259

Tafsīr al-ʿUthaymīn: al-Qaṣaṣ

تفسير العثيمين: القصص

Publisher

مؤسسة الشيخ محمد بن صالح العثيمين الخيرية

Edition Number

الأولى

Publication Year

١٤٣٦ هـ

Publisher Location

المملكة العربية السعودية

Genres

ثُمَّ إنه إذَا كَانَ الدَّرْءُ مِن بَاب المقابَلة، فَقَدْ تَضْعُفُ الحسنةُ الثَّانيةُ عن مُقَابَلَةِ السيئة، فصار الدَّرْءُ بالتوبة أكملَ مِنَ الدَّرْءِ بِفِعْلِ حَسَنَةٍ أُخْرَى تُقابِل السيئةَ، وكلا الأمرين يَحْصُلُ به الدَّرْءُ.
وقول المُفَسِّر ﵀: [مِنْهُمْ] كلامُه هَذَا -حَقِيقَةً- وَجِيهٌ، لَكن لَو قلنا: إنها أَعَمُّ، وإنهم يَدْرَؤُونَ بالحَسنةِ السيئةَ، منهم ومِن غَيْرِهِم، أي: إذا أُسِيءَ إلَيْهِم دَفَعُوا الإساءةَ بالإِحْسَانِ، فيكونُ هنا ثَنَاءٌ عليهم مِنْ حيثُ معاملتهم مع الخَلْقِ، قَالَ اللَّهُ تعالى: ﴿وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ (٣٤) وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ﴾ [فصلت: ٣٤ - ٣٥].
وَعَلَى هَذَا، فنَحْمِلُ الآيَة عَلَى المَعْنيَيْنِ: ﴿وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ﴾ بالنِّسبة لمِا يَقَعُ منهم في عِبَادَة اللَّه، ﴿وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ﴾ بالنِّسبة لمَا يَقَعُ مِن غَيْرِهِم في المعَامَلَة.
قال الرَّسُول ﷺ لما سأله الرَّجُل عن إنسان يأتي ليَأْخُذَ ماله قال: "فَلَا تُعْطِهِ مَالَكَ". قَالَ: أَرَأَيْتَ إِنْ قَاتَلَنِي؟ قَالَ: "قَاتِلْهُ". قَالَ: أَرَأَيْتَ إِنْ قَتَلَنِي؟ قَالَ: "فَأَنْتَ شَهِيدٌ"، قَالَ: أَرَأَيْتَ إِنْ قَتَلْتُهُ؟ قَالَ: "هُوَ فِي النَّارِ" (^١).
فلذلك فإنَّ قَوْلَ المُفَسِّر ﵀ في تفسير قَولِه تعالى: ﴿وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ﴾: [مِنْهُمْ] مِنَ الصَّوابِ أَنْ نَجْعَلَهُ أَعَمَّ، أي: مِنهم في مُعَامَلَتِهم مع اللَّه، ومِن غَيرهم في مُعَامَلَتِهم مَعَ الخَلق.

(^١) أخرجه مسلم: كتاب الإيمان، باب الدليل على أن من قصد أخذ مال غيره بغير حق، كان القاصد مهدر الدم في حقه، وإن قتل كان في النار، وأن من قتل دون ماله فهو شهيد، رقم (١٤٠).

1 / 263