157

Tafsir Mizan

تفسير الميزان - العلامة الطباطبائي

ويستنتج من هنا أمران: أحدهما: أن الإمام يجب أن يكون معصوما عن الضلال والمعصية، وإلا كان غير مهتد بنفسه، كما مر كما، يدل عليه أيضا قوله تعالى: "وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا وأوحينا إليهم فعل الخيرات وإقام الصلوة، وإيتاء الزكوة وكانوا لنا عابدين": الأنبياء - 73 فأفعال الإمام خيرات يهتدي إليها لا بهداية من غيره بل باهتداء من نفسه بتأييد إلهي، وتسديد رباني والدليل عليه قوله تعالى: "فعل الخيرات" بناء على أن المصدر المضاف يدل على الوقوع، ففرق بين مثل قولنا: وأوحينا إليهم أن افعلوا الخيرات فلا يدل على التحقق والوقوع، بخلاف قوله "وأوحينا إليهم فعل الخيرات" فهو يدل على أن ما فعلوه من الخيرات إنما هو بوحي باطني وتأييد سماوي.

الثاني: عكس الأمر الأول وهو أن من ليس بمعصوم فلا يكون إماما هاديا إلى الحق البتة.

وبهذا البيان يظهر: أن المراد بالظالمين في قوله تعالى، "قال ومن ذريتي قال لا ينال عهدي الظالمين" مطلق من صدر عنه ظلم ما، من شرك أو معصية، وإن كان منه في برهة من عمره، ثم تاب وصلح.

وقد سئل بعض أساتيذنا رحمة الله عليه: عن تقريب دلالة على عصمة الإمام.

فأجاب: أن الناس بحسب القسمة العقلية على أربعة أقسام: من كان ظالما في جميع عمره، ومن لم يكن ظالما في جميع عمره، ومن هو ظالم في أول عمره دون آخره، ومن هو بالعكس هذا.

وإبراهيم (عليه السلام) أجل شأنا من أن يسأل الإمامة للقسم الأول والرابع من ذريته، فبقي قسمان وقد نفى الله أحدهما، وهو الذي يكون ظالما في أول عمره دون آخره، فبقي الآخر، وهو الذي يكون غير ظالم في جميع عمره انتهى وقد ظهر مما تقدم من البيان أمور: الأول: إن الإمامة لمجعولة.

الثاني: أن الإمام يجب أن يكون معصوما بعصمة إلهية.

الثالث: أن الأرض وفيه الناس، لا تخلو عن إمام حق.

الرابع: أن الإمام يجب أن يكون مؤيدا من عند الله تعالى.

الخامس: أن أعمال العباد غير محجوبة عن علم الإمام.

السادس: أنه يجب أن يكون عالما بجميع ما يحتاج إليه الناس في أمور معاشهم ومعادهم.

السابع: أنه يستحيل أن يوجد فيهم من يفوقه في فضائل النفس.

فهذه سبع مسائل هي أمهات مسائل الإمامة: تعطيها الآية الشريفة بما ينضم إليها من الآيات والله الهادي.

فإن قلت: لو كانت الإمامة هي الهداية بأمر الله تعالى: وهي الهداية إلى الحق الملازم مع الاهتداء بالذات كما استفيد من قوله تعالى: "أفمن يهدي إلى الحق أحق أن يتبع" الآية كان جميع الأنبياء أئمة قطعا، لوضوح أن نبوة النبي لا يتم إلا باهتداء من جانب الله تعالى بالوحي، من غير أن يكون مكتسبا من الغير، بتعليم أو إرشاد ونحوهما، وحينئذ فموهبة النبوة تستلزم موهبة الإمامة، وعاد الإشكال إلى أنفسكم.

Page 158