Tafsir Bayan Sacada
تفسير بيان السعادة في مقامات العبادة
Genres
[2.189-190]
{ يسألونك عن الأهلة } مستأنف مقطوع عن سابقه ولذلك لم يأت بأداة الوصل، والقمر فى اول الشهر الى ليلتين هلال، وقيل: الى ثلاثة، وقيل: الى سبعة، وكانوا يسألون عن الهلال ما باله يبدو فى اول الشهر ضعيفا ثم يتزايد حتى يصير بدرا ثم يتناقص حتى يصير ضعيفا ومختفيا الى ان يظهر فى اول الشهر الآخر هلالا، وكان مقصودهم الاستفسار عن سبب ذلك ولما لم يكونوا اهل نظر ولم يقتدروا على ادراك دقائق اسباب ذلك ولم يكن علم ذلك نافعا لهم فى دنياهم ولا فى آخرتهم أعرض تعالى شأنه عن الجواب المطابق للسؤال وامر نبيه (ص) ان يجيب بالحكم والغايات المترتبة عليه فقال: { قل هي مواقيت } جمع الميقات وهو ما يقدر به الوقت ويعلم يعنى أن الاهلة واختلافها سبب لمعرفة الاوقات ومعرفة ما يعرف بالاوقات من الزراعات والتجارات والديون وعدد النساء والحج والصوم والفطر { للناس } اى لانتفاع الناس { والحج } اى لمناسكه خص هذا بالذكر للاهتمام به لان اكثر مناسكه موقت من الشهر، ويعرف هذه الغايات المترتبة على اختلاف الاهلة بادنى تذكر، وفى معرفتها فوائد كثيرة من معرفة فاعل حكيم مدبر عليم قدير معتن بخلقه ولا سيما بالانسان ومعرفة انعامه واحسانه المستلزم لتعظيمه وشكره والتوجه اليه والتضرع عليه فى الجليل واليسير والقليل والكثير بخلاف ما سألوا عنه.
تحقيق اتيان البيوت من الابواب ومنع الاتيان من الظهور
{ وليس البر } عطف على { هى مواقيت } او على { يسألونك } بطريق الالتفات من الغيبة الى الخطاب ووجه المناسبة بينهما حتى أتى بأداة الوصل ان السؤال عن اختلاف الاهلة من غير اطلاع على هيئة الافلاك ومناطقها ومقادير حركاتها وحقيقة القمر واكتسابه الضوء من الشمس دخول في بيت طلب هذا العلم او فى هذا العلم من ظهره لا من بابه فان باب العلم بما ذكر { بأن تأتوا البيوت } لا اختصاص للبيوت بما يسميه العرف بيوتا كما عرفت { من ظهورها ولكن البر من اتقى } الاتيان من الظهور وقد مضى فى مثل الآية ان حمل الذات على المعنى اما بتصرف فى الاول او فى الثانى او فى النسبة { وأتوا } عطف على محذوف مستفاد من قوله تعالى: { ليس البر } (الى آخرها) اى فلا تأتوها من ظهورها وأتوا { البيوت من أبوابها } كان الظاهر ان يقول: وأتها من ابوابها لكنه عدل الى صيغة الامر ووضع الظاهر موضع المضمر للاشعار بأن اتيان البيوت اى امور المعاش والمعاد مأمور به ومنظور اليه فى نفسه ولو قال: وأتها من ابوابها لتوهم ان المنظور اليه فى النفى والايجاب كليهما هو القيد وان المعنى لو أردتم اتيان البيوت فأتوها من أبوابها لا من ظهورها يعنى ان المقصود النهى عن الدخول من الظهور لا الامر بالدخول فى البيوت، وباب الامور وجهة الاشياء كلها هو الولاية، نسب الى الباقر (ع) انه قال: يعنى ان يأتى الامر من وجهه اى الامور كان، فهو أمر باتيان الامور الدنيوية والاخروية جميعا من وجوهها مثل ان يأتى الحرف والصناعات من وجوهها التى هى اخذ علمها من علمها