Tafsir Al-Uthaymeen: Az-Zumar
تفسير العثيمين: الزمر
Publisher
مؤسسة الشيخ محمد بن صالح العثيمين الخيرية
Edition Number
الأولى
Publication Year
١٤٣٦ هـ
Publisher Location
المملكة العربية السعودية
Genres
وربما يَقول: أنا لا أُصلِّي لك! دَعْني! وبعض الناس إذا أَمَرْته وذكَّرْته فرِحَ وانشَرَح صَدْره، وقد بيَّن الله تعالى في سورة الأنعام صورةً مُقرَّبة لهذا المَعنَى فقال ﷾: ﴿فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا﴾ يَعنِي: شديد الضيق ﴿كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ﴾ [الأنعام: ١٢٥] يَعنِي: كأنه إذا عُرِض عليه الإسلام يَصعَّد في السماء، أي: يَتكَلَّف الصعود.
وقدِ اختَلَف العُلَماء ﵏ في مَعنَى ﴿يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ﴾ هل مَعناه: ما اشتُهِر الآنَ من أن الإنسان كُلَّما ارتَفَع في الجوِّ كثُر عليه الضَّغْط، أو أن المَعنى: يَصعَد جَبَلًا عاليًا شامِخًا يَتعَب في رُقيِّه، فالمُفسِّرون السابِقون لا شَكَّ أنهم لا يَعرِفون عن مَسأَلة الضَّغْط، والمُتأخِّرون يَعرِفونه، والله ﷿ يَعلَم هذا وهذا، والآية صالِحةٌ للأَمْرين؛ لأنك لو تَصوَّرت جبَلًا صَعْبَ الرُّقيِّ، وعاليًا يَعنِي: في السماء، مَعناه: عالٍ، وصَعِده الإنسان يَتكلَّف لا سيَّما إن كان عنده ضَغْط يَتعَب جِدًّا، وإذا قُلْنا: إن المُراد بذلك أن الإنسان يَصعَد في السماء فوق الغِلاف الجَويِّ فهو ظاهِر أيضًا.
قول الله ﷿: ﴿أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ﴾ من عَلامة شَرْح الصَّدْر: قَبول الخبَر، وتَصديقه، وقَبول الأمر وامتِثاله، وقَبول النهيِ واجتِنابه، أي: لا يَكون عنده تَردُّد فهذا لا شَكَّ أنه كما قال تعالى: ﴿فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ﴾.
قال المُفَسِّر ﵀: فاهتَدى فهو على نور فأَفادَنا المُفَسِّر ﵀ أن في الآية حَذْفًا، تَقديره: فاهتَدَى، ويُؤيِّده: ﴿فَهُوَ عَلَى نُورٍ﴾، لكن الواقِع: أنه لا حاجةَ لهذا التَّقديرِ؛ لأن قوله تعالى: ﴿أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ﴾ أَيْ: بمُجرَّد أن يَشرَح الله تعالى صَدْره للإسلام يَصير على نور، وهو إذا شرَحَ الله تعالى صَدْره للإسلام فهو سيَهتَدي قَطْعًا.
1 / 176