Tafsir Ibn Atiyyah
تفسير ابن عطية = المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز
Investigator
عبد السلام عبد الشافي محمد
Publisher
دار الكتب العلمية
Edition Number
الأولى
Publication Year
١٤٢٢ هـ
Publisher Location
بيروت
Genres
ويروى أن بني إسرائيل كانوا يقتلون في اليوم ثلاثمائة نبي ثم تقوم سوقهم آخر النهار، وروي سبعين نبيا ثم تقوم سوق بقلهم آخر النهار، وفي تَهْوى ضمير من صلة ما لطول اللفظ، والهوى أكثر ما يستعمل فيما ليس بحق، وهذه الآية من ذلك، لأنهم إنما كانوا يهوون الشهوات، وقد يستعمل في الحق، ومنه قول عمر ﵁ في قصة أسرى بدر: «فهوى رسول الله ﷺ ما قال أبو بكر ولم يهو ما قلت»، واسْتَكْبَرْتُمْ من الكبر، وَفَرِيقًا مفعول مقدم.
وقرأ جمهور القراء «غلف» بإسكان اللام على أنه جمع أغلف مثل «حمر» و«صفر»، والمعنى قلوبنا عليها غلف وغشاوات فهي لا تفقه، قاله ابن عباس، وقال قتادة: «المعنى عليها طابع»، وقالت طائفة:
غلف بسكون اللام جمع غلاف، أصله غلّف بتثقيل اللام فخفف.
قال القاضي أبو محمد ﵀: وهذا قلما يستعمل إلا في الشعر. وقرأ الأعمش والأعرج وابن محيصن «غلّف» بتثقيل اللام جمع غلاف، ورويت عن أبي عمرو، فالمعنى هي أوعية للعلم والمعارف بزعمهم، فهي لا تحتاج إلى علم محمد ﷺ، وقيل: المعنى فكيف يعزب عنها علم محمد ﷺ؟، فرد الله تعالى عليهم بقوله: بَلْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ، وبَلْ في هذه الآية نقض للأول، وإضراب عنه، ثم بين تعالى أن السبب في نفورهم عن الإيمان إنما هو أنهم لعنوا بما تقدم من كفرهم واجترامهم، وهذا هو الجزاء على الذنب فالذنب أعظم منه، واللعن الإبعاد والطرد، وقليلا نعت لمصدر محذوف تقديره فإيمانا قليلا ما يؤمنون، والضمير في يُؤْمِنُونَ لحاضري محمد ﷺ، ويتجه قلة هذا الإيمان: إما لأن من آمن بمحمد منهم قليل فيقل لقلة الرجال، قال هذا المعنى قتادة، وإما لأن وقت إيمانهم عند ما كانوا يستفتحون به قبل مبعثه قليل، إذ قد كفروا بعد ذلك، وإما لأنهم لم يبق لهم بعد كفرهم غير التوحيد على غير وجهه، إذ هم مجسمون فقد قللوه بجحدهم الرسل وتكذيبهم التوراة، فإنما يقل من حيث لا ينفعهم كذلك، وعلى هذا التأويل يجيء التقدير فإيمانا قليلا، وعلى الذي قبله فوقتا قليلا، وعلى الذي قبله فعددا من الرجال قليلا، وما في قوله: فَقَلِيلًا ما يُؤْمِنُونَ زائدة مؤكدة، و«قليلا» نصب ب يُؤْمِنُونَ.
قوله ﷿:
[سورة البقرة (٢): الآيات ٨٩ الى ٩١]
وَلَمَّا جاءَهُمْ كِتابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِما مَعَهُمْ وَكانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جاءَهُمْ ما عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكافِرِينَ (٨٩) بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ أَنْ يَكْفُرُوا بِما أَنْزَلَ اللَّهُ بَغْيًا أَنْ يُنَزِّلَ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ فَباؤُ بِغَضَبٍ عَلى غَضَبٍ وَلِلْكافِرِينَ عَذابٌ مُهِينٌ (٩٠) وَإِذا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا بِما أَنْزَلَ اللَّهُ قالُوا نُؤْمِنُ بِما أُنْزِلَ عَلَيْنا وَيَكْفُرُونَ بِما وَراءَهُ وَهُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقًا لِما مَعَهُمْ قُلْ فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنْبِياءَ اللَّهِ مِنْ قَبْلُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (٩١)
الكتاب القرآن، ومُصَدِّقٌ لِما مَعَهُمْ يعني التوراة، وروي أن في مصحف أبي بن كعب «مصدقا» بالنصب.
1 / 177