14

Tafsir Al-'Uthaymeen: Faatir

تفسير العثيمين: فاطر

Publisher

مؤسسة الشيخ محمد بن صالح العثيمين الخيرية

Edition Number

الأولى

Publication Year

١٤٣٦ هـ

Publisher Location

المملكة العربية السعودية

Genres

نقول: هذا الإسْتِثْناءُ لا شَكَّ أنَّه باطِلٌ؛ لأنَّ الآيَةَ ﴿إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ فقال: ﴿عَلَى كُلِّ شَيْءٍ﴾ وَقَوْله: "إنَّ العَقْلَ خَصَّ ذاتَه فليس عَلْيها بقادِرٍ" نقولُ: إنَّ العَقْلَ لا يُمْكِنُه أن يُخَصِّصَ هذا الخَبْر بدون دليلٍ، ولو ذَهَبْنا نخصِّص مثل هذه العُموماتِ بالعُقولِ لَأَبْطَلْنا كثيرًا من دَلالاتِ الكِتَابِ والسُّنَّة. وماذا تريد بِقَوْلك: "خَصَّ العَقْلُ ذاتَهُ فليس عَلَيْها بقادِرٍ؟ " إن أردْتَ أنَّه ﷾ لم يكُنْ قادرًا على ذاتِهِ؛ بمَعْنى أنَّه لا يَقْدِر مثلًا أن يُمْرِضَ نفسه أو أن يُعْدِمَ نَفْسَه ﷾ فهذا أَصْلٌ لم تتعَلَّقْ به القُدْرَة؛ لأنَّ هذا من الأُمورِ المُسْتَحيلَة، وإن أردتَ أنَّه ليس قادِرًا على أن يفعل، فلَعَلَّ هذا مُرَادُه - لأنَّ الأشاعِرَة ومن شابَهَهُم يُنْكِرون الأَفْعالَ الإخْتِيارِيَّةَ - فهذا كَذِبٌ؛ بل العَقْلُ يدلُّ على أنَّه ﷾ لم يَزَلْ ولا يزال فعَّالًا لمِا يُريدُ. وتُوجَدُ عِبارَةٌ تقع كثيرًا بين النَّاس تقول: (إنَّ الله على ما يشاءُ قَديرٌ) نقولُ: هذه عِبارَة خَطَأٌ؛ لأنَّ هذا يُوهِمُ أنَّ ما لا يَشاؤُهُ فليس قادِرًا عليه، هذا أوَّلًا. وأمَّا قَوْله تعالى: ﴿وَهُوَ عَلَى جَمْعِهِمْ إِذَا يَشَاءُ قَدِيرٌ﴾ [الشورى: ٢٩]، فالمشيئة هنا ليست عائِدةً على القُدْرَة بل عائِدَةٌ على الجَمْع؛ يعني: إذا شاء جَمْعَهُم فإنَّه قديرٌ عليه ردًّا على من أنكروا البَعْثَ، وقالوا: كيف يَجْمَعُ الله النَّاسَ وَيبْعَثُهم بعد أن ماتوا؟ ثانيًا: أنَّكَ إذا قُلْتَ: (إنَّه على ما يشاءُ قَديرٌ) فقد خالَفْتَ التَّعْبيرَ القُرْآنِيَّ الذي أطلق الله فيه وعَمَّمَ: ﴿إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾. ثالثًا: أنَّ هذا مَأْخوذٌ مِن مَذْهَبِ القَدَرِيَّةِ؛ لأنَّ القَدَرِيَّةَ يقولون: (إنَّ الله لا يَقْدِرُ على عَمَلِ العَبْدِ) فهو غَيْرُ داخِلٍ في قُدْرَة الله، وإذا لم يَقْدِر عليه فإنَّه لا يَشاؤُه، وكذلك

1 / 18