Tafsir Mizan
تفسير الميزان - العلامة الطباطبائي
"فوربك لنسألنهم" وقوله: "فبعزتك لأغوينهم" وأقسم بنبيه وملائكته وكتبه وأقسم بمخلوقاته كالسماء والأرض والشمس والقمر والنجوم والليل والنهار واليوم والجبال والبحار والبلاد والإنسان والشجر والتين والزيتون.
وليس إلا أن لها شرافة حقة بتشريف الله وكرامة على الله من حيث إن كلا منها إما ذو صفة من أوصافه المقدسة الكريمة بكرامة ذاته المتعالية أو فعل منسوب إلى منبع البهاء والقدس - والكل شريف بشرف ذاته الشريفة - فما المانع للداعي منا إذا سأل الله شيئا أن يسأله بشيء منها من حيث إن الله سبحانه شرفه وأقسم به؟ وما الذي هون الأمر في خصوص رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) حتى أخرجه من هذه الكلية واستثناء من هذه الجملة؟.
ولعمري ليس رسول الله محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) بأهون عند الله من تينة عراقية، أو زيتونة شامية، وقد أقسم الله بشخصه الكريم فقال: "لعمرك إنهم لفي سكرتهم يعمهون": الحجر - 72.
ثم إن الحق - ويقابله الباطل - هو الثابت الواقع في الخارج من حيث إنه كذلك كالأرض والإنسان وكل أمر ثابت في حد نفسه ومنه الحق المالي وسائر الحقوق الاجتماعية حيث إنها ثابتة بنظر الاجتماع وقد أبطل القرآن كل ما يدعى حقا إلا ما حققه الله وأثبته سواء في الإيجاد أو في التشريع فالحق في عالم التشريع وظرف الاجتماع الديني هو ما جعله الله حقا كالحقوق المالية وحقوق الإخوان والوالدين على الولد وليس هو سبحانه محكوما بحكم أحد فيجعل عليه تعالى ما يلزم به كما ربما يظهر من بعض الاستدلالات الاعتزالية غير أنه من الممكن أن يجعل على نفسه حقا، جعلا بحسب لسان التشريع فيكون حقا لغيره عليه تعالى كما قال تعالى: "وكان حقا علينا ننجي المؤمنين": يونس - 103، وقال تعالى: "ولقد سبقت كلمتنا لعبادنا المرسلين. إنهم لهم المنصورون. وإن جندنا لهم الغالبون": الصافات - 171، 172، 173.
والنصر كما ترى مطلق، غير مقيد بشيء فالإنجاء حق للمؤمنين على الله، والنصر حق للمرسل على الله تعالى وقد شرفه الله تعالى حيث جعله له فكان فعلا منه منسوبا إليه مشرفا به فلا مانع من القسم به عليه تعالى وهو الجاعل المشرف للحق والمقسم بكل أمر شريف.
إذا عرفت ما ذكرناه علمت أن لا مانع من إقسام الله تعالى بنبيه (صلى الله عليه وآله وسلم) أو بحق نبيه وكذا إقسامه بأوليائه الطاهرين أو بحقهم وقد جعل لهم على نفسه حقا أن ينصرهم في صراط السعادة بكل نصر مرتبط بها كما عرفت.
وأما قول القائل: ليس لأحد على الله حق فكلام واه.
نعم ليس على الله حق يثبته عليه غيره فيكون محكوما بحكم غيره مقهورا بقهر سواه.
ولا كلام لأحد في ذلك ولا أن الداعي يدعوه بحق ألزمه به غيره بل بما جعله هو تعالى بوعده الذي لا يخلف هذا.
Page 129