Tafsir Al-Uthaymeen: Surah Fussilat

Muhammad ibn Salih al-Uthaymeen d. 1421 AH
58

Tafsir Al-Uthaymeen: Surah Fussilat

تفسير العثيمين: فصلت

Publisher

مؤسسة الشيخ محمد بن صالح العثيمين الخيرية

Edition Number

الأولى

Publication Year

١٤٣٧ هـ

Publisher Location

المملكة العربية السعودية

Genres

لَه أندادًا في الذَّاتِ، فيَقولَ: إنَّ اللهَ لَه مَثِيلٌ كما فعلَتِ النَّصارَى، حيثُ قالُوا: ﴿قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ﴾ [المائدة: ٧٣]، وكما فعَلَ المُمثِّلَةُ الَّذِين مَثَّلوا صِفاتِ الله بصِفاتِ خَلْقه، فإنَّ هَذا مِن الشِّركِ. وقدْ يَكون نِدًّا في العِبادةِ يَعبُده وإنْ كان لا يَرى أَنَّه مِثل اللهِ ﷿ لكِن يَعبُده، ويدَّعي أَنَّه إنَّما عبَده لِيُقرِّبَه إلى الله ﷿ وقَد يَكون هُناك أنْداد في المَحبَّة بأنْ محبَّ الشَّيءَ كما يُحِبُّ اللهَ. والعَجَبُ أنَّ الشَّيطانَ يَجرِي مِن ابْن آدَم مجَرَى الدَّم، فيُحِبُّ الشَّخصَ، ويتَعلَّقُ به كَثيرًا، ويَقولُ: أنا أُحِبُّه للهِ، والحَقِيقةُ أَنَّه يُحِبُّه مَع اللهِ ولَيسَ للهِ. فالَّذِي محبُّ الشَّخْصَ لله تَكونُ المَحبَّةُ الأصلِيَّةُ هي محَبَّةَ اللهِ؛ فهَذا أحبَّه؛ لِأَنَّهَ يُحِبُّ اللهَ، لكِنَّ الَّذي يَجعَلُ قَلْبه مُنْصرفًا إلى هَذا المَحبُوبِ لا يُفكِّرُ إلَّا به، ولا ينامُ إلَّا على ذِكْرِه، ولا يَستَيقِظُ إلَّا بذِكْرِه؛ هَذا لَم محبَّه للهِ، بَلْ أحبَّه مَع اللهِ، وهَذا شِركٌ كَما قال تَعالى: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ (١٦٥)﴾ [البقرة: ١٦٥]. وكذَلِك مِن النِّدِّ أنْ يَتَعلَّقَ قَلْبُ الإنْسانِ بِالمَخْلُوقِ خَوفًا ورَجاءً، لا محَبَّةَ خوفٍ ورَجاءٍ، بِحَيثُ يَعتَمِدُ علَيه في تَحصِيلِ مَعاشِه، أو في دَفْعِ الضَّرَر عنْه، وهَذا يَقَعُ كثِيرًا ولا سِيَّما بعْد فتْحِ المُستَشفَياتِ؛ فإنَّ أكثَرَ النَّاسِ يَتَعلَّقُ قلبُه بالمُستَشفى، تَجِدُه إذا مرِضَ أخَذ حبَّةً أو حبَّتيْن، ولا يقُولُ: يا ربِّ عافِني! أو يلْجَأُ إلَى اللهِ، مَع أَنَّه رُبَّما يَكون هَذا الطَّبِيبُ الَّذي اعتَمدَ علَيه ورَجاه كافِرًا مُلْحدًا، فهَذا أيْضًا مِن اتِّخاذِ النِّدِّ للهِ. ولِهَذا كان ضرَرُ بعضِ المُستشفِياتِ الآن - مَع ما فِيها مِن النفْعِ والخَيرِ الكَثِيرِ والحمدُ للهِ -: أنَّ النَّاسَ صاروا يُعلِّقون آمالَهم، ويجْرُّون آلامَهم إلَيْها، فلَو تُصيبُ الإنْسانَ الشَّوكةُ، أو المَرْأةُ إذا جاءَها الطَّلقُ، وصارَت تُطلِق طلْقًا عاديًّا - واللهِ هذِه

1 / 62