بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله الذي هدانا للتمسك بالثقلين، وجعل لنا القرآن هدى، والمودة في القربى قرة عين. أبلج عن هدى نبيه المرسل بنور كتابه المنزل، وكشف عن سر كتابه المنزل بعترة نبيه المرسل. جعل الكتاب والعترة بينه وبيننا حبلين ممدودين، وصاحبين مصطحبين غير مفترقين، لم يزل أقامهما فينا، طرف منهما بيده وطرف بأيدينا، ما تمسكنا بهما لن نضل، وما اعتصمنا بهما لن نزل. فصل اللهم على محمد وعترته، واسقنا من كأسهم الأصفى ما يروينا، وآتنا من فهم القرآن وعلمه الأوفى ما يغنينا.

أما بعد، فيقول الفقير إلى الله في كل مسلك وموطن، محمد بن مرتضى المدعو بمحسن - زوده الله في دنياه لعقباه، وجعل آخرته خيرا من أولاه -: هذا ما اصطفيت من تفسيري للقرآن المسمى ب‍ " الصافي " راعيت فيه غاية الايجاز مع التنقيح، ونهاية التلخيص مع التوضيح، مقتصرا على بيان ما يحتاج إلى البيان من الآيات، دون ما يستغنى عنه من المحكمات الواضحات، فبالحري أن يسمى ب‍ " الأصفى ".

وعسى أن يفي ببيان أكثر ما لا يفهم ظاهره بدون البيان من القرآن، وإن كان " الصافي " هو الأوفى، وإنما معولي فيه على كلام الامام المعصوم من آل الرسول، إلا فيما يشرح اللغة والمفهوم وما إلى القشر يؤول، إذ لا يوجد معالم التنزيل إلا عند قوم كان

Page 1

ينزل في بيوتهم جبرئيل، ولا كشاف عن وجوه عرائس أسرار التأويل إلا من خوطب بأنوار التنزيل. ولا يتأتى تيسير تفسير القرآن إلا ممن لديه مجمع البيان والتبيان. فعلى من نعول إلا عليهم؟ وإلى من نصير إلا إليهم؟ لا والله لا نتبع إلا أخبارهم، ولا نقتفي إلا آثارهم.

ولهذا ما أوردت فيما يفتقر إلى السماع إلا حديثهم ما وجدت إليه سبيلا، إما بألفاظه ومتونه، أو بمعانيه ومضمونه، غير أني لم أذكر قائله بخصوصه، إذ حديثهم واحد، وحديثهم حديث رسول الله، وحديث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قول الله تبارك وتعالى، كما ورد عنهم عليهم السلام (1).

فكل ما كان من ألفاظهم عليهم السلام صدرته ب ‍ " قال "، أو " ورد "، أو " في رواية ".

فإن تصرفت في شئ منه لتلخيص يستدعيه، أو لتوضيح معانيه، نبهت عليه إن احتاج إلى التنبيه، ليعرف أنه المنقول بمضمونه ومعانيه، وأكثر ما نبهت به على ذلك تذييله ب‍ " كذا ورد "، فإنه من أوجز ألفاظ هذا التنبيه.

وما نقلته من " تفسير علي بن إبراهيم القمي " مما لم ينسبه إلى المعصوم وظاهره أنه مسند إلى المعصوم، صدرته ب‍ " القمي " ليمتاز عن المجزوم.

وما رويت من طريق العامة، صدرته ب‍ " روي " ليمتاز عما رويت من طريق الخاصة.

وما لم أجد فيه إلى حديث المعصوم سبيلا، أو لم أعتمد على ما وجدت منه، وهو مما يفتقر إلى السماع - وعسى أن يكون قليلا - أوردت من سائر التفاسير ما هو أقوم قيلا. والله المستعان، نفعنا الله به وسائر الاخوان، بحق العترة والقرآن، إنه الجواد المنان.

Page 2

مقدمة:

ينبغي لمن أراد فهم معاني القرآن من الأخبار من دون توهم تناقض وتضاد، أن لا يجمد في تفسيره ومعناه على خصوص بعض الآحاد والأفراد، بل يعمم المعنى والمفهوم في كل ما يحتمل الإحاطة والعموم، كما ورد في بعض الآيات من الروايات. فإن وهم التناقض في الأخبار المخصصة إنما يرتفع بذلك، وفهم أسرار القرآن يبتني على ذلك، وإن نظر أهل البصيرة إنما يكون على الحقائق الكلية، دون الأفراد الجزئية.

فما ورد في بعض الأخبار من التخصيص، فإنما ورد للتنبيه على المنزل فيه، أو الإشارة إلى أحد بطون معانيه، أو غير ذلك. وذلك بحسب فهم المخاطب على سبيل الاستئناس، إذ كان كلامهم مع الناس على قدر عقول الناس (1).

وقد عمم مولانا الصادق عليه السلام الآية التي وردت في صلة رحم آل محمد عليهم السلام صلة كل رحم، ثم قال: " ولا تكونن ممن يقول في الشئ: إنه في شئ واحد " (2).

وعليه نبه عليه السلام في حديث المفضل بن عمر، حيث فسر له قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: " علي قسيم الجنة والنار "، وقد ذكرناه في مقدمات " الصافي " (3).

كيف ولو كان المقصود من القرآن مقصورا على أفراد خاصة ومواضع مخصوصة، لكان القرآن قليل الفائدة، يسير الجدوى والعائدة، حاشاه عن ذلك فإنه " بحر لا ينزف (4)،

Page 3

ظاهره أنيق (1)، وباطنه عميق، لا تحصى عجائبه، ولا تبلى غرائبه ". كما ورد (2).

وقد تبين مما ذكرنا معنى التأويل، فإنه يرجع إلى إرادة بعض أفراد معنى العام، وهو ما بطن عن أفهام العوام، ويقابل التنزيل (3). والله يقول الحق وهو يهدي السبيل.

Page 4

سورة فاتحة الكتاب (بسم الله) قال: " الله هو الذي يتأله إليه كل مخلوق عند الحوائج والشدائد، إذا انقطع الرجاء من كل من دونه وتقطع الأسباب من جميع من سواه، يقول: " بسم الله "، أي: أستعين على أموري كلها بالله الذي لا تحق العبادة إلا له، المغيث إذا استغيث، والمجيب إذا دعي " (1).

أقول: معنى يتأله إليه: يفزع إليه ويلتجأ ويسكن. وفي رواية: " يعني: بهذا الاسم أقرأ، أو أعمل هذا العمل " (2). وفي أخرى: " يعني: أسم نفسي بسمة من سمات الله وهي العبادة. قال: والسمة: العلامة " (3). ويأتي حديث آخر في معنى " الله " في تفسير سورة الاخلاص إن شاء الله.

(الرحمن) قال: " الذي يرحم ببسط الرزق علينا " (4). وفي رواية: " العاطف على خلقه بالرزق، لا يقطع عنهم مواد رزقه، وإن انقطعوا عن طاعته " (5).

Page 5