103

Tafsir Ayat Ahkam

تفسير آيات الأحكام

Genres

[الحج: 28]. وقد أمر الله رسوله الكريم بالتوجه إليه في الصلاة، بعد أن توجه إلى بيت المقدس ستة عشر أو سبعة عشر شهرا، وذلك لحكمة جليلة هي امتحان إيمان الناس، واختبار صدق يقينهم، ليظهر المؤمن الصادق، من الكاذب المنافق، وليعيد لهذه الأمة التي اختارها الله، قيادة ركب الإنسانية، بعد أن تخلت عنها ردحا من الزمان كما قال تعالى:

هو اجتباكم وما جعل عليكم في الدين من حرج ملة أبيكم إبراهيم هو سماكم المسلمين من قبل وفي هذا ليكون الرسول شهيدا عليكم وتكونوا شهدآء على الناس...

[الحج: 78].

فالكعبة المشرفة - زادها الله شرفا وتعظيما - هي رمز التوحيد؛ ومظهر الإيمان، وقبلة أبي الأنبياء إبراهيم خليل الرحمن وحولها تلتقي أفئدة الملايين من المؤمنين لأنها مظهر وحدتهم، وسر اجتماع كلمتهم، فلا عجب أن يأمرهم الله تعالى بالتوجه إليها في صلاتهم، أينما كانوا في مشارق الأرض ومغاربها كما قال تعالى: { فول وجهك شطر المسجد الحرام وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره... }.

قال الإمام الفخر: (وقد ذكروا في تعيين القبلة في الصلاة حكما:

أحدها: أن العبد الضعيف إذا وصل إلى مجلس الملك العظيم، فإنه لا بد أن يستقبله بوجهه، وألا يكون معرضا عنه، وأن يبالغ في الثناء عليه بلسانه، ويبالغ في الخدمة والتضرع له، فاستقبال القبلة في الصلاة يجري مجرى كونه مستقبلا للملك لا معرضا عنه، والقراءة والتسبيحات تجري مجرى الثناء عليه، والركوع والسجود يجري مجرى الخدمة.

وثانيها: أن المقصود من الصلاة حضور القلب، وهذا الحضور لا يحصل إلا مع السكون وترك الإلتفات والحركة، وهذا لا يتأتى إلا إذا بقي في جميع صلاته مستقبلا لجهة واحدة على التعيين، فإذا اختص بعض الجهات بمزيد شرف كان استقبال تلك الجهة أولى.

وثالثها: أن الله تعالى يحب الألفة بين المؤمنين، وقد ذكر المنة بها عليهم حيث قال:

واذكروا نعمت الله عليكم إذ كنتم أعدآء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا...

[آل عمران: 103] ولو توجه كل واحد في صلاته إلى ناحية، لكان ذلك يوهم اختلافا ظاهرا، فعين الله تعالى لهم جهة معلومة، وأمرهم جميعا بالتوجه نحوها، ليحصل لهم الموافقة بسبب ذلك.

Unknown page