﴿فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ﴾ [المائدة: ٣٨]، فلم يُشَرِّعِ اللهَ الحُدودَ إلَّا من أَجْلِ أن يَخافَ النَّاسُ منها ويَجتَنِبوا المَعاصي، والقَريَةُ الَّتي دَمَّرت قَريَةَ بَني إِسرائيلَ حتَّى صار أَهْلُها قِرَدَةً خاسِئينَ لمِاذا: ﴿فَجَعَلْنَاهَا نَكَالًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهَا وَمَا خَلْفَهَا﴾ [البقرة: ٦٦].
فالحاصِلُ: أنَّه لا حَرَجَ على الإنسانِ أن يَدَعَ المَعاصيَ خوفًا مِن عُقوبَةِ اللهِ الدُّنيويَّةِ والأُخْرويَّةِ، ولا يُعَدُّ ذلك قَدْحًا في سُلوكِهِ ومَنهجِهِ.
من فوائِدِ الآيةِ الكريمَةِ:
الْفَائِدَة الأُولَى: إِثباتُ العَذابِ، وَيكونُ في الدُّنيا وفي القبرِ وفي الآخرَةِ، في الجَميعِ قال اللهُ تعالى: ﴿وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى﴾ [السجدة: ٢١]، وهو عَذابُ الدُّنيا: ﴿دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ﴾ وهو عَذابُ الآخِرَةِ ﴿لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ﴾، وهذا يَتَعَيَّنُ أن يَكونُ المُرادُ بـ ﴿الْعَذَابِ الْأَدْنَى﴾، ليس عَذابُ القَبْرِ كما قيل، بل هُو عَذابُ الدُّنيا؛ لأنَّ عَذابَ القَبرِ لا يُمْكنُ فيه الرُّجوعُ، فإذن: ﴿الْعَذَابِ الْأَدْنَى﴾ هو عَذابُ الدُّنيا و﴿الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ﴾ هو عَذابُ الآخِرَةِ، ولهذا جاء في الحَديثِ حَديثِ المُتَلاعِنينِ أنَّ الرَّسولَ قال: "عَذابُ الدُّنيا أَهونُ من عَذابِ الآخِرَةِ" (^١).
فإِنْ قال قَائلٌ: بَعضُ أَهلِ العِلمِ استَدَلَّ بقولِهِ تَعالى: ﴿وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى﴾ [السجدة: ٢١] على عَذابِ القَبرِ، ما وَجهُ استِدْلالهِم؟
فالجَوابُ: ظَنُّهم أنَّ العَذابَ هُنا عَذابُ عُقوبَةِ الآخِرَةِ وقالوا: إنَّ عُقوبَةَ القَبرِ قَبْلَ عُقوبَةِ يومِ القِيامَةِ.
(^١) أخرجه مسلم: كتاب اللعان، رقم (١٤٩٣)، من حديث ابن عمر ﵄.