Tafsir Bayan Sacada
تفسير بيان السعادة في مقامات العبادة
Genres
{ وإن كنتم على سفر } يعنى حين التداين { ولم تجدوا كاتبا } يكتب لكم وثيقة { فرهان } فالوثيقة رهان او يقدر ما يناسب المقام مثل المأخوذ ومثله وقرئ (رهن) بضمتين (ورهن) بضم الراء واسكان العين والجميع جمع الرهن { مقبوضة } وقد اتفق الاماميون على ان شرط اللزوم فى الرهن القبض { فإن أمن بعضكم بعضا } فى السفر او مطلقا فى التداين بترك الكتابة وترك الرهان او فى اعطاء الرهان او فى مطلق الامانات { فليؤد الذي اؤتمن } اى المدين او مطلق الامين { أمانته } دينه سماه امانة لائتمان الدائن المديون عليه او مطلق الامانة { وليتق الله ربه } فى الخيانة والخديعة { ولا تكتموا الشهادة } خاطب الشهود { ومن يكتمها } من غير داع شرعى مبيح لكتمانها { فإنه آثم قلبه } وفى نسبة الاثم الى القلب مبالغة فى الاثم فان الاثم من النفس يظهر على الاعضاء واما القلب المقابل للنفس فانه بريء من الاثم، والقلب بمعنى النفس وان كان منشأ للاثم لكن لا ينسب الاثم اليه بل الى الشخص او الى اعضائه، وفى نسبته الى القلب ايهام ان الاثم سرى من اعضائه الى نفسه، ومنها الى قلبه البريء من الاثم، وعن النبى (ص) انه نهى عن كتمان الشهادة وقال:
" من كتمها اطعمه الله لحمه على رؤس الخلائق "
وهو قول الله عز وجل: { ولا تكتموا الشهادة ومن يكتمها فانه آثم قلبه } { والله بما تعملون } من اداء الامانة والخيانة فيها واداء الشهادة وكتمانها { عليم } وعد ووعيد.
[2.284-285]
{ لله ما في السماوات وما في الأرض } مستأنف فى مقام التعليل لاحاطة علمه { وإن تبدوا ما في أنفسكم } ومنه ابداء الشهادة ولكن لا اختصاص له بها بل يجرى فى كل ما فى النفوس من العقائد والنيات والارادات بل يجرى بوجه فى مكمونات النفوس التى لا شعور لصاحبها بها وابداء تلك المكمونات بظهورها على صاحبها وشعورهم بها { أو تخفوه } ومنه كتمان الشهادة ويجرى فى كل خطرة وخيال ونية وارادة وشأن بل فى المكمونات التى لا شعور لصاحبيها بها مما بقى فى النفوس قواها واستعداداتها ولم تصر بالفعل بعد حتى يستشعر بها صاحبوها فانها بمضمون اخرجت الارض اثقالها ويومئذ تحدث اخبارها يوم القيامة يظهر جميع المكمونات ولا يعزب عنه تعالى شيء منها { يحاسبكم به الله } وما ورد فى الاخبار من عدم المؤاخذة على عزم المعاصى او على الخطرات او على الوسوسة انما هو بحسب المؤاخذة الدنيوية والعقوبات الاخروية ولا ينافى ذلك المحاسبة وعدم ارتفاع الدرجة، وما ورد فى جواب من ذكر الخطرات من عدم استواء ريح الطيب وريح المنتن يدل على ان فيها محاسبة ما، وعن رسول الله (ص):
" وضع عن أمتى تسع خصال: الخطاء، والنسيان، وما لا يعلمون، وما يطيقون، وما اضطروا اليه، وما استكرهوا عليه، والطيرة، والوسوسة فى التفكر فى الخلق، والحسد ما لم يظهر بلسان او يد "
{ فيغفر لمن يشآء ويعذب من يشآء } قرئ بالرفع وبالجزم مع الفاء وبدونه { والله على كل شيء قدير آمن الرسول } ابتداء كلام بل ابتداء آية منقطعة عما قبلها كما سيجيء { بمآ أنزل إليه من ربه } وهذا تبجيل وتنصيص من الله على محمد (ص) بايمانه { والمؤمنون } عطف على الرسول او ابتداء كلام كما سيجيء { كل آمن بالله وملائكته } من المقربين والصافات صفا والمدبرات امرا واولى الاجنحة والركع والسجد ارضيين كانوا ام سماويين { وكتبه } من الكتاب المبين والكتاب المحفوظ وكتاب المحو والاثبات العلمى والعينى { ورسله } من الملائكة ومن البشر فى الكبير والصغير { لا نفرق } اى قائلين وقرئ (لا يفرق) بالياء حملا على لفظ كل ولا يفرقون حملا على معناه { بين أحد } اضافة بين الى احد اما لعمومه لوقوعه فى سياق النفى او لتقدير غيره معه اى بين احد وغيره { من رسله } والمقصود عدم التفريق فى التصديق لا فى التفصيل { وقالوا سمعنا وأطعنا غفرانك } اغفر او نطلب غفرانك { ربنا وإليك المصير } اظهار لاقرارهم بالمعاد بعد اظهار اقرارهم بالمبدأ.
