Tafsir Ibn Kathir
تفسير ابن كثير
Investigator
سامي بن محمد السلامة
Publisher
دار طيبة للنشر والتوزيع
Edition Number
الثانية
Publication Year
1420 AH
Genres
Tafsīr
مِنَ الْأُمَمِ كَمَا بَيْنَ صَلَاةِ الْعَصْرِ وَمَغْرِبِ الشَّمْسِ، وَمَثَلُكُمْ وَمَثَلُ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى كَمَثَلِ رَجُلٍ اسْتَعْمَلَ عُمَّالًا فَقَالَ: مَنْ يَعْمَلُ لِي إِلَى نِصْفِ النَّهَارِ عَلَى قِيرَاطٍ؟ فَعَمِلَتِ الْيَهُودُ فَقَالَ: مَنْ يَعْمَلُ لِي مِنْ نِصْفِ النَّهَارِ إِلَى الْعَصْرِ؟ فَعَمِلَتِ النَّصَارَى، ثُمَّ أَنْتُمْ تَعْمَلُونَ مِنَ الْعَصْرِ إِلَى الْمَغْرِبِ بِقِيرَاطَيْنِ قِيرَاطَيْنِ، قَالُوا: نَحْنُ أَكْثَرُ عَمَلًا وَأَقَلُّ عَطَاءً! قَالَ: هَلْ ظَلَمْتُكُمْ مِنْ حَقِّكُمْ؟ قَالُوا: لَا. قَالَ: فَذَلِكَ فَضْلِي أُوتِيهِ مَنْ شِئْتُ " (١) .
تَفَرَّدَ بِهِ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، وَمُنَاسَبَتُهُ لِلتَّرْجَمَةِ: أَنَّ هَذِهِ الْأُمَّةَ مَعَ قِصَرِ مُدَّتِهَا فضلَتْ الْأُمَمَ الْمَاضِيَةَ مَعَ طُولِ مُدَّتِهَا، كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ﴾ [آلِ عِمْرَانَ: ١١٠] .
وَفِي الْمُسْنَدِ وَالسُّنَنِ عَنْ بَهْزِ بْنِ حَكِيمٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: " أَنْتُمْ تُوفُونَ سَبْعِينَ أُمَّةً، أَنْتُمْ خَيْرُهَا وَأَكْرَمُهَا عَلَى اللَّهِ " (٢) . وَإِنَّمَا فَازُوا بِهَذَا بِبَرَكَةِ الْكِتَابِ الْعَظِيمِ الَّذِي شَرَّفَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى كُلِّ كِتَابٍ أَنْزَلَهُ، جَعَلَهُ مُهَيْمِنًا عَلَيْهِ، وَنَاسِخًا لَهُ، وَخَاتَمًا لَهُ؛ لِأَنَّ كُلَّ الْكُتُبِ الْمُتَقَدِّمَةِ نَزَلَتْ إِلَى الْأَرْضِ جُمْلَةً وَاحِدَةً، وَهَذَا الْقُرْآنُ نَزَلَ مُنَجَّمًا بِحَسَبِ الْوَقَائِعِ لِشِدَّةِ الِاعْتِنَاءِ بِهِ وَبِمَنْ أَنْزَلَهُ عَلَيْهِ، فَكُلُّ مَرَّةٍ كَنُزُولِ كِتَابٍ مِنَ الْكُتُبِ الْمُتَقَدِّمَةِ، وَأَعْظَمُ الْأُمَمِ الْمُتَقَدِّمَةِ هُمُ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى، فَالْيَهُودُ اسْتَعْمَلَهُمُ اللَّهُ مِنْ لَدُنْ مُوسَى إِلَى زَمَانِ عِيسَى، وَالنَّصَارَى مِنَ ثَمَّ إِلَى أَنْ بُعِثَ مُحَمَّدٌ ﷺ، ثُمَّ اسْتَعْمَلَ أُمَّتَهُ إِلَى قِيَامِ السَّاعَةِ، وَهُوَ الْمُشَبَّهُ بِآخِرِ النَّهَارِ، وَأَعْطَى اللَّهُ الْمُتَقَدِّمِينَ قِيرَاطًا قِيرَاطًا، وَأَعْطَى هَؤُلَاءِ قِيرَاطَيْنِ قِيرَاطَيْنِ، ضِعْفَيْ مَا أَعْطَى أُولَئِكَ، فَقَالُوا: أَيْ رَبَّنَا، مَا لَنَا أَكْثَرُ عَمَلًا وَأَقَلُّ أَجْرًا؟ فَقَالَ: هَلْ ظَلَمْتُكُمْ شَيْئًا؟ قَالُوا: لَا قَالَ: فَذَلِكَ فَضْلِي أَيِ: الزَّائِدُ عَلَى مَا أَعْطَيْتُكُمْ أُؤْتِيهِ من أشاء كما قال تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ * لِئَلا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَلا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَأَنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ﴾ [الحديد: ٢٨، ٢٩] .
(١) صحيح البخاري برقم (٥٠٢١) .
(٢) المسند (٥/ ٣) وسنن الترمذي برقم (٣٠٠١) وسنن ابن ماجة برقم (٤٢٨٧، ٤٢٨٨) وقال الترمذي: "حديث حسن".
الْوَصَايَا بِكِتَابِ اللَّهِ
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ مِغْول، حَدَّثَنَا طَلْحَةُ بْنُ مُصَرِّف قَالَ: " سَأَلْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أَبِي أَوْفَى: أَوْصَى النَّبِيُّ ﷺ؟ قَالَ: لَا. فَقُلْتُ: كَيْفَ كُتِبَ عَلَى النَّاسِ الْوَصِيَّةُ، أُمِرُوا بِهَا وَلَمْ يُوصِ؟ قَالَ: أَوْصَى بِكِتَابِ اللَّهِ، ﷿ " (١) .
وَقَدْ رَوَاهُ فِي مَوَاضِعَ أُخَرَ مَعَ بَقِيَّةِ الْجَمَاعَةِ، إِلَّا أَبَا دَاوُدَ مِنْ طُرُقٍ عَنْ مَالِكِ بْنِ مِغْوَلٍ بِهِ (٢) وَهَذَا نَظِيرُ مَا تَقَدَّمَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: " مَا تَرَكَ إِلَّا مَا بَيْنَ الدَّفَّتَيْنِ "، وَذَلِكَ أَنَّ النَّاسَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْوَصِيَّةُ فِي أَمْوَالِهِمْ كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالأقْرَبِينَ﴾ [الْبَقَرَةِ: ١٨٠] . وَأَمَّا هُوَ ﷺ فَلَمْ يَتْرُكْ شَيْئًا يُورَثُ عَنْهُ، وإنما ترك ماله صدقة جارية من
(١) صحيح البخاري برقم (٥٠٢٢) .
(٢) صحيح البخاري برقم (٢٧٤٠،٤٤٦٠) وصحيح مسلم برقم (١٦٣٤) وسنن الترمذي برقم (٢١١٩) وسنن النسائي (٦/ ٠ ٢٤) وسنن ابن ماجة برقم (٢٦٩٦) .
1 / 58