Tafsir Al-Uthaymeen: Surah Fussilat
تفسير العثيمين: فصلت
Publisher
مؤسسة الشيخ محمد بن صالح العثيمين الخيرية
Edition Number
الأولى
Publication Year
١٤٣٧ هـ
Publisher Location
المملكة العربية السعودية
Genres
وتذْهَبُ؛ فكُلُّ هذِه الأفْعالِ أُسْنِدت إلَى الشَّمْسِ، والأصْلُ أنَّ الفِعْلَ إذا أُسنِدَ إلَى شيْءٍ أنْ يَكونَ قائِمًا بِه، فيَكونُ ظاهِرُ القُرْآنِ أنَّ الشَّمسَ هِي الَّتي تَدُورُ على الأرْضِ: ﴿وَتَرَى الشَّمْسَ إِذَا طَلَعَتْ﴾ [الكهف: ١٧]، إذَنْ مَعناها هِي الَّتي كانَت مخُتَفيةُ ثمَّ طَلَعت علَينا، وهؤُلاءِ الَّذِين يقُولُون: الأرْضُ تدُورُ فيَكون معْنَى ﴿إِذَا طَلَعَتْ﴾ أيْ إذا طلَعنا علَيْها؛ لأَنَّنَا نحْن الَّذِين نأتِي إلَيها، أمَّا الشَّمسُ فهِي ثابِتةٌ قارَّةٌ؟
قُلنا: يَجُوز أنْ تَكونَ الأرْضُ تَدُورُ والشَّمْسُ أيْضًا تدُورُ، وإذا كان الدَّوَرانُ بِالعَكْسِ فظاهِرٌ أَنَّه يَتَعاقَبُ اللَّيلُ والنَّهارُ، يعْنِي: إذا كانَتِ الأرْضُ تَدُورُ نحْوَ الشَّرْقِ والشَّمْسُ تَدُورُ نحْو الغَرْبِ، فهَذا مُمكِنٌ بكُلِّ سُهُولةٍ، فإِن كانَتا تَدُوران إلَى اتِّجاهٍ واحِدٍ فإنَّ إحْداهُما إذا كانَت أسْرَعَ مِنَ الأُخْرَى تَحقَّقَ اخْتِلافُ اللَّيْلِ والنَّهارِ، ومَن قال: إنَّه لا يُمكِنُ أنْ نَقولَ: إنَّ الشَّمسَ تجْرِي إلَّا إذا قُلْنا: إنَّ الأرْضَ ثابِتة لا تَدُورُ.
فأمَّا إثْباتُ دوَرانِ الأرْضِ مَع دَوَرانِ الشَّمْسِ فإِنَّ هَذا لا يُمْكِنُ، فإنَّه قوْلٌ غيْر صَحِيحٍ، أمَّا الإمْكانُ فمُمكِنٌ، ولَو قُلْنا بِدَوَرانِهما جَمِيعًا، لكِنَّ الشَّيْء الَّذي نَعْتَقِدُه الآنَ: أنَّ اللّيْلَ والنَّهارَ يحْصُلُ بتَعاقُبِ الشَّمْسِ على الكُرَةِ الأرْضِيَّةِ، لا بِتَعاقُبِ الكُرَةِ على الشَّمْسِ؛ لأنَّ هَذا هُو ظاهِرُ القُرْآنِ والقُرْآنُ صَدَر عَن الخالِق ﷿ وهُو أعلَمُ بما خلَقَ، ولا يُمكِنُ أنْ نَحِيدَ عَن هَذا قِيدَ أنمُلةٍ ما دام لَم يَظْهرْ لنا أمْر حِسِّيٌّ لا يُمْكِنُ التَّكذِيبُ بِه.
وعِنْد بعْضِهم - أيْ: بَعْضِ الَّذِين يَقولُون بِدوَران الأرْض - يَقولُون: عِندنا أمْر قَطْعِيّ بِدلِيلِ الصَّوارِيخِ العابِرةِ لِلقَّارَّاتِ؛ فإنَّها تُقَدَّرُ بتَقْدِيرٍ مُعيَّنٍ بِحَيثُ يَتَماشَى مَع دَورانِ الأرْضِ، فَيُصِيبُ الهَدَفَ وإلَّا لما أمْكَنَ.
وعلى كلِّ حالٍ: فهَذِه المَسْألَة - في يوْمٍ مِن الأَيَّامِ - كانَت مَثارًا للْجَدَلِ بيْن
1 / 71