[2.286]
{ لا يكلف الله نفسا } بشيء من تكاليف المعاد والمعاش والجملة جواب لسؤال مقدر كأنه قيل: هل يخرجون من عهدة التكليف بعد ما قالوا سمعنا وأطعنا؟ - فقال: لا يكلف الله نفسا { إلا وسعها } حتى لا يخرجوا من عهدته ويجوز ان تكون الجملة حالا مفيدة لهذا المعنى والمراد بالوسع ما يسعه قدرتهم وتفضل هى عنه { لها ما كسبت } حال او جواب لسؤال مقدر { وعليها ما اكتسبت } يعنى ان نفع حسناتها عائدة اليها لا الى غيرها وكذا ضر سيئاتها، وكسب المال بمعنى اصابه من غير اعتبار تعمل فى تحصيله بخلاف اكتسب فان المعتبر فيه التعمل والاجتهاد واستعمال الكسب فى الطاعات والمعاصى للاشارة الى ان الحركات الصادرة من الانسان بوفاق الامر الالهى وبخلافه مورثة لحصول شؤن نورانية او ظلمانية للنفس هى كالاموال الحاصلة بالحركات المعاشية واستعمال الكسب فى جانب الخير للاشعار بان الانسان لما كانت فطرته فطرة الخير كان كلما يحصل له من طريق الخير يبقى للنفس والنفس اذا خليت وطبعها لا تتعمل فى كسب الخير بخلاف الشر فانه اذا لم يتعمل الانسان فى تحصيله لم يبق اثره لنفسه وان النفس اذا خليت وطبعها لا تحصل الشر الا بالتعمل { ربنا لا تؤاخذنا } جزء مقول المؤمنين وقوله تعالى: { لا يكلف الله }؛ كانت معترضة { إن نسينآ } شيئا من المأمور بها { أو أخطأنا } فى شيء من المنهيات، والخطاء كالنسيان يكون فى الفعل الذى لم يكن الفاعل على عزيمة فيه { ربنا ولا تحمل علينآ إصرا } الاصر بالكسر العهد والذنب والثقل وقد يضم ويفتح فى الكل والمراد به هنا الثقل او الحمل الثقيل وحمل الاصر من الله عبارة عن التكاليف الشاقة التى كانت فى الامم السالفة كما سيأتى وعن الواردات الى كان تحملها شاقا مثل الواردات التى كانت فى بنى اسرائيل على ما روى ان القبط كانوا يقيدونهم بالاغلال ثم يكلفونهم نقل الطين واللبن على السلالم، وعن الواردات النفسانية التى كان تحملها شاقا قبل الاسلام والايمان من مهيجات الغضب والشهوة ومن المصائب الواردة { كما حملته على الذين من قبلنا } من الامم السالفة والجنود النفسانية { ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به } من التكاليف والبلايا التى هى فوق الطاقة، ووجه استعمال التحميل الدال على المبالغة هاهنا والحمل الدال على مطلق الحمل هناك يستفاد من مفعولهما { واعف عنا } عفى عنه ذنبه ترك العقوبة عليه او طهر القلب من الحقد عليه، وقد يستعمل العفو فى المحو والامحاء { واغفر لنا } واستر ذنوبنا عن خلقك او عن انفسنا لانتفاعنا { وارحمنآ أنت مولانا } تعليل واستعطاف { فانصرنا على القوم الكافرين } من الشياطين الانسية والجنية فى خارج وجودنا او داخله فانه حقيق على المولى ان ينصر مواليه على اعدائه.
وفى الاخبار ان هذه الآية مشافهة الله لنبيه (ص) حين أسرى به الى السماء فأوحى الى عبده ما اوحى فكان فيما اوحى اليه هذه الآية { لله ما في السماوات وما في الأرض وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله فيغفر لمن يشآء ويعذب من يشآء والله على كل شيء قدير } وكانت الآية قد عرضت على الانبياء من لدن آدم (ع) الى ان بعث الله تبارك اسمه محمدا (ص) وعرضت على الامم فأبوا ان يقبلوها من ثقلها وقبلها رسول الله (ص) وعرضها على امته فقبلوها فلما رأى الله عز وجل منهم القبول على انهم لا يطيقونها فلما ان سار الى ساق العرش كرر عليه الكلام ليفهمه فقال
Unknown page