123

Tafsir al-Uthaymin: Ghafir

تفسير العثيمين: غافر

Publisher

مؤسسة الشيخ محمد بن صالح العثيمين الخيرية

Edition Number

الأولى

Publication Year

١٤٣٧ هـ

Publisher Location

المملكة العربية السعودية

Genres

قال المفَسِّر ﵀: [أيِ: العَذاب الذي أنتُم فيه ﴿بِأَنَّهُ﴾ أي: بسبَب أنه في الدُّنيا ﴿إِذَا دُعِيَ اللَّهُ وَحْدَهُ كَفَرْتُمْ﴾]، إذا دُعِيَ الله وحدَه كفَرْتم وأَشرَكْتم، وقُلْتم: ﴿أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ﴾ [ص: ٥]. قال ﵀: [﴿كَفَرْتُمْ﴾ بتَوْحيده ﴿وَإِنْ يُشْرَكْ بِهِ﴾ يُجعَل له شَريك ﴿تُؤْمِنُوا﴾ تُصدِّقوا بالإِشْراك]. وهذا هو الواقِعُ: ﴿وَإِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَإِذَا ذُكِرَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ (٤٥)﴾ [الزمر: ٤٥]، فهُمْ يُصدِّقون بقُلوبهم، وَيستَبشِرون بألسِنتهم، وهذا الإيمانُ في الواقِع قد نَقول: إنه إيمان حَقيقيٌّ، وقد نَقول: إنه إيمان دعَويٌّ، يَعنِي: أنَّه دَعْوة، وأنهم في قَرارة أنفُسِهم يُؤمِنون بالله، وانظُروا إلى أَكفَر أهل الأرض فِرعونَ، كيف أَنكَر الخالِق، وادَّعى الرُّبوبية، وقال لقَوْمه: ﴿مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي﴾ [القصص: ٣٨]، ومع ذلك كان مُؤمِنًا في قَرارة نَفْسه، قال له مُوسى وهو يُحاوِرُه: ﴿قَالَ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنْزَلَ هَؤُلَاءِ إِلَّا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ بَصَائِرَ﴾ [الإسراء: ١٠٢]. هذه الآيةُ أَقولُ لك: تَدُلُّ على أن فِرعونَ كان مُؤمِنًا برُبوبية الله، وذلك لأنه لمَّا قال له مُوسى: ﴿قَالَ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنْزَلَ هَؤُلَاءِ إِلَّا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ لم يَقُل: لم أَعلَم، وهو في مَقام يَرَى نفسه أعلى من موسى، يَعنِي: يَستَطيع أن يُنكِر دعوى موسى لو كان يُنكِر ذلك، لكنه يُقِرُّ بأن الله أَنزَل التَّوراة على موسى ﵊. وَيدُلُّ لهذا قوله تعالى: ﴿وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا﴾ [النمل: ١٤]. ولهذا لا يُمكِن لأَحَد عاقِل - وأُريد بالعاقِل مَن سِوى المَجنون - أن يُنكِر أنَّ لهذا

1 / 127