وتحصيل الاقتدار على عملها بالممارسة والتكرار عند عاملها، ومثل ان يأتى الصناعات العلمية من وجوهها التى هى الاخذ من عالمها والمدارسة عنده، ومثل ان يأتى العلوم والاعمال الالهية من وجوهها التى هى الاخذ من عالم الهى والمدارسة والممارسة عنده وباذنه وتعليمه فالعمدة فى طلب الامور طلب الوجوه المذكورة، والعمدة فى طلب الآخرة والعلوم الالهية طلب عالم الهى منصوب مجاز من الله بلا واسطة او بواسطة او بوسائط وبعد معرفته التسليم والانقياد له لا الاخذ من الاباء والاقران والمشاهدات والعمل بالرسوم والعادات، فقد ورد فى الاخبار والآيات ذم من قال:
إنا وجدنآ آبآءنا على أمة وإنا على آثارهم مهتدون
[الزخرف:22] فمن لم يتأمل فى علمه وعمله وفيمن أخذهما منه ولم يميز العالم الالهى بأدنى مرتبة التمييز وهو كون فعله موافقا لقوله كان مذموما مطرودا مبغوضا سواء عد عالما مفتيا مقتدى او جاهلا معدودا من السواقط، نسب الى الباقر (ع) انه قال فى نزول الآية: انهم كانوا اذا أحرموا لم يدخلوا بيوتهم من أبوابها ولكنهم كانوا ينقبون فى ظهور بيوتهم اى فى مؤخرها نقبا يدخلون ويخرجون منه فنهوا عن التدين بها { واتقوا الله } فى الانحراف عن الأبواب والدخول من الظهور { لعلكم تفلحون وقاتلوا في سبيل الله } وسبيل الله هو الولاية، وجميع الاعمال الشرعية من حيث صدورها عن الولاية او ايصالها الى الولاية سبيل الله لأنها سبل سبيل الله، وطريق الكعبة لكونها بالمناسك المشروعة فيها سبيل الله ولكونها مظهرا للقلب الذى هو سبيل الله حقيقة سبيل الله فقوله: { في سبيل الله } ظرف لقاتلوا حقيقة او مجازا او حال عن فاعل قاتلوا ظرفا حقيقيا او مجازيا والمعنى: قاتلوا فى حفظ سبل الله او فى ترويجه واعلائه او فى ارتكابه والاتصاف به او فى طريق الكعبة { الذين يقاتلونكم } هذه الآية منسوخة بحسب مفهوم قيده الذى هو عدم تجاوز المقاتلة عن المقاتلين بقوله:
واقتلوهم حيث ثقفتموهم
[البقرة: 191]، وناسخة بحسب الأمر بالمقاتلة لقوله تعالى:
ولا تطع الكافرين والمنافقين ودع أذاهم
[الأحزاب: 48] ولقوه كفوا أيديكم كما روى، وكان النبى (ص) قبل ذلك لا يقاتل احدا، ونقل انه نزل هذه الآية بعد صلح الحديبية وذلك ان رسول الله (ص) لما خرج هو واصحابه فى العام الذى أرادوا فيه العمرة فساروا حتى نزلوا الحديبية صدهم المشركون عن البيت الحرام فنحروا الهدى بالحديبية ثم صالحهم المشركون على ان يرجع فى عامه ويعود فى العام القابل ويخلوا مكة ثلاثة ايام فيطوف بالبيت ويفعل ما يشاء فيرجع الى المدينة من فوره، فلما كان العام المقبل تجهز النبى (ص) واصحابه لعمرة القضاء وخافوا ان لا يفى لهم قريش بذلك وان يقاتلوهم وكره رسول الله (ص) قتالهم فى الشهر الحرام وفى الحرم فأنزل الله تعالى هذه الآية { ولا تعتدوا } بابتداء القتال وبالتجاوز عمن أمرتم بقتاله وبالتعدى عن القتل الى قطع الاطراف والتمثيل { إن الله لا يحب المعتدين } نفى الحب وان كان أعم من البغض لكنه فى أمثال المقام يستعمل فى البغض.
Unknown page