Tafsir Al-Uthaymeen: Az-Zumar
تفسير العثيمين: الزمر
Publisher
مؤسسة الشيخ محمد بن صالح العثيمين الخيرية
Edition Number
الأولى
Publication Year
١٤٣٦ هـ
Publisher Location
المملكة العربية السعودية
Genres
وقوله: ﴿فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾: ﴿بِمَا﴾ ما اسم موصول بمعنى الذي، وعائدها محذوف وهو المفعول به في قوله: ﴿تَعْمَلُونَ﴾ أي: بما كنتم تَعْمَلونه. و(ما) الموصولة، بل وجميع الأسماء الموصولة، تفيد العموم، والدليل على أنَّ الأسماء الموصولة تفيد العموم قوله تعالى: ﴿وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ﴾ [الزمر: ٣٣] فأعاد الإشارة إليه جمعًا مع أنه مفرد، وهذا يدلُّ على أنه يفيد العموم.
إذن: كل ما نَعْمَلُ من خير وشَرٍّ وصغير وكبير وسابقٍ ولاحِقٍ، فإن الله تعالى يُنَبَّئُنا به؛ أي: يُخْبِرُنا به.
وتأمَّلِ اللُّطْف والإحسان؛ حيث قال تعالى: ﴿يُنَبِّئُكُمْ﴾ [الأنعام: ٦٠] ولم يقل: (يُؤاخِذُكم) لأنَّه ثبت في الصَّحيح: "أنَّ اللهَ ﷿ يخلو بِعَبْدِهِ المُؤْمِنِ، فيُقَرِّرُهُ بِذُنُوبِهِ، ويقول: عَمِلْتَ كَذَا في يَوْمِ كَذَا، وعَمِلْتَ كَذَا في يَوْمِ كذا حتى يَعْتَرِفَ، ثم يقول الله له: قَدْ سَتَرْتُها عَلَيْكَ في الدُّنْيَا، وأنا أَغْفِرُهَا لَكَ الْيَوْمَ" (١).
فهذا إنباءٌ بدون مؤاخَذَةٍ؛ ولهذا قال ﴿يُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ [الأنعام: ٦٠] ثم المؤاخَذَة إليه، فالإنباءُ وعدٌ عليه، والمؤاخَذَة إليه: ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ﴾ [النساء: ٤٨]؛ ولهذا كان الكُفَّار لا يُنَبَّؤُون بعملهم كما يُنَبَّأُ المؤمن؛ يعني أنَّ الله يخلو به، ويستر عليه، ويُقَرِّره بذنوبه معه وَحْدَه، أما الكُفَّار - والعياذ بالله - فيُنادَى على رؤوس الأشهاد ﴿هَؤُلَاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى رَبِّهِمْ أَلَا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ﴾ [هود: ١٨] والله أعلم.
_________
(١) أخرجه البخاري: كتاب المظالم، باب قول الله تعالى: ﴿أَلَا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ﴾، رقم (٢٤٤١)، ومسلم: كتاب التوبة، باب قبول توبة القاتل وإن كثر قتله، رقم (٢٧٦٨)، من حديث ابن عمر ﵄.
1 / 73