Tafsir Bayan Sacada
تفسير بيان السعادة في مقامات العبادة
Genres
معنى قوله تعالى { الله يستهزىء بهم } يجازيهم جزاء استهزائهم او يهينهم او يفعل بهم ما يشابه الاستهزاء، او الاتيان بالاستهزاء من باب صنعة المشاكلة ولم يأت بأداة العطف لعدم المناسبة بينه وبين ما قبله فالجملة اما مستأنفة جوابا عن سؤال مقدر او دعاء عليهم ويحتمل ان تكون حالا عن فاعل قالوا ولم يقل : الله مستهزئ بهم، ليكون المقابلة اتم لان نشاطهم فى الاخبار بالاستهزاء كما يقتضى ان يبالغوا فى تأكيد الحكم يقتضى ان يخبروا ان الاستهزاء بالمؤمنين صار سجية لهم او كالسجية فى الثبات والاستمرار بخلاف اخبار الله بالاستهزاء بهم فانه ليس فى اخباره نشاط له تعالى وليس استهزاؤه باى معنى كان من صفاته الثابتة له بالذات فضلا عن ان يكون التى هى عين الذات بل هو من شعب القهر الثابت له بالعرض ولا يكون الا فى عالم الطبع وما دونه من عالم الارواح الخبيثة، والتجدد ذاتى لعالم الطبع وكلما فيه فهو متجدد بتجدده وفى اخباره تعالى بتجديد الهوان اخبار بتشديد الهوان { ويمدهم } من المدد او المداى يمد قواهم ويقويها ويزيد فيها، او يمد لهم فى عمرهم وامهالهم وهذا بيان للاستهزاء بهم { في طغيانهم } ظرف لغو متعلق بما قبله او بما بعده او مستقر حالا او مستأنفا بتقدير مبتدأ جوابا لسؤال مقدر والطغيان تجاوز الشيئ عن حده اى شيئ كان وحد الانسان انقياده تحت حكم العقل الذى يبينه نبى وقته فمن تجاوز عن هذا الحد كان طاغيا { يعمهون } يتحيرون، والعمه هو التحير فى الآراء فان نسبته الى البصيرة كنسبة العمى الى البصر وهو حال او مستأنف.
[2.16]
بيان اشتراء الضلالة بالهدى
{ أولئك } المحضرون بالاوصاف المذمومة المهانون غاية الهوان { الذين اشتروا الضلالة بالهدى } الضلال والضلالة مصدرا ضل الانسان اذا فقد الطريق، وضل المال اذا فقد ولم يدر صاحبه اين هو، والهدى الدلالة والرشد والبيان يذكر ويؤنث والمراد به هنا الاهتداء الى الطريق المستقيم الانسانى على ان يكون مصدرا مبنيا للمفعول، او هداية الله لهم الى الطريق المستقيم الانسانى على ان يكون مبنيا للفاعل، " والشرا " مقصورا وممدودا من الاضداد يطلق على البيع والشراء، والاشتراء خاص بالمشترى فى العرف العام كالبيع للبائع.
