125

Tafsīr Ibn Kathīr

تفسير ابن كثير

Investigator

سامي بن محمد السلامة

Publisher

دار طيبة للنشر والتوزيع

Edition Number

الثانية

Publication Year

1420 AH

Genres

Tafsīr
قَالَ: " رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ وَهُوَ يَقْرَأُ عَلَى رَاحِلَتِهِ سُورَةَ الْفَتْحِ " (١) .
وَهَذَا الْحَدِيثُ قَدْ أَخْرَجَهُ الْجَمَاعَةُ سِوَى ابْنِ مَاجَهْ مِنْ طُرُقٍ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ أَبِي إِيَاسٍ، وَهُوَ مُعَاوِيَةُ بْنُ قُرَّةَ بِهِ (٢) وَهَذَا -أَيْضًا-لَهُ تَعَلُّقٌ بِمَا تَقَدَّمَ مِنْ تَعَاهُدِ الْقُرْآنِ وَتِلَاوَتِهِ سَفَرًا وَحَضَرًا، وَلَا يُكْرَهُ ذَلِكَ عِنْدَ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ إِذَا لَمْ يَتْلُهُ الْقَارِئُ فِي الطَّرِيقِ، وَقَدْ نَقَلَهُ ابْنُ أَبِي دَاوُدَ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأُ فِي الطَّرِيقِ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَنَّهُ أَذِنَ فِي ذَلِكَ، وَعَنِ الْإِمَامِ مَالِكٍ أَنَّهُ كَرِهَ ذَلِكَ، كَمَا قَالَ ابْنُ أَبِي دَاوُدَ: وَحَدَّثَنِي أَبُو الرَّبِيعِ، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ [قَالَ] (٣) سَأَلْتُ مَالِكًا عَنِ الرَّجُلِ يُصَلِّي فِي آخِرِ اللَّيْلِ، فَيَخْرُجُ إِلَى الْمَسْجِدِ، وَقَدْ بَقِيَ مِنَ السُّورَةِ الَّتِي كَانَ يَقْرَأُ فِيهَا شَيْءٌ، فَقَالَ: مَا أَعْلَمُ الْقِرَاءَةَ تَكُونُ فِي الطَّرِيقِ.
وَقَالَ الشَّعْبِيُّ: تُكْرَهُ قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ فِي ثَلَاثَةِ مَوَاطِنَ: فِي الْحَمَّامِ، وَفِي الْحُشُوشِ، وَفِي الرَّحَى وَهِيَ تَدُورُ. وَخَالَفَهُ فِي الْقِرَاءَةِ فِي الْحَمَّامِ كَثِيرٌ مِنَ السَّلَفِ: أَنَّهَا لَا تُكْرَهُ، وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ وَغَيْرِهِمْ، وَرَوَى ابْنُ أَبِي دَاوُدَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ: أَنَّهُ كَرِهَ ذَلِكَ، وَنَقَلَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ أَبِي وَائِلٍ شَقِيقِ بْنِ سَلَمَةَ، وَالشَّعْبِيِّ وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَمَكْحُولٍ وَقَبِيصَةَ بْنِ ذُؤَيْبٍ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ إِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ، وَمَحْكِيٌّ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ، ﵏، أَنَّ الْقِرَاءَةَ فِي الْحَمَّامِ تُكْرَهُ وَأَمَّا الْقِرَاءَةُ فِي الْحُشُوشِ فَكَرَاهَتُهَا ظَاهِرَةٌ، وَلَوْ قِيلَ بِتَحْرِيمِ ذَلِكَ صِيَانَةً لِشَرَفِ الْقُرْآنِ لَكَانَ مَذْهَبًا، وَأَمَّا الْقِرَاءَةُ فِي بَيْتِ الرَّحَى وَهِيَ تَدُورُ فَلِئَلَّا يَعْلُوَ غَيْرُ الْقُرْآنِ عَلَيْهِ، وَالْحَقُّ يَعْلُو وَلَا يُعلى، والله أعلم.

(١) صحيح البخاري برقم (٥٠٣٤) .
(٢) صحيح مسلم برقم (٧٩٤) وسنن أبي داود برقم (١٤٦٧) والشمائل للترمذي برقم (٣٠٢) وسنن النسائي الكبرى برقم (٨٠٦٢) .
(٣) زيادة من ط.
تَعْلِيمُ الصِّبْيَانِ الْقُرْآنَ
حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ أَبِي بِشْرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: إِنَّ الَّذِي تَدْعُونَهُ الْمُفَصَّلَ هُوَ الْمُحْكَمُ، قَالَ: وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ وَأَنَا ابْنُ عَشْرِ سِنِينَ وَقَدْ قَرَأْتُ الْمُحْكَمَ (١) .
حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا هُشَيْم، أَخْبَرَنَا أَبُو بِشْرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: جَمَعْتُ الْمُحْكَمَ فِي عَهْدِ النَّبِيِّ ﷺ فقلت له: وَمَا الْمُحْكَمُ؟ قَالَ: "الْمُفَصَّلُ" (٢) .
انْفَرَدَ بِإِخْرَاجِهِ الْبُخَارِيُّ، وَفِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى جَوَازِ تَعَلُّمِ الصِّبْيَانِ الْقُرْآنَ؛ لِأَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ أَخْبَرَ عَنْ سِنِّهِ حِينَ مَوْتِ الرَّسُولِ ﷺ، وَقَدْ كَانَ جَمَعَ الْمُفَصَّلَ، وَهُوَ مِنَ الْحُجُرَاتِ، كَمَا تَقَدَّمَ ذَلِكَ، وَعُمْرُهُ آنَذَاكَ عَشْرُ سِنِينَ. وَقَدْ رَوَى الْبُخَارِيُّ أَنَّهُ قَالَ: تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ وَأَنَا مَخْتُونٌ (٣) . وَكَانُوا لَا يَخْتِنُونَ الْغُلَامَ حَتَّى يَحْتَلِمَ، فَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ تَجَوَّزَ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ بِذِكْرِ الْعَشْرِ، وَتَرْكِ ما زاد عليها من

(١) صحيح البخاري برقم (٥٠٣٥) .
(٢) صحيح البخاري برقم (٥٠٣٦) .
(٣) صحيح البخاري برقم (٦٢٩٩) .

1 / 74