قوله عز وجل: { فمن كان منكم مريضا }؛ أي من كان مريضا من المحرمين؛ محصرين أو غير محصرين، فلم يستطع الإقامة على شروط الإحرام، فعجل وفعل شيئا مما يفعله الحلال قبل أن ينحر عنه الهدي، { أو به أذى من رأسه }؛ أي أو كان في رأسه قمل يؤذيه لا يستطيع أن يصبر عليه، فحلق رأسه.
قوله تعالى: { ففدية من صيام }؛ أي فعليه فداء ما صنع صيام ثلاثة أيام، { أو صدقة }؛ على ستة مساكين؛ لكل مسكين نصف صاع من بر أو صاع من تمر، أو صاع من شعير، { أو نسك }؛ أي شاة يذبحها في الحرم.
" روي عن كعب بن عجرة: أنه قال: نزلت هذه الآية في؛ مر بي رسول الله صلى الله عليه وسلم والقمل يتناثر على وجهي، فقال له: " أتؤذيك هوام رأسك؟ " قلت: نعم، قال: " احلق رأسك وأطعم ستة مساكين؛ لكل مسكين نصف صاع من حنطة، أو صم ثلاثة أيام، أو أنسك بنسيكة " ".
قوله تعالى: { فإذآ أمنتم فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدي }؛ أي فإذا أمنتم الموانع من المرض والعدو وكل مانع. ويقال: في الآية إضمار تقديره: فإذا أمنتم من العدو وبرئتم من المرض، فاقضوا ما كنتم أحرمتم به قبل الإحصار من حج أو عمرة.
قوله تعالى: { فمن تمتع بالعمرة إلى الحج } أي من بدأ بالعمرة في أشهر الحج؛ وأقام بمكة في عامه للحج؛ فحج من غير أن يرجع إلى أهله؛ فعليه ما تيسر من الهدي. وقوله تعالى: { فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجعتم }؛ أي فمن لم يجد الهدي ولا عنه؛ فعليه صيام ثلاثة أيام في الحج يصومها قبل يوم النحر متتابعات ومتفرقات؛ وصيام سبعة أيام إذا رجع إلى أهله.
ويقال: إذا رجع من منى. ويقال: إذا رجع إلى ما كان عليه؛ أي فرغ من أمر الحج.
قوله تعالى: { تلك عشرة كاملة }؛ أي كاملة للثواب. وقيل: كاملة للهدي. قوله تعالى: { ذلك لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام }؛ أي ذلك التمتع والهدي لمن لم يكن أهله حاضري مكة. قوله تعالى: { واتقوا الله واعلموا أن الله شديد العقاب }؛ أي اتقوا الله في جميع ما أمرتم به ونهيتم عنه.
وقد اختلف السلف في وجوب العمرة؛ فروي عن ابن مسعود والشعبي وإبراهيم النخعي: (إنها تطوع)، وبه قال أبو حنيفة وأصحابه ومالك. وعن عائشة وابن عباس وابن عمر ومجاهد: (أنها واجبة)؛ وبه قال الشافعي. ولا دلالة في هذه الآية على الوجوب؛ لأن لفظ الإتمام يقتضي نفي النقصان عنها إذا فعلت؛ لأن ضد الإتمام هو النقصان.
وقرئ (والعمرة لله) بالرفع على معنى الابتداء. ومن نصب العمرة احتمل أن تكون للابتداء؛ لكن نصبها اتباعا للحج، كذا قال الزجاج. وقوله تعالى: { لله } فإن أهل الجاهلية كانوا يشركون في إحرامهم؛ كانوا يقولون: (لبيك لا شريك لك إلا شريكا هو لك تملكه وما ملك). تعالى الله عما يقولون علوا كبيرا. فأمر الله تعالى بإخلاص القول والعمل لله تعالى.
وأما لفظ الإحصار فقد ذكر الكسائي وأكثر أهل اللغة: (أن الإحصار هو أن يكون بمرض أو عدو، والحصر: أن يكون بحبس عدو، يقال: أحصره المرض أو العدو فهو محصر. وحصره العدو فهو محصور) وهذا على مذهبنا مستمر. وقال الفراء: (لا فرق بين الحصر والإحصار، وهما شريكان في المعنى) وهذا قريب من مذهب الشافعي، فإن عنده لا يكون المريض محصرا ولا يكون الإحصار إلا بالعدو. فأما المريض فلا يتحلل بالهدي وإن لم يقدر على الذهاب. وأنكر المبرد والزجاج على الفراء وقالا: (إن الحصر والإحصار مختلفان في المعنى؛ ألا ترى أنك تقول: حبست الرجل؛ إذا جعلته في الحبس، وأحبسه إذا عرضته للحبس).
Unknown page