وقوله: ﴿كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ﴾، المفسد مقابل الذين آمنوا وعملوا الصالحات، فيكون المراد بالمفسدين في الأرض: الكفّار الذين يعملون السيئات.
فكلُّ كافر فهو مفسد في الأرض، في مقابل: ﴿الَّذِينَ آمَنُوا﴾. وكلُّ عاصٍ، فهو مفسد في الأرض، في مقابل: ﴿وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ﴾، فالشيء يُعرَف بمقابله.
ولهذا فسَّر أهل العلم قوله تعالى: ﴿وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا﴾ [الأعراف: ٥٦]، فسّروا ذلك بالمعاصي، قالوا: لا تفسدوا في الأرض بالمعاصي وهذا التفسير صحيح، يشهد له قوله تعالى: ﴿ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (٤١)﴾ [الروم: ٤١].
فإن قيل: هل هدم البيوت فساد في الأرض؟ فالجواب أنها لا تُنْفي ولا تُثْبت، إنْ هدمَها الإنسان ظلمًا وعدوانًا، فهو فساد في الأرض، لأنه معصية لا يجوز للإنسان أن يعتدي على بيت أخيه، فيهدمه، وإنْ هدمَها لإصلاحها، فهذا ليس فسادًا في الأرض.
وقال تعالى: ﴿أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ (٢٨)﴾ أم هنا أيضًا بمعنى بل، وهمزة الاستفهام الذي يراد بها الإنكار والنفي.
قال المؤلف ﵀: [﴿أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ...﴾ - لمّا قال كفار مكة للمؤمنين: إنّا نُعطى في الآخرة مثل ما تُعطون] هذا قد يكون صحيحًا، وقد لا يكون صحيحًا،