واعلم ان الانسان ذا شؤن كثيرة بحسب طرقه الى دار الاشقياء وطريقه الى دار السعداء وشؤنه التى له بحسب كونه على طريق السعداء ذاتية له فكأن الله ملكه اياها والشؤن التى له بحسب كونه على طريق الاشقياء عرضية له كأنها مملوكة لغيره وان الاوصاف التى هى فى هذا العالم أعراض قائمة بغيرها لها حقائق قائمة بذواتها فى عالم آخر فان الضلالة التى هى وصف اعتبارى اضافى لها حقيقة متجوهرة فى عالم النفس وهى من شؤنها ومراتبها وكذلك الهداية اذا تمهد هذا فنقول: لما كان الاشتراء أخذ مال الغير بثمن مملوك للمشترى فان لم يعتبر فيه قيد آخر كما هو الحق فالشراء على حقيقته وان اعتبر كون المبيع والثمن من الاعراض الدنيوية وكون الاشتراء بصيغة مخصوصة كان الاشتراء استعارة وكان قوله { فما ربحت تجارتهم } ترشيحا للاستعارة ونسبة الربح الى التجارة مجاز عقلى والربح هو الفضل على رأس المال فى المعاملة كما ان الخسران هو نقصان رأس المال، ونفى الربح اعم من بقاء رأس المال ونقصانه واتلافه رأسا كما ان الخسران أعم من نقصان رأس المال واتلافه { وما كانوا مهتدين } من قبيل عطف الاقوى على الاضعف والمعنى بل ما كانوا مهتدين اى اتلفوا بضاعتهم رأسا فانه تعالى جعل الهدى بضاعتهم ولذا جعله فى الاشتراء ثمنا او من قبيل عطف العلة على المعلول اى ما ربحوا لانهم لم يهتدوا الى طرق التجارة والمرابحة او المعنى اشتروا الضلالة بالهدى لانهم ما كانوا مالكين للهدى فان الهدى كان عارية لهم سواء أريد بالهدى الاستضاءة بنور الاسلام بالبيعة مع محمد (ص) او شؤن النفس المستضيئة بنور الاسلام او الشؤن المستعدة للاستضاءة بنور الاسلام او الايمان، او من قبيل عطف الجمع اى ما ربحوا ما صاروا مهتدين الى طريق النجاة.
[2.17]
{ مثلهم } فى قبول نور الاسلام والاستضاءة به { كمثل الذي استوقد نارا } المثل بالتحريك والمثل بالكسر والاسكان والمثيل كالشبه والشبه والشبيه لفظا ومعنى لكن استعمال المثل بالتحريك فى التشبيه المركب اكثر ولذا صار اسما للقول السائر فى العرف العام والموصول كالمعرف باللام قد يكون لتعريف الجنس وحينئذ يجوز ان يجرى على مفرده حكم الافراد والجمع كما هنا فانه أفرد بعض الضمائر الراجعة اليه وجمع بعضها وكما فى قوله تعالى
وخضتم كالذى خاضوا
على ان يكون الفاعل عائدا لموصول ولم يأت بالعاطف هنا مع أنه متفرع على اشتراء الضلالة مثل الجملتين السابقتين وجعله مستأنفا لجواب سؤال مقدر تجديدا لنشاط السامع بتغيير الاسلوب ويحتمل ان يكون حالا { فلمآ أضاءت ما حوله } أضائت متعد مسند الى ضمير النار او لازم مسند الى ما باعتبار كونه بمعنى الاماكن والاشياء التى حوله، او لازم مسند الى ضمير النار وما حوله بدل عنه بدل الاشتمال { ذهب الله بنورهم وتركهم في ظلمات } وحد النور وجمع الظلمة للاشارة الى وحدة حقيقة النور وان الوحدة ذاتية للنور ولغيره بعرض النور، وللاشارة الى كثرة الظلمة وان الكثرة ذاتية لها ولغيرها عرضية، وسيأتى تحقيق لهذا فى اول سورة الانعام ان شاء الله والمراد بالظلمات فى الممثل له ظلمات شؤن النفس المتراكمة فان الانسان كلما ازداد بعدا من نور الاسلام ازداد توغلا فى شؤن النفس المظلمة، وتعريف النور بالاضافة وتنكير الظلمات لما سبق من كون النور ذاتيا للانسان والظلمة عرضية { لا يبصرون } حال او صفة بحذف العائد او مستأنف او مفعول ثان لترك اذا جعل بمعنى صير، او مفعول بعد مفعول اذا جعل فى ظلمات مفعولا ثانيا وترك المفعول لترك القصد اليه كان الفعل جعل لازما او لقصد التعميم فى المفعول.
[2.18]
Unknown page