قوله عز وجل: { إن الذين كفروا لن تغني عنهم أموالهم ولا أولادهم من الله شيئا }؛ أراد بالذين كفروا اليهود الذين تقدم ذكرهم. وقيل: أراد بهم نصارى نجران، ويقال: عامة الكفار، ومعنى: { لن تغني عنهم أموالهم ولا أولادهم من الله شيئا } أي لا يدفع عنهم كثرة أموالهم وأولادهم شيئا من عذاب الله في الدنيا والآخرة؛ لأنه لا يقبل منهم فداء ولا شفاعة. ويسمى المال غنى لأنه يدفع عن مالكه الفقر والنوائب، فأخبر الله أن أموال هؤلاء الكفار وأولادهم لا تقيهم من العذاب.
قرأ السلمي: (لن يغني عنهم) بالياء لتقدم الفعل ودخول الحائل بين الاسم والفعل، وقرأ الحسن (لن تغني) بالتاء وسكون الياء.
قوله تعالى: { وأولئك هم وقود النار }؛ أي حطب النار، والوقود بنصب الواو ما يوقد به النار، وفي هذا بيان أن أهل النار يحترقون في النار احتراق الحطب لا كما يحترق الإنسان بنار الدنيا، فإن نار الدنيا تسيل الصديد من الإنسان ولا تأخذه كما تأخذ الحطب، ومن قرأ (وقود) بضم الواو فهو مصدر وقدت النار وقودا، كما يقال ورد ورودا؛ فيكون المعنى: أولئك هم وقود النار.
[3.11]
قوله عز وجل: { كدأب آل فرعون والذين من قبلهم كذبوا بآياتنا فأخذهم الله بذنوبهم }؛ الآية؛ المعنى أن الذين كفروا لن تغني عنهم أموالهم ولا أولادهم من الله شيئا عند حلول النقمة والعقوبة مثل آل فرعون وكفار الأمم الخالية أخذناهم وعاقبناهم فلم تغن عنهم أموالهم ولا أولادهم. وقيل: معناه عادة هؤلاء الكفار في الكفر والتكذيب بالحق كعادة آل فرعون وعادة الذين من قبلهم قوم نوح وعاد وثمود؛ { كذبوا } بكتبنا ورسلنا فعاقبهم الله بكفرهم وشركهم، { والله شديد العقاب } إذا عاقب ، فعقابه شديد على الدوام، والتأبيد لا كعقوبة أهل الدنيا.
والدأب في اللغة: العادة، كذا قال النضر بن شميل والمبرد، فيكون معناه: كعادة آل فرعون. وقال الزجاج: (الدأب: الاجتهاد؛ أي كاجتهاد آل فرعون في كفرهم وتطايرهم على الباطل، يقال: دأب في كذا يدأب دأبا إذا أدام العمل فيه، ثم نقل معناه إلى الشأن والحال والعادة).
وقال ابن عباس وعكرمة ومجاهد والضحاك والسدي: (معناه: كفعل آل فرعون وصنعهم في الكفر والتكذيب) يقول: كفرت اليهود بمحمد ككفر آل فرعون والذين من قبلهم. وقال الربيع والكسائي: (معناه: كشبه آل فرعون). وقال سيبويه: (الكاف في { كدأب } في موضع رفع، فخبر المبتدأ تقديره: دأبهم كدأب آل فرعون).
[3.12]
قوله عز وجل: { قل للذين كفروا ستغلبون وتحشرون إلى جهنم وبئس المهاد } ، أي قل يا محمد للذين كفروا ستهزمون وتقتلون وتحشرون بعد الموت إلى جهنم وبئس الفراش. قرأ يحيى بن وثاب وحمزة والكسائي وخلف بالياء فيهما، والباقون بالتاء، فمن قرأهما بالياء فعلى الإخبار عنهم أنهم يغلبون ويحشرون، ومن قرأها بالتاء فعلى الخطاب؛ أي قل لهم إنكم ستغلبون وتحشرون.
واختلف المفسرون في هؤلاء الكفار؛ فقال مقاتل: هم كفار مكة، ومعناه: قل لكفار مكة ستغلبون يوم بدر وتحشرون إلى جهنم في الآخرة، فلما نزلت هذه " الآية " قال النبي صلى الله عليه وسلم للكفار يوم بدر
Unknown page