" أهل رسول الله صلى الله عليه وسلم بالعمرة فدخل حجرة؛ فدخل رجل منهم على أثره من الأنصار. فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لم فعلت ذلك؟ " فقال: إني رأيتك يا رسول الله عليك السلام دخلت، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أنا أحمس؛ والحمس لا يبالون بذلك " فقال الأنصاري: أنا أحمس؛ يعني أنا على دينك وسنتك "
، فأنزل الله هذه الآية { وليس البر بأن تأتوا البيوت من ظهورها ولكن البر من اتقى وأتوا البيوت من أبوابها } أي ليس من خلفها إذا أحرمتم).
قرأ حمزة والكسائي وعاصم ونافع وابن عامر وابن كثير: بكسر الباء (من البيوت) في جميع القرآن. وقرأ الباقون بضمها.
قوله تعالى: { ولكن البر من اتقى }؛ أي ليس البر بأن تأتوا البيوت من خلفها إذا أحرمتم؛ ولكن البر من اتقى الشرك والمعاصي. قوله تعالى: { وأتوا البيوت من أبوابها }؛ أي ائتوا البيوت محرمين ومحلين من أبوابها، وقوله تعالى: { واتقوا الله لعلكم تفلحون }؛ أي اتقوا الله في جميع ما أمركم به ونهاكم عنه لكي تنجوا من العقوبة وتفوزوا بالبقاء في الجنة.
وقد روي عن بعضهم أنه كان يقول في هذه الآية: (ليس البر أن تطلبوا المعروف من غير أهله، ولكن اطلبوه من أهله).
[2.190]
قوله عز وجل: { وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم }؛ أي وقاتلوا في دين الله وطاعته الذين يقاتلونكم. قال الربيع وعبدالرحمن بن زيد: (هذه أول آية نزلت في القتال، وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه خرجوا في العام الذي أرادوا فيه العمرة فنزلوا بالحديبية قريبا من مكة). والحديبية اسم للبئر فسمي ذلك الموضع باسم البئر، فصده المشركون عن البيت، فأقام بالحديبية شهرا ثم صالحه المشركون على أن يرجع عامه ذلك على أن يخلوا له مكة من العام القابل ثلاثة أيام، فيطوف وينحر الهدي ويفعل ما يشاء؛ وصالحوه على أن لا يكون بينه وبينهم قتال إلى عشر سنين. فرجع النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، فلما كان العام المقبل تجهز لعمرة القضاء؛ وكانوا يخافون أن لا تفي قريش بذلك؛ وكانوا يكرهون قتالهم في الشهر الحرام وفي الحرم، فأنزل الله هذه الآية.
ومعناها: وقاتلوا في طاعة الله الذين يبدأونكم بالقتال؛ { ولا تعتدوا }؛ أي ولا تنقضوا العهد بالبداءة بقتالهم قبل تقديم الدعوة، { إن الله لا يحب المعتدين }؛ أي المتجاوزين عن الحدود؛ أي لا يرضى عنهم عملهم. فلما نزلت هذه الآية كان صلى الله عليه وسلم يقاتل من قاتله ويكف عمن كف عنه، حتى نزل قوله تعالى:
فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم
[التوبة: 5] فنسخت هذه الآية وأمر بالقتال مع المشركين كافة.
Unknown page