320

Al-Tafsīr al-Kabīr

التفسير الكبير

Genres

وقال آخرون: معنى الآية: أن الله يحاسب خلقه بجميع ما أبدوا من أعمالهم وأخفوا ويعاقبهم عليه؛ غير أن معاقبته إياهم على ما أخفوا مما لم يعملوا بها بما يحدث في الدنيا من النوائب والمصائب والأمور التي يحزنون عليها ويألمون بها؛ مثل الحمى وغير ذلك حتى الشوكة يشاكها والشيء يضيع فيفقده ويراع عليه، ثم يجده. وهذا قول عائشة رضي الله عنها.

وقال بعضهم: معناه: { وإن تبدوا ما في أنفسكم } من الأعمال الظاهرة، { أو تخفوه } من الأحوال الباطنة، { يحاسبكم به الله } العائد على أفعال العارف على أحواله.

وقال بعضهم: إن الله تعالى يقول يوم القيامة: هذا يوم تبلى السرائر وتحرج الضمائر، وإن كتابي لم يكتبوا إلا ما ظهر من أعمالكم، وأنا المطلع على سرائركم مما لم يعلموه ولا يكتبوه، فأنا أخبركم بذلك وأحاسبكم؛ لتعلموا أنه لا يعزب عنه مثقال ذرة من أعمالكم، ثم أغفر لمن شئت وأعذب من شئت. فأما المؤمنون فيخبرهم بذلك كله ويغفر لهم، ولا يؤاخذهم بذلك إظهارا لفضله. وأما الكافرون فيخبرهم ويعاقبهم عليها إظهارا لعدله. فمعنى الآية: { وإن تبدوا ما في أنفسكم } فتعملوا به، { أو تخفوه } مما أضمرتم وأسررتم ونويتم. { يحاسبكم به الله } ويعرفكم إياه ويغفر للمؤمنين، ويعذب الكافرين، يدل عليه قوله تعالى: { يحاسبكم به الله } ولم يقل: يؤاخذكم به الله. والمحاسبة غير المعاقبة فالحساب ثابت، والعقاب ساقط. وقال الحسن ابن مسلم: (يحاسب الله المؤمن بالمنة والفضل؛ والكافر بالحجة والعدل).

وقيل في تأويل الآية: أنها وردت فيما يؤاخذ به العبد فيما بينه وبين الله تعالى، وتأويل قوله صلى الله عليه وسلم:

" إن الله تجاوز لأمتي ما حدثت به أنفسها ما لم يعملوا أو يتكلموا به "

إنما ورد فيما يلزم العبد من أحكام الدنيا، فلا يقع عتقه ولا طلاقه ولا بيعه ولا هبته بالنية ما لم يتكلم.

ومن نظائر هذه الآية:

ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم

[البقرة: 225] وقوله تعالى:

إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم

Unknown page