوعد الذي تشتمل عليه الآيتان لكان هو قوله تعالى "اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا": المائدة - 4، وسيجيء الكلام في معنى النعمة وتشخيص هذه النعمة التي يمتن بها الله سبحانه في الآية.

ونظير هاتين الآيتين في الاشتمال على عدة إتمام النعمة قوله تعالى "ولكن يريد ليطهركم وليتم نعمته عليكم لعلكم تشكرون": المائدة - 6، وقوله تعالى "كذلك يتم نعمته عليكم لعلكم تسلمون": النحل - 81، وسيجيء إن شاء الله شيء من الكلام المناسب لهذا المقام في ذيل هذه الآيات.

قوله تعالى: كما أرسلنا فيكم رسولا منكم، ظاهر الآية أن الكاف للتشبيه وما مصدرية، فالمعنى: أنعمنا عليكم بأن جعلنا لكم البيت الذي بناه إبراهيم، ودعا له بما دعا من الخيرات والبركات قبلة كما أرسلنا فيكم رسولا منكم يتلوا عليكم آياتنا ويعلمكم الكتاب والحكمة ويزكيكم مستجيبين لدعوة إبراهيم، إذ قال هو وابنه إسماعيل ربنا وابعث فيهم رسولا منهم يتلوا عليهم آياتك ويعلمهم الكتاب والحكمة ويزكيهم، وفيهم امتنان عليهم بالإرسال كالامتنان بجعل الكعبة قبلة، ومن هنا يظهر أن المخاطب بقوله فيكم رسولا منكم، هو الأمة المسلمة، وهو أولياء الدين من الأمة خاصة بحسب الحقيقة، والمسلمون جميعا من آل إسماعيل - وهم عرب مضر - بحسب الظاهر، وجميع العرب بل جميع المسلمين بحسب الحكم.

قوله تعالى: يتلوا عليكم آياتنا، ظاهره آيات القرآن لمكان قوله يتلوا، فإن العناية في التلاوة إلى اللفظ دون المعنى، والتزكية هي التطهير، وهو إزالة الأدناس والقذارات، فيشمل إزالة الاعتقادات الفاسدة كالشرك والكفر، وإزالة الملكات الرذيلة من الأخلاق كالكبر والشح، وإزالة الأعمال والأفعال الشنيعة كالقتل والزنا وشرب الخمر وتعليم الكتاب والحكمة، وتعليم ما لم يكونوا يعلمونه يشمل جميع المعارف الأصلية والفرعية.

واعلم: أن الآيات الشريفة تشتمل على موارد من الالتفات، فيه تعالى بالغيبة والتكلم وحده ومع الغير، وفي غيره تعالى أيضا بالغيبة والخطاب والتكلم، والنكتة فيها غير خفية على المتدبر البصير .

بحث روائي

في المجمع، عن القمي: في تفسيره في قوله تعالى سيقول السفهاء الآية عن الصادق (عليه السلام) قال تحولت القبلة إلى الكعبة بعد ما صلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بمكة ثلاث عشرة سنة إلى بيت المقدس وبعد مهاجرته إلى المدينة صلى إلى بيت المقدس سبعة أشهر قال ثم وجهه الله إلى مكة وذلك أن اليهود كانوا يعيرون على رسول الله يقولون أنت تابع لنا تصلي إلى قبلتنا فاغتم رسول الله من ذلك غما شديدا وخرج في جوف الليل ينظر إلى آفاق السماء ينتظر من الله في ذلك أمرا فلما أصبح وحضر وقت صلاة الظهر كان في مسجد بني سالم وقد صلى من الظهر ركعتين فنزل جبرئيل فأخذ بعضديه وحوله إلى الكعبة وأنزل عليه قد نرى تقلب وجهك في السماء - فلنولينك قبلة ترضيها - فول وجهك شطر المسجد الحرام فكان قد صلى ركعتين إلى بيت المقدس وركعتين إلى الكعبة فقالت اليهود والسفهاء ما وليهم عن قبلتهم التي كانوا عليها أقول والروايات الواردة من طرق العامة والخاصة كثيرة مودعة في جوامع الحديث قريبة المضامين وقد اختلف في تاريخ الواقعة وأكثرها وهو الأصح أنها كانت في رجب السنة الثانية من الهجرة الشهر السابع عشر منها وسيجيء بعض ما يتعلق بالمقام في بحث على حدة إن شاء الله.

Page 192