Tafsir Bayan Sacada
تفسير بيان السعادة في مقامات العبادة
Genres
[3.134]
{ الذين ينفقون } من الاموال والابدان والاعراض والقوى والاوصاف والانانيات { في السرآء والضرآء } اى فى جميع الاحوال لا يمنعهم حال من الاحوال من الانفاق وهذا بيان للمتقين وليس تقييدا له كما عرفت { والكاظمين الغيظ } الحابسين له، والاوصاف الثلاثة بيان لبعض مراتب الانفاق لان كظم الغيظ فى الحقيقة انفاق من سورة القوة الغضبية كما ان العفو عن الناس وطهارة القلب عن الحقد عليهم والانزجار من اساءتهم ثم الاحسان اليهم بعد اساءتهم انفاق من سورة كبرياء النفس وانانيتها { والعافين عن الناس } العفو هاهنا بمعنى الصفح فانهما كالفقراء والمساكين لان كظم الغيظ بمعنى العفو وترك الانتقام وقد ذكر فالعفو بمعنى الصفح الذى هو تطهير القلب عن الحقد على المسيء.
تحقيق مراتب الناس فى القصاص وتركه
{ والله يحب المحسنين } حق العبارة ان يقول والمحسنين لكنه عدل اليه لافادة القسيم وكونه محبوبا لله باخصر لفظ، ولما كان الممدوح من هذه الثلاثة ما كان سجية وما كان منها صادرا عن سجية اتى بها اسماء بخلاف الانفاق فان المقصود والممدوح منه حدوث الفعل وطرح الفضول وفعل الغير وان كان سجيته ايضا ممدوحة ولذلك اتى به فعلا دالا على التجدد الاستمرارى وقد اشار تعالى بهذه العبارة الوجيزة الى مراتب التقوى ومنازل السلوك؛ فان اولى مراتب التقوى والسلوك الانزجار عن فضول الدنيا ومساوئ النفس وهو نحو انفاق من تشهيات النفس ثم انفاق الفضول وطرح شهوات النفس وفى هذه المرتبة يباح له القصاص عن المسيء لكنه ينهى عن الزيادة على قدر الاساءة وهو ايضا تقوى وانفاق من القوة الغضبية وامضائها فانها لا تقف فى مقام مكافاة المسيء على حد وهذه المرتبة لها درجات عديدة، وثانيتها مقام كظم الغيظ وترك امضاء الغضب على المسيء ولهذه المرتبة ايضا درجات، وثالثتها العفو عن المسيء وتطهير القلب عن الحقد عليه ولا يكون الا اذا حصل للسالك مقام الشهود والعيان وشاهد الحق الاول فى مظهر من مظاهره ولهذه المرتبة ايضا درجات وفى هذه المرتبة مهالك عديدة ومفاسد غير محدودة وكل من زاغ وانحرف الى مذهب من المذاهب الباطلة نشأ انحرافه من هذه المرتبة وآخرة درجاتها آخرة درجات العبودية واول ظهور الربوبية وهو مقام الاحسان ومقام المحبوبية لله.
[3.135]
{ والذين إذا فعلوا فاحشة } عطف على الذين ينفقون والفاحشة تطلق على الزنا مخصوصا وعلى ما يشتد قبحه مطلقا وعلى كل ما نهى الله عز وجل عنه { أو ظلموا أنفسهم } الظاهر المتبادر ان يكون المراد بالفاحشة البالغ فى القبح وبظلم النفس مطلق القبيح حتى يكون من قبيل ذكر العام بعد الخاص او الغير البالغ فى القبح حتى يكون قسيما للفاحشة لكنه نسب الى النبى (ص) انه فسر الفاحشة بالزنا وظلم النفس بارتكاب ذنب اعظم من الزنا وان الآية نزلت فى شاب كان ينبش القبور سبع سنين حتى نبش قبر جارية من بنات الانصار واخذ كفنها ثم جامعها فسمع صائتا يقول من ورائه: يا شاب ويلك من ديان يوم الدين يوم يقفنى واياك كما تركتنى عريانة فى عساكر الموتى ونزعتنى من حفرتى وسلبتنى اكفانى وتركتنى اقوم جنبة الى حسابى فويل لشبابك من النار، فندم واتى النبى (ص) باكيا متضرعا ولما علم النبى (ص) بحاله بعد استعلام حاله نحاه من عنده فيئس وخرج الى بعض الجبال وتضرع على الله اربعين صباحا حتى انزل الله تعالى قبول توبته وانزل هذه الآية على نبيه (ص) فخرج مع اصحابه فى طلبه فدلوه عليه فجاء اليه ودنا منه واطلق يديه من عنقه ونفض التراب من رأسه وقال:
" يا بهلول ابشر فانك عتيق الله من النار "
{ ذكروا الله } يعنى لم يكن الفاحشة او ظلم النفس من التمكن فى الجهل بل كان من اللمم النازلة بالعباد المغفورة لانها لم تكن كبيرة كما سبق ان الكبيرة ما كان صادرا من التمكن فى اتباع الطاغوت واما اذا كان الانسان متمكنا فى اتباع على (ع ) وولايته فكلما صدر عنه من المساوى فهو من قبيل اللمات ومن الصغائر وهذا الانسان كلما يوقعه الشيطان فى قبيح يتذكر الله لا محالة ويندم على قبيحه ويستغفر ربه وما ورد فى الاخبار من ان الاصرار ان يذنب الذنب فلا يستغفر الله ولا يحدث نفسه بتوبة، ومن قوله (ع): لا صغيرة مع الاصرار ولا كبيرة مع الاستغفار، ومن قول النبى (ص):
" ما اصر من استغفر وان عاد فى اليوم سبعين مرة "
، وغير ذلك مما ورد فى بيان الكبائر والصغائر يشعر بما ذكرنا فصاحبوا الصغيرة هم الذين اذا فعلوا فاحشة اى فاحشة كانت ذكروا الله { فاستغفروا لذنوبهم } وصاحبوا الكبيرة هم الذين اذا فعلوا فاحشة لم يتذكروا ولم يستغفر الله لذنوبهم، وما ورد من تعداد الكبائر وحصرها فى السبعة او اكثر انما هو للاشارة الى الكبارة بنسبة بعضها الى بعض { ومن يغفر الذنوب إلا الله } معترضة او حالية والمقصود تأييس العباد عن التوجه الى غيره تعالى والاستغفار ممن سواه وتوصيفه تعالى بسعة المغفرة مع حصرها فيه { ولم يصروا على ما فعلوا } عطف على قوله { استغفروا لذنوبهم } ، والاصرار على المعصية كما علم سابقا توطين النفس على المعصية من دون احداث توبة سواء صدرت عنه مكررة ام لا كما ان الكبيرة هى المعصيه الصادرة عن تمكين النفس فى الجهل واتباع الطاغوت { وهم يعلمون } يعنى لم يصروا على الفاحشة او ظلم انفسهم والحال انهم كانوا يعلمون بقبح فعلهم يعنى ان مناط صدق الاصرار على القبيح هو علم الفاعل بقبحه لا قبحه فى نفس الامر فلو اشتبه الاجنبية واصر على المضاجعة معها لم تكن معصية ولا الاصرار عليها اصرارا على القبح.
Unknown page